أقلام

الحاج محمد علي البوصالح.. صاحب السجدة الطويلة

عبدالله البحراني

ومن الذين تتردد أسماؤهم في حي الشعبة بالمبرز، من أهل التقى والورع وحب العبادة: الحاج المرحوم محمد بن علي بن حسن البوصالح. من عشاق بيوت الله. طالما سمعنا الثناء عليه وعلى شمائله الحميدة. تميز بلين الجانب والتسامح.[1] وصفه أخي الحاج أحمد بن المرحوم محمد إبراهيم البحراني، بقوله: (هو من رجال الحي المعروفين بتقواهم، له دكان في قيصـرية المبرز، حريصاً على الكسب الحلال، وعرف بأمانته وحسن تعامله).[2]

من مواليد 1320 هجري (تقريباً).[3] ذو سمعة عطرة في مجتمعه. من عشاق بيوت الله. تزوج أولاً من المرحومة عائشة بنت عبدالله بن حسن البوصالح. والثانية المرحومة مريم بنت صالح بن عبدالله البوصالح. وأبناؤه (علي، وأحمد، وحسين، وعبدالعزيز، وعيسـى، وياسين، وراضي).[4] ويقع بيته في شمال براحة القوارة في جوار الحسينية الجعفرية.

التقيت بالحاج حسين بن محمد علي البوصالح. وسألته عن والده فقال:

أتذكر في أحد الأيام كان لي لقاء مع سماحة السيد ناصر بن السيد هاشم العلي (والد السيد عبدالأمير) وذكر الوالد وأثنى عليه وترحم، وقال: في الماضي كان من المعتاد أن يقوم بعض (الحملادارية في المنطقة) بجمع بعض الإعانات لطلاب العلم في العراق. ويقوم على جمع تلك التبرعات الملا ناصر بن محمد الخميس (رحمه الله). ومن القلة التي كانت تساهم في هذا الجهد المرحوم محمد علي البوصالح، واستمر في ذلك لسنوات. ويعلق الحاج حسين البوصالح على ذلك: (وهذه من الأمور التي لا نعرفها عن الوالد في حياته).[5] علماً أن الوضع الاقتصادي للبلاد في تلك الفترة (فترة السبعينات الهجرية بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة النبوية) كانت سنوات عوز وكفاف.

ويضيف الحاج حسين البوصالح:

ومن الأمور التي سمعتها عن الوالد أنه كان جالساً في دكانه في أحد الأيام وجاءه الحاج أحمد بن حسن الميدان يرافقه جماعه من أهل الحي، وسلموا على الوالد، ولكن بسلام من كان قادماً من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام).

فقال لهم الوالد: ولكني لم أتشرف بالزيارة في هذا العام.

فأجابه الحاج أحمد الميدان قائلا:

في صباح هذا اليوم، كنا في مجلس السيد محمد بن السيد حسين العلي (أبي عدنان)، وَنقَلَ لنا أنه رآك في المنام، أنت والحاج أحمد بن محمد البحراني (الدرة) في الليلة الماضية. وأنتم تسيرون خلف الإمام الحسين (عليه السلام)، وجئنا للسلام عليك ومستبشـرين بهذه الرؤية.

مواقف وذكريات

وخلال فترة الثمانينات والتسعينات الهجرية، كثرت أعمال الحفريات في طرقات الحي. وذلك لتمديد أسلاك الكهرباء، وتنفيذ شبكة الماء والمجاري. وفي المجاري بالخصوص تكون الحفريات واسعة لوضع أنابيب الصرف الصحي. وشُوهد هذا المؤمن، وكان يتخطى تلك الحفريات في الظلام الدامس، قبل بزوغ الفجر. حاملا السراج بيده، قاصداً المسجد الجامع. وكان البعض يستغرب كيف تمكن هذا الرجل الطاعن في السن، من اجتياز تلك الحفريات الخطرة. حرصاً منه على حضور صلاة الجماعة. وشوهد يحمل السراج تحت بشته (العباءة)، في حال هطول المطر. ومن الذين يطيلون المكوث في المسجد بعد أداء الصلاة. ومن عاداته أن (يستلقي على ظهره) بعد الصلاة في المسجد الجامع منشغلاً بالذكر والدعاء.

وعندما سمع أحد المؤمنين بوفاته علق قائلاً:

سوف تبقى للحاج محمد علي البوصالح تلك السجدة الطويلة في المسجد شاهداً له. وبها عرف طوال حياته. وحتى عندما كبر في السن، وضعف بصـره، وأصبح الذهاب للمسجد الجامع متعسراً عليه، استأذن من أحد جيرانه (الحاج محمد بن أحمد المعني)، للعبور من بيته ليصل إلى مسجد المهنا المجاور لهم وحتى لا ينقطع عن صلاة الجماعة.

ومن اللطائف

وفي لقاء مع الأخ الفاضل أحمد بن الشيخ عبدالكريم البحراني، نقل لنا هذه الطرفة، والتي سمعها من والده (سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني رحمه الله) يقول:

سُئِل المرحوم محمد علي البو صالح (رحمه الله) يوماً:

أيهما أكبر أنت أم السيد هاشم العلي (الكبير)؟!

فأجاب: أن السيد هاشم أكبر مني في السن.

فقيل له: قد تكون متوهماً. فالسيد ليس بأكبر منك!

فأجاب: نعم، السيد أكبر مني، ولدي دليل على كلامي.

ففي أحد الأيام كنت قادماً من محل (الحداديد)، حاملاً معي (الهيب). وكان هذا الهيب طويلاً وثقيلاً.[6] وعندما اقتربت من براحة المصبغة، متوجهاً إلى البيت -أو للمكان الذي يريد (التردد مني)- يقول الحاج محمد علي البو صالح:

وعندما رآني السيد هاشم العلي (الكبير), وكيف أنني غير قادر على حمل (ذلك الهيب الثقيل)، بادر بحمل (الهيب) عني حتى أوصله إلى المكان المقصود.

ويعلق الأخ أحمد بن الشيخ عبدالكريم البحراني على تلك الواقعة بقوله:

وهذا ليس دليلاً على أيهما أكبر. ولكن هذه الواقعة تصور لنا إحدى سمات المجتمع في تلك الأيام. وعن شخصية السيد هاشم العلي (الكبير) وجيله. وكم هو صاحب نفس كبيرة، اشرأبت فيها حب الخير ومساعدة الآخرين، ودون أن يطلب منه ذلك. وأيضا ترمز للعلاقة بين أطياف المجتمع في ذلك الزمان. أتمنى أن نستطيع فعل هذا في زماننا هذا. (فرحمة الله عليهم وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات). انتهى.

كذلك نقل لنا ممن سمع من زوجة المرحوم الحاج عبدالله العامر (وهي إحدى المؤمنات انتقلت إلى رحمة الله تعالى قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، وأصلها من بني معن) تقول: أن المرحوم محمد بن علي البو صالح كان يملك بيتين في فريج السياسب. ولما علم بوضع المستأجرين لهذين البيتين، وأنهم فقراء، وليس لديهم القدرة على دفع الإيجار السنوي. تأثر بذلك. وفي إحدى ليالي شهر رمضان دعاهم على وجبة الإفطار. وقام بواجب الضيافة، ثم أخبرهم بتنازله لهم عن البيتين وبدون مقابل قربةً إلى الله تعالى.

نهاية المطاف

توفي المرحوم محمد علي البوصالح في عام 1394هجري.[7] ودفن بمقبرة الشعبة بالمبرز. وبهذا طويت صفحة مضيئة لرجل كان مهموماً بتعمير آخرته. ومن ضمن أوراده التي يرددها في جوف الليل (العفو – العفو). ونسأل الله أن يسكنه الفسيح من جنانه.

 

_____________________________________________

هوامش:

[1] ومن الأحسائيين العاملين في مدينة الكاظم بالعراق, الحاج محمد بن عايش البوصالح (من المبرز). ويعمل في تجارة لوازم الخياطة (الزري).  مجلة الواحة التراثية, بقلم الأستاذ أحمد بن الحاج حسن البقشي.

[2] الأخ الحاج أحمد بن المرحوم محمد إبراهيم البحراني

[3] بحسب دفتر الأحوال المدنية الخاص به. (المصدر: الحاج عبدالعزيز بن محمد علي البوصالح).

[4] توفي الحاج أحمد بن محمد علي البوصالح, في 16/11/1437 هجري. .

[5] لقاء معه في عام 1433 هجري

[6] الهيب : عامود من الحديد الصلب المبروم طوله حوالي متر ونصف المتر. وهي أداة تستخدم في أعمال الحفر والهدم قديما. ولا تستخدم هذه الأداة كثيراً هذه الأيام.

[7] ومن ذرية هذا الرجل الصالح : حفيده الشهيد / عبدالستار بن الحاج عبدالعزيز البوصالح. والذي ذهب شهيداً مع ثلة مع المؤمنين, عندما غدر بهم بجوار الحسينية الحيدرية بالدمام, في محرم عام 1437 هجري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى