أقلام

التوافق

فاطمة الشيخ محمد الناصر

البشر بطبعهم يميلون إلى توطين علاقات اجتماعية تختلف في امتداداتها وتشابكها النفسي والعاطفي، وهنا نلاحظ تفاوت التعاملات البشرية من حيث نوعية العلاقة، وتبان التضاريس كلما كانت الروابط التي تولدت عميقة ولها امتداد حياتي طويل، لذلك نلاحظ البشر ينحازون إلى بعض المواصفات في تلك العلاقات الاجتماعية سواء كانت تلك العلاقة أسرية أو مهنية.

فتبدأ علاقة اختيار الشريك المناسب لتكوين حياة زوجية متناغمة بالبحث، حيث تعتمد تلك العملية على مستوى وعي الرجل ووعي المرأة كذلك، يضع كلاهما مواصفات معينة قبل الغور في تلك المساحات، أحيانا كثيرة قد تكون تلك المواصفات غير معقولة، لدرجة قد تضفي صعوبة فعلية في اختيار شريك الحياة.

وحين يكون التركيز على جانب الافكار وتوافقها سيكون هناك فضاء من الاختلافات، حيث أن البيئة وثقافة الفرد تلعب دورا كبيرا في نشوء الأفكار وتكوينها، وفي الحقيقة لن يتواجد أي توافق من هذا الجانب، فلكل فرد منا كينونته وطبائعه التي تكونت نتيجة التأثيرات المختلفة، فالبحث عن التوافق بشكله الكلي من ناحية الأفكار وتواردها أو تشابهها لا يوجد فعليا.

لكن يتقدم حال البحث والاختيار النظر في أخلاقيات الفرد ومستوى وعيه وتجربته في الحياة، وهو الجانب الفعلي والواقعي الذي يُمكن الرجل والمرأة من اسقاط الكثير من المواصفات التوافقية المأمولة في شريك الحياة، غالبا وضع مواصفات مبالغ بها من باب الخوف يولد هاجس مؤرقا بتقبل شريك حياة مختلف من الناحية الفكرية، حيث أن الكثير لا يرغب أن يزعج عقله لاستيعاب الآخر وتقبله، ومنشأ هذه الرؤية قد تكون التعاملات اليومية مع تلك الفروقات بين الأفراد في المجتمع، وهو أمر طبيعي أن يخشى الفرد أن يقع في المتاعب التي هو في غنى عنها، لذلك نجد أن هناك مساحة للتعارف كلما امتدت منحت كلا الطرفين فرصة أعمق للحصول على مواصفات توافقية جزئية وهي ما تعارفنا عليه “بأيام الخطوبة”.

كما يمكن خلق التوافق من خلال السعي لتطوير شريك الحياة سواء كانت هذه الرغبة للتغيير من الرجل أو المرأة، بمعنى حين وجود الانجذاب يمكن أن يتوفر التجاوب والمحاولة لخلق توافقية مشتركة وفي حدود معقولة ومقبولة، وحتى الرغبة في مشاركة شريك الحياة بعض هواياته أو هواياتها يُولد التوافقية معتمدا ذلك على ابداء الاهتمام الفعلي.

فعملية الانسحاب حال الارتباط بشريك الحياة مؤشر على عدم الاستعدادية سواء لحمل المسؤولية أو خلق التوافقية وتكوينها، وقد يكون الانسحاب ناجما عن نسج أفكار من مؤثرات اجتماعية بحيث تحاك صور تخيُليه لحياة يكتنفها التوافقية من خلال بعض الخطوات التي اقتنصها من غيره، لكن الصورة الواقعية أن تحقيق الكثير خلال هذه المسيرة معتمد على وعي وادراك الشركيين لمتطلباتهم سواء النفسية أو الفكرية وغيره.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى