أقلام

المطوعة سلطانة الحسن (الشجرة المثمرة)

أ. عبدالله البحراني

تُطلقُ كلمة (المُطَوع) في الخليج على المكان الذي تَتلقى فيه الفتياتُ أو الصبيانُ مبادئَ قراءة القرآن الكريم وتجويده. ويُسمَّى في بعض المناطق (الكتاتيب). وفي الأحساء، وقبل انتشار التعليم النظاميِّ ، عَرَفَ المجتمعُ هذا النوعَ من التعليم منذ قرون. فقد كان التعليم يُشجَّعُ ويُحثُّ عليه من قِبَل الأهالي على الرغم من شظف العيش وقلة الموارد في ذلك الزمان.[i] وتشير الكثيرُ من الوثائق القديمة إلى أعداد كبيرة من المزارع والنخيل وغيرها، قد أُوقِفتْ من قِبَلِ بعض المحسنين لدعم دور التعليم ومن يقومون عليها. وهذا مؤشر على مدى ارتباط الناس بالعلم ودعمهم له في هذه المنطقة.

تعريف بشخصيتها

المرحومة (فاطمة بنت المرحوم عيسى بن أحمد بوحسن).[ii] إحدى المربيات الفاضلات والتي حملْت مشعل العلم، وأخذت بأيدي المتعلمين. وتعد من الرائداتِ في هذا مجال. أمضتْ أكثرَ من أربعين عاماً متواصلة في تعليم الفتياتِ في حيِّ الشعبة بمدينة المبرز. تخرَّج من منزلها المئاتُ من المتعلمات واللاتي يلهجْن بالابتهال إلى الله لها بالرحمة, وخصوصاً بعد انتقال روحها الطاهرة إلى بارئها.

ويعرفها المجتمع باسم (المطوعة سلطانة)، من مواليد حيِّ الشعبة بالمبرز عام ١٣٤٣هجري. وكانت طفلة صغيرة عندما توفيت أمها. وتربَّت تحت رعاية والدها. وتعلمت لدى المرحومة (مريم) والتي تُعرَف بـ (سلطانة الأم).[iii]

وبعد زواج (المطوعة سلطانة) من أحد أقربائها, أنجبتْ عددٌ من الولد ولكنها فقدتهم صغاراً. وبعد انفصالها عن زوجها الأول, وفقها الله بالاقتران بأحد المؤمنين, والذي كان لها خيرَ سندٍ في هذا الطريق المبارك, حيث ساعدها في أداء هذه الرسالة النبيلة في بيته, ولفترة من الزمن. وإيماناً منها بأهمية المكان, والجوِّ الدراسيِّ في عملية التعليم، فقد اشترتْ بيتاً هيأته ليصبح مدرسة، لتتعلم فيه الفتيات القرآن الكريم ومبادئ القراءة.[iv] يقع هذا البيت بجوار (براحة أم عجاج), الواقعة بالقرب من بوابة (دروازة) الشعبة القديمة في جنوب المسجد الشرقيِّ حالياً.[v]

وعُرِفَ عنها الرفق والتسامح. فعلى سبيل المثال، كان من المتعارَف عليه أن يدفع أهلُ البنت مبلغاً رمزياً من المال. بعضُ الريالات القليلة للمطوعة, وتُعرَف (بالشهرية). وكانت لا تُلزِم الجميع بالدفعِ، وخصوصاً من تكون حالتهم المادية ضعيفة، بل كان البعض لقلة ذات اليد لا يدفعون لها, إلا بعد أن تشبَّ البنتُ وتُخطب للزواج.

عَملتْ على إعداد جيلٍ من القارئاتِ (المُلاياتِ) لخدمة المآتم الحسينية. وساهم هذا المقرُّ الجديد في استيعاب أعداد كبيرة، كما وفر للفتياتِ المكان المناسب، والخصوصية اللازمة للتحصيل والإبداع. وبهذا ضربتْ لنا هذه المرأة الصالحة مثالاً رائعاً للعلاقة الحميمة بين المربِّي والتلميذ. وتخرَّجَ في هذه المدرسة العشراتُ من المعلماتِ اللاتي سرْنِ على النهج نفسِه، وحملن مشعل العلم من بعدها، وكنَّ خير خلفٍ لتلك الأم والمعلمة القدوة.

وإضافة لشـرف خدمة القرآن وتعليمه، كانت من المساهمين في مأتم أبي الأحرار كملاية حسينية. وأصبح بيتها منارة للإشعاع حيث تخرَّج من هذا البيت أعدادٌ من القارئاتِ، ممن سِرنَ على نهجها المبارك. ومنهن نساءٌ فاضلاتٌ، من عائلة الشداد، والخلاص، والحداد، والعبادي، والبوسنة وغيرهم الكثير. وفي حال سفرها للحج أو للزيارة، فقد كانت تُوكِل مهمة الإشراف على المدرسة إلى الحاجة الفاضلة فاطمة بنت صالح الحسن (وكانت في مقام البنت عندها), حرصاً منها على استمرار الدراسة دون توقف. كما وفقت (رحمة الله عليها) لخدمة سيد الشهداء في حياتها وبعد مماتها. وكانت مثالاً للداعمين لديوانه. حيث أوقفتْ بيتها لإحياء ذكرى مناسباتِ أهل البيت عليهم السلام.

ومن معلمات الحي قديماً

ومن الذين مارسوا مهمة التعليم من النساء في حي الشعبة قديما : المرحومة مريم بنت حجي البحراني, والمرحومة أم عايش الرشيد, والسيدة فاطمة السيد حسن السلمان, والمرحومة بتلة البراهيم, والمرحومة نورة العبدالله, والسيدة مريم السيد علي الحسن, والمرحومة خيرية الأربش, والمرحومة بتلة البوصالح, والمرحومة فاطمة عبدالعزيز العبدالواحد, والمرحومة أم موسى الموسى, والمرحومة أم جواد الشاوي, والمرحومة آمنة بنت ملا داوود (أم عبد الله), والمرحومة زهرة المؤمن, والسيدة مدينة (أم عبدالله البوعلي), والمرحومة أم إبراهيم الصاغة, والمرحومة آمنة الزيد, والمرحومة فاطمة الكويتي (أم حسين), والمرحومة آمنة أحمد البناي, والمرحومة فاطمة الجد, والمرحومة فاطمة بنت عيسـى السلطان (سلطانة), والمرحومة خيرية الأربش, والمرحومة أم فضل القمبر, والمرحومة مريم محمد البراهيم, والمرحومة شمسة المؤمن, والمرحومة فاطمة بنت غانم الجبيلي (وابنتها نورة), والسيدة مريم السيد حسين العلي, والمرحومة أم علي الماجد, والمرحومة فاطمة الصالح, والمرحومة بشـرية البشـر, والمرحومة تقية البوعزران (أم عزيز), والمرحومة آمنة إبراهيم المؤمن. والمرحومة آمنة بنت موسى البشـر, والمرحومة ليلى (أم آمنة بنت عرب), والمرحومة مقبولة (أم أحمد العلوان), والمرحومة آمنة بنت محمد الناصر البوبرية (زوجة الشيخ أحمد الخليفة), والمرحومة أم عبدالرسول الوصيبعي, والمرحومة فاطمة بنت ناصر الجت, والمرحومة آمنة بنت أحمد المؤمن, وكذلك رمضانة بنت علي بن الشيخ عبدالله الرمضان.[vi]

نهاية المطاف

ولعقودٍ من الزمن, كانت تعمل بصبر, وبهمة عالية وتفان رغم الإعاقة، حتى أنهكتها الأمراض, وظلت طريحة الفراش لأشهر. حيث تكفلتْ برعايتها في هذه الفترة الفاضلة والدة / الأستاذ الحاج حسين بن عليِّ العبدالله (الشاعر). حتى انتقلت إلى رحمة الله تعالى في تاريخ ١٥/٢/١٤١٧هجري. ودُفِنتْ في مقبرة الشعبة. فرحمة الله عليها وأسكنها الفسيح من جنانه.

وقفة وتحليل

استطاعتْ (المطوعة سلطانة) كامرأة، ورغم ظروفها القاسية, أن تُسجلَ اسمها في سجل المؤثرين والفاعلين. وهم قلة في المجتمعات. ونعتقدُ أنَّ الســرَّ يكمنُ في وعيها بأهمية تلك الرسالة وص      برها على مواصلة الطريق. وسألت الكاتبة والأديبة زينب علي البحراني (ماذا تقرأ في سيرة المطوعة سلطانة). فكتبت التالي :

(قد يبدو ما أقرؤه أنا بعيداً عن ذهنك قليلاً، أو على الأقل. لا يقع على خطّ توقّعاتك بالنّسبة لفتاةٍ من الجيل الذي أنتمي إليه. ربّما لأنني أركّز اهتمامي على قوّة شخصيّتها كامرأة في تلك الفترة أكثر من تركيزي على فعاليّة وجودها الاجتماعي. ولعلّ سرّ ذلك يكمن فيما أراه حين أقارن بين أحوال المرأة في الزّمن الحاضر والزّمن الفائت، إذ كثيرًا ما يفاجئني في سيرة امرأة الزّمن الغابر أنّها كانت تتدبّر أمورها بصلابة أكبر من حفيدتها أو ابنة حفيدتها الجديدة. رغمّ أنّ تسهيلات الزّمن الحاضر تهبها فرصة أكبر لتدبّر أمور الحياة بسهولة أوفر. ومن هنا يتصاعد إعجابي بشخصيّة المطوّعة (سلطانة/ بنت عيسـى) لأنّها رغم جميع ما مرّ بها من أحداث مؤسفة، والتي منها وفاة أطفالها الخمسة، وانفصالها عن زوجها الأوّل، وضعف بصـرها. ثمّ ما تبع ذلك من مشاكل ألمّت بحياتها، ولكنها لم تستسلم على الإطلاق) !.

لم تسلّم أمرها للتداعي والانهيار النفسـي, وصولا إلى الموت أو الجنون، بل كافحت لتكمل حياتها بطريقة تؤكّد أنّها وبفطرتها وحدها استطاعت الوصول إلى ما تعجز عن بلوغه الكثيرات من المتعلّمات وحاملات الشهادات المدرسيّة والجامعيّة العالية في العصـر الحديث. بل تفوّقت بصلابة شخصيّتها الفطريّة، والتي ربّما لم تفطن إليها هي نفسها. على أن الكثير من شباب ورجال فترتنا الرّاهنة، والذين سرعان ما يلقي بهم اليأس في هاوية العجز وفُقدان الثّقة بالنّفس، ومن ثمّ الانطواء على الذّات والانزواء عن الاختلاط الفعّال).[vii] انتهى..

 

 

[i][i] وقفة تاريخية : تولى الحاج المرحوم أحمد بن محمد السعود الحداد مهمة الإشراف على ملف تعليم أبنائه وأبناء إخوانه (أبناء المرحوم محمد السعود الحداد). وكانوا ثلاثة إخوة (جاسم، وسعود، وأحمد). ولهذا الهدف استأجر بيتاً في محلة حريجة بشرق المبرز. واتفق مع المرحوم الملا حسين الجبران (من البطالية) على أن يتولى مهمة تعليم أبنائهم في ذلك البيت. وسمح للشيخ في أن يلحقَ طلاب آخرين بهذه المدرسة وله الحق في الاستفادة من أجرة تعليم هؤلاء الأطفال. وفي مرحلة لاحقة، قام الحاج أحمد السعود الحداد, على تسجيل أولاده وأولاد إخوانه بأول مدرسة حكومية في مدينة المبرز (المدرسة الأولى بالمبرز)، حيث تخرج ابن أخيه (المرحوم طاهر بن سعود الحداد) من هذه المدرسة الحكومية عام ١٣٨٣ هـ. (المصدر : الحاج عبدالله بن سعود الحداد – بو زكي).

[ii] وهناك من ينسبها لعائلة السلطان، ولذلك سُمِّيتْ سلطانة, ولكن اسمها المثبت في حفيظة النفوس (البو حسن).

[iii] إفادة خطية : من الأديب الحاج حسين بن علي العبدالله (الشاعر الهجري). فشكراً له على تعاونه. فقد كان هو المصدر الرئيس لهذه السيرة. ولقد لمسنا منه الحب والتقدير لهذه المربية الصالحة. وكانت والدته بمثابة (البنت) للمطوعة سلطانة.

[iv] وفي بعض مدارس المطوع، كان الأولاد والبنات َيدرسُون في المكان نفسِه (وحتى سن التاسعة تقريباً).

[v] ولهذه البراحة أهمية اقتصادية, حيث كانت نقطة تجمع عمال المزارع صباحاً (تُعرف باسم سوق المچرية). حيث يقفُ فيه الفلاحون الراغبون في العمل بالأجر اليوميِّ، قرب صخرة معروفة في البراحة تُعرفُ بصخرة (أم عجاج). والوصف الهندسيُّ لهذه البراحة : فقد كانت أشبة بالمستطيل غير مستوٍ، تميل للارتفاع في اتجاه الغرب. متوسطة المساحة. وفي الوقت الراهن أرضها مرصوفة بالبلاط. يقول الشيخ حسين بن عليِّ البوخضـر : كانت هذه البراحة في الماضي، هي نقطة تجمُّع الحجاج والزوار قبل انطلاقهم إلى الرحاب الطاهرة. وكانت تقف في هذه البراحة سيارتان كبيرتان (من نوع المرسيدس) لتحمل الزوار وأمتعتهم لتلك الرحلة الإيمانية. انتهى. وفي فترة لاحقة, انتقل مكان تجمُّع سيارات الزوار لخارج بوابة الشعبة في الجهة الغربية للمزرعة (وقف مستورة).

[vi] المصدر : قروب تاريخ الشعبة, (عبر الوتس اب) 1437 هجري.

[vii] إفادة خطية (عبر الإيميل) من الكاتبة زينب علي البحراني. ولقد طبع لها عددٌ من الأعمال الجميلة.

___________________________________

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى