بشائر المجتمع

الشيخ الموسى يبحر في الحب ويدعو للعودة إليه

مالك هادي – الاحساء

“إنَّ مَنْ أحبَّ اللّهَ يلزمُهُ حتمًا أنْ يحبَّ رسولَ اللّهِ وأهلَ بيتِهِ لحبِّ الرسولِ لهمْ، ومَنْ أحبَّ الرسولَ يلزمُهُ حتمًا أنْ يحبَّ اللّهَ، والتفكيكُ محالٌ” بهذا استفتح سماحة الشيخ عباس الموسى إمام مسجد الإمام الكاظم في بلدة العمران بالأحساء خطبته ليوم الجمعة من هذا الاسبوع .

وأكد الشيخ الموسى أن الآيات القرآنية لا تتحدثُ عنْ مجردِ الحبِّ بلْ عنْ ترجمةِ هذا الحبِّ على واقعِ عملِ الإنسانِ، لأنَّ محبّةَ الناسِ للَّهِ لا بدَّ مِنْ أنْ تكونَ إيمانًا وعملًا وانسجامًا معَ خطِّ الرسالةِ والرسولِ، فإذا تحقَّقَ ذلكَ منهُمْ باتباعِ النبيِّ الذي يجسِّدَ ذلكَ كلَّهُ، فإنَّ اللَّهَ سيمنحُهُمْ حبَّهُ ورضاهُ، وهوَ الرؤوفُ بعبادِهِ الرحيمُ بهِمْ.

ودعى الموسى المؤمنين للإجابة عن هذا التساؤل : هلْ فعلًا نحنُ نحبُّ اللهَ ورسولَهُ؟ هلْ نحنُ نمتثِلُ ما جاءَ عنهُما مِنْ أوامرَ ونواهٍ؟ نحنُ نقرأُ القرآنَ ونستمعُ لأحاديثِ النبيِّ (ص) ولكنْ هلْ نتحركُ في هذِهِ الدائرةِ؟
إنَّ كلَّ مَنْ أحبَّ ما أبغَضَ اللّهُ ورسولُهُ، وأبغَضَ ما أحبَّ اللّهُ ورسولُهُ فهوَ عدوٌّ للّهِ ورسولِهِ، وإنْ خُيِّلَ إليهِ أنهُ مِنَ المحبين، لأنَّ ما يُظُنُّ أنهُ حبٌّ دونَ أنْ يَبْرُزَ لهُ أثرٌ ملموسٌ فهوَ مجردُ وهمٍ وخيالٍ.

وأكد الشيخ الموسى على أن حبَّ اللهِ والرسولِ منهجُ عملٍ، وأن هذا المنهجُ يتمثلُ في هذهِ القاعدةِ: (أَنْ لَا يَفْقِدَكَ اللَّهُ حَيْثُ أَمَرَكَ وَلَا يَرَاكَ‏ حَيْثُ‏ نَهَاكَ‏)، أيُّ مكانٍ يدعُو اللهُ لَهُ ويحثُّ عليهِ كالمسجدِ مثلًا فلا بدَّ أنْ تكونَ فيهِ، وأيُّ موقعٍ ترى أنَّ اللهَ يَنهى عنهُ فلا بدَّ أنْ تبتعِدَ عنهُ كأماكِنِ اللهوِ والغناءِ مثلًا.

وحول آثار اتِّباعُ الرسولِ قال : إنه يستدرجُ غفرانَ اللّهِ، ولأنَّ مجردَ الاتِّباعِ تنازلٌ عنْ ذاتيةِ الإنسانِ، وارتفاعٌ إلى مستوى التسليمِ للّهِ، فهذا العملُ العظيمُ يشفعُ لصاحبِهِ في بعضِ الذنوبِ الصغيرةِ .

وحول مناسبة ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وحفيده الإمام الصادق عليه السلام أكد الشيخ الموسى على أن ماجاءَ به النبيُّ (ص) إسلاما كانَ منذُ البدايةِ حريصاً على نبذِ الكراهيةِ ونشرِ ثقافةِ السلامِ والحبِّ سواءٌ بينَ المسلمينَ وبعضِهِمْ، أوْ معَ غيرِهِمْ مِنَ الأممِ، فهو دينٌ يتبنَّى الحبَّ كمنطلقٍ للحياةِ ومنطلقٍ للتعاملِ معَ الآخرينَ، وأن مَنْ يتأملُ القرآنَ يدركُ روحيةَ الحبِّ التي يدعو لها القرآنُ وقيمتُهُ في حياتِنا وأثرُهُ العظيمُ في تشكيلِ شخصيَّتِنا وتهذيبِها بشكلٍ أو بآخرَ.

كما أكد سماحته في حديثه عن شخصية النبي الأكرم على أنه كانَ يمتلِكُ روحيةَ عالية ، بكلِّ عناصرِ وجودِهِ، بكلِّ رحمةٍ تنبعُ منهُ، ولولا الحبُّ الَّذي غمَرَ كيانَهُ حتى انعكَسَ رِفقاً وحناناً على النَّاسِ، لَمَا بلغَ رسولُ اللهِ هذا الموقِعَ، وإلى ذلِكَ أشارَ القرآنُ الكريمُ: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فكانَ (صلى الله عليه وآله ) يتحركُ مِنْ منطلَقِ الحبِّ ليُدْخِلَ كلَّ الناسِ في الإسلامِ.

ومِنْ منطلَقِ التأسِّي برسولِ اللهِ دعى الشيخ عباس المجتمع إلى الاندفاع والتحرك بالحبِّ لكلِّ الناسِ مِنْ أجلِ هدايةِ المجتمعِ، فالعلاقةُ بالناسِ عمومًا أوْ بخصوصِ أفرادٍ خاصينَ كالزوجةِ والأولادِ والآباءِ لا تتحقّقُ بالعنفِ والقسوةِ والغلظةِ مثلًا، فمما قاله حفظه الله : وحدَهُ الحبُّ الّذي يبنِي مجتمعاً متوازناً متراصّاً وقويّاً، وحدَهُ المجتمعُ المتحابُّ يتوحَّدُ ويقِفُ سدّاً منيعاً في مواجهةِ التحدّياتِ، لأنَّ كلَّ فردٍ فيهِ يشعرُ بقلبِهِ بأنَّ عليهِ أنْ يقِفَ إلى جانبِ الآخرينَ؛ حبٌّ يوحّدُنا دوماً، لأنّه نابعٌ من الرّوحِ والإيمانِ.

واستكمالا لحديثه حول الحب قال الشيخ الموسى : إنَّنا لولا هذا الحبِّ الّذي نتمثّلُهُ في كلِّ مفاصلِ الحياةِ، لَمَا كانَ للحياةِ أنْ تزدهِرَ وتنمُوَ، وما كانَ لها مِنْ معنى، إنَّ الحبَّ هو الّذي يمدُّ الحياةَ بكلِّ الطاقاتِ الإيجابيَّةِ، فبدونِهِ لنْ تتحمَّلَ الأمُّ معاناةَ حملِها والشَّقاءَ مِنْ أجلِ تربيةِ أطفالِها، ولنْ يشقَى الأبُ ويتعبَ في اللَّيلِ والنَّهارِ مِنْ أجلِ قوتِ أولادِهِ، ولنْ يساعِدَ الأغنياءُ الفقراءَ، ولنْ يبذُلَ الناشِطُ الاجتماعيُّ مِنْ أجلِ مجتمعِهِ، ولنْ يُقْدِمَ المجاهدُ على بذلِ أغلى ما عندَهُ مِنْ أجلِ حمايةِ وطنِهِ مِنَ الأعداءِ بدافعٍ مِنْ حبِّ الأرضِ والوطنِ.
وأكد أن هذا الحبَّ لنْ يتحقَّقَ إلَّا بتحقُّقِ حبِّ الإنسانِ لربِّهِ أولًا، وقدْ جاءَ الإسلامُ لينمِّيَ مشاعرَ حبِّ اللهِ بالدَّرجةِ الأولى، حبٍّ للهِ لا ينبغِي أنْ يوازِيَهُ حبٌّ.

وذكر الموسى بعض مظاهر الحب فقال : حينما ندعُو لبعضِنا في ظهرِ الغيبِ فإنَّنا نحبُّ بعضَنا، وحينَما نوجِّهُ النصحَ والإرشادَ لأبناءِ مجتمعِنا فإنَّنا نحبُّهُمْ، وحينما نتفقَّدُ مرضانا وكِبارَنا ونتلاقَى ونتزاورُ في اللهِ فإنَّنا نحبُّهُمْ، وحينما نبذلُ ونضحِّي ونؤثرُ الآخرينَ على أنفسِنا فإنَّنا نحبُّهُمْ، وحينما نلتقِي معَ مَنْ نختلِفُ معهُمْ فإننا نحبه ، وحينَما يكونُ طرفٌ ما عدوًّا في نظرِنا ونتعامَلُ معهُ فإنَّنا نحبُّهُ .

وفي ختام حديثه وجه الشيخ الموسى رسالته إلى المجتمع قائلا : إنَّنا نجزِمُ أنَّ الحبَّ هوَ العلاجُ لكلِّ مشاكلِنا ولكلِّ اختلافاتِنا ولكلِّ التوتراتِ المنتشرةِ في مجتمعاتِنا، عندَما تكونُ لغةُ القسوةِ والأحقادِ والبغضاءِ والظنونِ السيئةِ هيَ الحاكمةُ، فلنْ نستطيعَ أنْ نتعايشَ، لِذا لا بدَّ أنْ نستعيدَ لغةَ المحبّةِ الحقيقةِ، أنْ نعيدَ إلى الدِّينِ مضمونَهُ وجوهَرَهُ، فنعرِفَ أنْ لا معنَى لإيمانٍ بدونِ حبٍّ، أنْ نجعَلَ العلاقةَ معَ اللهِ تقومُ على الحبِّ ، فإذا غرسْتَ شجرةَ المحبةِ في قلبِكَ، وسقيتَها بماءِ الإخلاصِ ومتابعةِ النبيِّ الكريم أثمرَتْ أنواعَ الثمارِ وآتَتْ أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها، أصلُها ثابتٌ في قرارِ القلبِ وفرعُها متصلٌ بسدرةِ المنتهى.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى