أقلام

وداعاً موائد الطعام

ايمان الموسى

دعيت إلى وليمة فاخرة، حيث يقتضي العرف عندنا وجوب إجابة الدعوة، وبما أن الأكل لذة من لذات الحياة، فيقول بعض الفلاسفة “الناس تأكل لتعيش وبعضهم يعيش ليأكل”، ومهما دعينا للتقشف والرضا بما قسمه الله  في الأكل فلا جدال أن الناس تعيش لتأكل..

حتى القرآن الكريم وعد المؤمنين بأنهار اللبن والعسل المصفى ولحم طير مما يشتهون، والناس فيما يعشقون مذاهب. بعدما فتح البوفيه رأيت أصنافا مغرية، وأطباقا مزركشة، مرتبة ومنمقة، سرعان ما تحولت إلى جبهة حرب. فالغزاة  بدأوا بالهجوم بأسلحتهم الفتاكة وأمتلأت الصحون كأهرامات؛ قطع فوق بعضها ليتساقط الزائد أرضا..

وها هي صديقتي الأولى تحولت كذلك إلى لورد فن اختيار الأطايب، وتنتقي المزز وتشعر بنشوة تذوق الطعام. أما صديقتي الثانية فذرفت عيناها دمعا من شدة لذة الطعام، ولا أخفي عليكم شعور صديقتي الثالثة، فهي تعرف أطايب الطعام وشكلها يفتح النفس وهي تأكل.

أما بقية الصديقات فيفتحن عيون معدتك ويحذرن بأن نص عمرك يفوت إذا لم تتذوق الأصناف الجديدة. ولهن بطولات وغزوات في مطاعم جديدة ولهن السبق في التذوق. فهناك المطعم الهندي الحريف وبهاراته، والمطعم الفرنسي، والأوروبي، أما الكسكس المغربي فقد أصبح عالميا، وكذلك الأكلات الشامية ومتعة تذوقها. ولتناول التكة  العراقية أصول وفنون. وبينما الحديث مستمر عن أبطال حلبات العالم للطعام، الأكيلة الأبطال منغمسات بلا رأفة ولا حنان..!!
سقطت إحدى الصديقات!! وتلقفناها بخوف! واستنجدنا لها بالإسعاف، فحضر الدكتور  وشخصها بنوبة موت من الإشباع، وغرز أبرة في الذراع، وسقاها الدواء، ونحن في ذهول مما رأينا خوفا من الموت المحتوم..!
رفع الدكتور يده آمرا بالاعتزال عن أصناف لذيذ الطعام؟ وإلا ستكون شهيدة بطنها الذي أصبح كقاذفة ألغام، وأمرها بأكل المسلوق والبعد عن المطاعم وموائد الطعام.

بالفعل هي مأساة بعدما أفني العمر ببطولة تذوق لذائذ الطعام، يرجع خاسرا المعركة ويخسر أسلحته فيقتصر على مسلوق الطعام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى