أقلام

أقدارنا الإلهية

حليمة بن عطاء

إن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، إسمي حليمة، ترتيبي الرابع بين إخوتي، وما أسعد أن تكون الابن الأوسط الذي يأخذ من خبرة من سبقه ويمارسها مع خبراته على من يليه، يقال عني حنونة محبة قوية وعنيدة، أسعى لما أريده دون يأس حتى أحصل عليه.
حين وجدت أن نسبتي في المرحلة الثانوية لن تؤهلني لتقدير الامتياز مع مرتبة الشرف سحبت نفسي عن إكمال دراستي في الفصل الثاني لآخذ قرار إعادة الدراسة من جديد في السنة التي تليها لأحصل على المعدل الذي أطمح به، وفعلاً حققت ذلك فلم يتبقى إلا أقل من 0.5 حتى أتم الـ100%.
وبعد التخرج قمت بالتقديم على الجامعات، ولكون والدي قد حصرني بين جامعة الأحساء والدمام للتقديم فيهما، فقد اخترت من التخصصات التي تؤهلني للقبول فيهما ولكن حظي السعيد والكبير لم يوصلني لما أريده، فقد تم قبولي في اختصاص بعيد جداً عن رغبتي، فلم أضعف أو أرضخ أمام ذلك، فرفضت القبول لأعيد المحاولة من جديد في العام التالي.
وفي هذا الوقت استغللت فرصتي بتطوير لغتي الإنجليزية، ولثمانية أشهر كنت من أقوى الفتيات لغة وأحرصهن على التطوير من أنفسهن، حتى حانت اللحظة وأعدت التقديم من جديد في الجامعة وللأسف لم أقبل إلا في اختصاص العام الماضي ذاته!
أصابني الإحباط ومشاعري كانت مختلطة، فمضيت على مضض لأدرس هذا الاختصاص، واجتاحتني مشاعر قوية لأذهب إلى الكلية الصحية، وقدمت طلب قبول فيها! ولكن أخبرتني الموظفة أنهم للتو قد انضموا تحت رعاية جامعة الملك فيصل فلو قدِمت قبل ترم من الآن لتم قبولي فورا !
ولم أيأس فقد ذهبت إلى الكلية الصحية الخاصة ! فأنا على استعداد للدراسة بمقابل مادي على أن أدرس اختصاص لا أرغب به!
ويالسوء حظي فقد كان والدي في هذا الوقت يمر بضائقة مادية، وذهبت أجر أذيال الخيبة إلى الجامعة من جديد وسمعت أن بعد السنتين يمكنني التقديم على اختصاص آخر داخل الجامعة إن كان معدلي عالياً ! فاجتهدت في تلك السنتين حتى حصلت على مرتبة الشرف وكرمت في فندق الإنتركونتيننتال، وبعدها مباشرة قدمت على اختصاص الصيدلة ويا لِجنوني فكيف أختار اختصاصاً أعلى من اختصاصي ! فلم أعلم ماهي سياسة الجامعة حينها! وكانت الصدمة الكبرى بعد رفض قبولي.
فقد كانت مشاعر النفور تكبر في داخلي وتستعر فما إن وجدت إعلان تقديم على الكلية التقنية للعلوم المهنية حتى ذهبت لأقدم طلباً لها! وقبلت حقاً!
فذهبت مسرعة أقدم على طلب إخلاء طرف من الكلية، وأنا أكاد أطير فرحاً وأخيراً سأتحرر من هذه الجدران الشاهدة على مأساتي وكفاحي، فبدأت مسرعة بجمع التواقيع بمساعدة والدي فالوقت ضيق لكي أنقل ملفي لديهم.
ولم أكد أنتهي من التواقيع المطلوبة حتى رن هاتفي المحمول وكان المتصل أبي ليخبرني .. ابنتي عميد الكلية يحادثك:
-ألو حليمة بن عطاء!
-نعم هي
-كيف حالك ابنتي؟!
-بخير دكتور والحمدلله
-ابنتي مالذي دفعكِ إلى الإقدام على هذا الأمر؟! أتختارين شهادة الدبلوم على البكالوريوس؟! والداك يريان نجاحهما من نجاحك وتختارين ماهو أدنى بما هو أعلى؟! أكملي الآن معنا وبإمكانك الدراسة عندهم لاحقاً!
-حسنا
لم أعلم ما الذي دهاني وكأن الطير قد أكل لساني!
أغلقت هاتفي وأنا واقفة في منتصف مبنى 53 وأغلقت جميع أبواب الهروب من هذا المكان في وجهي، فهو لي وأنا له، ومصيرنا أن نكون معاً.
وماهي إلا فترة قصيرة حتى تطوعت لمدة شهرين في مستشفى الملك فهد بقسم التغذية أتعلم كيف أكون اختصاصية تغذية مستقبلاً، فعملت عمل الأختصاصيات طوال هذه المدة والتحقت بكل حب بدورات خاصة بالتغذية، بل وقمت مع زميلاتي بإنشاء فريق غذائي متطوع داخل الجامعة، ومن ثم قمنا بإنشاء فريق غذائي خاص لخارج الجامعة وهو أول فريق تطوعي مختص في الغذاء على مستوى المنطقة الشرقية. وقمنا بتقديم المحاضرات والورش الغذائية في مجمعات تجارية ومراكز صحية ومستشفيات وحتى في مجالس عائلية واستراحات أيضاً فقد شغفنا هذا الاختصاص حباً، فقد جمعنا بأخير الناس وصحبنا معنا أجمل صحبة وعلمنا أفضل العلوم التي تفيدنا شخصياً وتفيد أحبابنا، وإن تفوقي داخل الجامعة بات يستمر بالصعود كل عام واستمر تكريمي مادياً ومعنوياً، وما هو إلا عام واحد على تخرجي من جامعة الملك فيصل اختصاص علوم غذاء وتغذية حتى تسلمت خبر قبولي في جامعة الملك سعود لإكمال دراستي العليا في الاختصاص ذاته وهو تغذية إنسان.
وأنا الآن في أواخر مراحلي الدراسية لتسليم رسالة الماجستير.
فعلمت حينها بأن الأقدار الإلهية لسنا نحن من نصنعها، الله وحده يفعل فهو يعلم السر وأخفى

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. سبحان الله هو العالم و هو المدبر لنا .. الله يوفقك ياااارب لكل خير ان شا الله
    تستاهلين كل خير لروحك الطيبة المبدعه
    بارك الله فيك ….

  2. حقيقه الانسان يرى في اتجاه واحد ولكن الله يرى كل اتجاه ويعلم بكل شي ،فالباب المغلق هدفه الشخص الخروج منه ولكن الله يعلم ان لو فتح لك هذا الباب سوف يضرك من مرض او بلاء لا تستطيع تحمله فعلق الباب وفتح بعده نافذه صغيره يقول كيف ساخرج منها ويهيئ الاسباب ويخرج وعندها الله دفع عنك الف بلاء وفتح لك طريق اجمل وافضل ،موفقة عزيزتي ،سعيتي وسعى الله معك وان ليس للانسان الا ماسعى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى