أقلام

هل ينبغي تجريم نشر المعلومات المضللة المضادة للقاحات؟

المترجم: عدنان احمد الحاجي

نشر معلومات صحية [بخصوص المسائل الصحية] كاذبة تلقي بظلالها على نسبة تغطية اللقاح [نسبة الناس الذين تلقوا لقاح معين، 1] المطلوبة.

تقول ميليندا ميلز* Melinda Mills إنه يجب علينا، على مضض، التفكير في تجريم الأشخاص الذين ينشرون معلومات خاطىئة عمدًا – لكن جوناس سيڤيلا** Jonas Sivelä يجادل بأن التعريفات غامضة للغاية وأن التجريم قد يضر أكثر مما ينفع

نعم،  كان جواب ميليندا ميلز*
اللقاح هو معجزة الطب وهو الطريقة المقترحة للتخلص من كوفيد -19 (انظر 2)   ولكن لا يوافق الجميع على ذلك. بعض الناس تنشر معلومات خاطئة عن اللقاح – معلومات مضللة بقصد خبيث – أو معلومات خاطئة / مضللة (للتعريف راجع 3)  مستندة إلى معتقدات غير صحيحة.

كلاهما يمكن أن يزيد من تردد الناس في أخذ اللقاح (4) ، وهو ما أدرجته منظمة الصحة العالمية كواحد من أهم 10 تهديدات للصحة (5). بالرغم من أن لقاح الحصبة أنقذ حياة 23 مليون شخص، إلا أن المعلومات المضللة قد رُبطت بعودة ظهور المرض مر أخرى (6).

الأوجه المتعددة للمعلومات المضللة
المعلومات المضللة عن اللقاحات غير المتجانسة، تنشرها مجموعات من الليبراليين المناهضين للقاحات الذين يحمون الحريات المدنية إلى الآباء القلقين إلى الأشخاص المهتمين بصحتهم (7). لا شيء يبدو جديدًا في المسألة، من الاتحادات المناهضة للطعيم في ثمانينيات القرن التاسع عشر، التي تكافح التعديات على الحرية الشخصية (8)  الى دراسة ويكفيلد الاحتيالية التي تربط التوحد بلقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (على الرغم من سحبها، 9) .قد يكون نشر الأكاذيب عملًا مثمرًا.  ويُزعم أن بعض الناس يستفيدون من نشر نظريات المؤامرة وبيع علاجات لفيروس كورونا (5، 10).

المعلومات المضللة البسيطة والمثيرة للعاطفة والمقنعة يمكن أن تزرع الشك وعدم الثقة من خلال استغلال منعطفات الرجعة U turns المتصورة في المعارف العلمية أو من خلال عرض قرارات الحكومة أو الصحة العامة على أنها إخفاقات مؤسسية. “حملات التضليل التي يقوم بها بعض الباحثين لتضليل العوام ورفض المعارف العلمية الراسخة ” هي حملات فعالة (11)، من إنكار وجود علاقة بين تددخين السجائر والسرطان إلى التشكيك في تغير المناخ أو نتائج الانتخابات الوطنية (12). شك في زعزعة الاستقرار والاستقطابات وتضاؤل الثقة.

نحن نواجه أيضًا “وباء المعلومات” – وفرة مفرطة في كمية المعلومات، سواء أكانت حقيقية أم كاذبة. في الظروف الغامضة، يحاول الناس جاهدين فرز المعلومات المعقدة والمستجدة: أفاد 25٪ من الأمريكيين بأنهم أرسلوا أخبارًا مزيفة عن غير قصد (13)  تستخدم غالبية الأمريكيين والأوروبيين (70-83٪) الإنترنت للبحث  عن معلومات عن الصحة، غالبًا على وسائل التواصل الاجتماعي (14) يبدو أن أكثر من 65٪ من محتوى اليوتيوب عن اللقاحات يتعلق بثني الناس عنها – مركزين على أنها تسبب التوحد أو التفاعلات الضارة التي تحدثها أو احتوائها على الزئبق (15). خوارزميات البحث على الانترنت تروج لمحتوى مشابه لما شاهده المستخدمون سابقًا، مما يؤدي بالناس بشكل متزايد إلى غرف صدى المعلومات المضللة الضيقة (16, 17)  وجدت دراسة حديثة في المملكة المتحدة أن المستخدمين الذين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلوماتهم، وخاصة من اليوتيوب، كانوا بشكل كبير أقل رغبةً في التطعيم (18).

التجريم وفجوات المعرفة
استنادًا إلى الأسس الأخلاقية، التعمّد بنشر معلومات مضللة كيدية عن اللقاح يمكن أن يؤدي إلى وفيّات يمكن منعها ينبغي اعتباره تصرفًا إجراميًا.  لكن التجريم ليس بالأمر البسيط.

قوانين ضد نشر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة بخصوص الأمور الصحية قد اُقرت في فرنسا وألمانيا وماليزيا وروسيا وسنغافورة. اعتبارًا من عام 2018 ، طلبت ألمانيا من منصات وسائل التواصل الاجتماعي إزالة خطاب الكراهية أو المعلومات الزائفة خلال 24 ساعة، مهددةً بغرامات قصوى قدرها 50 ألف يورو (43.9 ألف جنيه إسترليني ؛ 60.4 ألف دولار) (19). والحجة في مثل هذا التشريع هي أن ذلك قد يجبر شركات وسائل التواصل الاجتماعي على القيام بالتنظيم الذاتي ومراقبة المحتوى. وسائل الإعلام التقليدية (الصحف والتلفزيون والراديو) تعتبر “ناشرة” وتخضع للأنظمة. منصات وسائل التواصل الاجتماعي تمنح الناس فرصةً لتبادل المعلومات، وغالبًا ما تكون مصادر معلومات اللقاحات الأكثر شيوعًا هي من غير الخبراء. لكن شركات وسائل التواصل الاجتماعي جادلت بأنها ليست ناشرة ولديها الحد الأدنى من المسؤولية لتدقيق ما ينشر، على الرغم من موافقتها على إجراء بعض القرارات التحريرية والتقصي عن الحقائق.

بالطبع، للتجريم ثمن. التقييم المبكر للقانون الألماني (20) أثبت أن شركات التواصل الاجتماعي كانت تتجنب المخاطرة، وتقيد حرية التعبير وتفرض الرقابة على المواد المشروعة. في روسيا، أدى التجريم إلى كبت الانتقادات الموجهة للحكومة (21).

من ضمن البدائل المقترحة للتجريم تحصين الناس ضد المعلومات الكاذبة بزيادة الثقافة الإعلامية. لكن مواجهة الروايات المثيرة للعاطفة التي تستغل مخاوفنا العميقة لا تتعلق فقط بكون المرء جهبذًا في وسائل الاعلام. نحتاج إلى أن نقرر ما إذا كانت شركات وسائل التواصل الاجتماعي شركات ناشرة، ونحتاج إلى تشريعات لإرشادها لتعديل خوارزمياتها ولتحديد إلى أي مدى ينبغي عليها موازنة المعلومات والتقصي عن الحقائق ، بحيث يُوجه المستخدمون إلى مصادر دقيقة / صحيحة. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة  اصدار الشهادات قياس دقة المحتوى من حيث المصادر القابلة للتتبع، ومن حيث تضارب المصالح الصريحة، ومن حيث الامتثال / التقيد بالقواعد الأخلاقية، وتقارير الإيرادات.

تحتاج الحكومة والباحثون العلميون والسلطات الصحية أيضًا إلى تحمل المسؤولية. بدلاً من المواقع الرسمية السلبية المثقلة بالمعلومات، الاخبار / المعلومات يجب أن تصل إلى الناس على منصات وسائل التواصل الاجتماعي – مقدمةً محتوىً جذابًا كجاذبية نظيراتها من محتويات المعلومات المضللة وتسمح بالحوار. وهذا يمكن أن يشمل مزيدًا من المعلومات المرئية وميمات (22) وقصصًا مثيرة للعاطفة، ولغات متعددة، وإشراك قادة المجتمع المحلي.

تجريم الأشخاص الذين يتعمدون التسبب في إيذاء الآخرين من خلال نشر  معلومات مضللة يجب أن يؤخذ في الاعتبار. حرية النقاش والسماح للناس بإثارة مخاوف مشروعة بخصوص اللقاحات لملء الفجوة المعرفية، لا ينبغي أن تمتد إلى التسبب في ضرر خبيث.

لا – كان هذا جواب جوناس سيڤيلا** Jonas Sivelä
تزايد القلق في السنوات الأخيرة بشأن انتشار المعلومات المضللة على المستوى العالمي، والمعلومات المضللة، والأخبار المزيفة، ونظريات المؤامرة تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع بشكل عام وعلي العديد من الأمور المتعلقة بالصحة العامة، ولا سيما اللقاح (23) لا يمكن إنكار أن العالم سيكون مكانًا أفضل بدون معلومات مضللة أو أنه سيكون من المصلحة العامة ألا توجد تلك المعلومات المضللة التي تروجها الحركة المناهضة للتطعيم . لكن هل يجب تجريم ذلك؟ لا.

أقوى الحجج ضد التجريم تتعلق بمفهوم سيادة القانون والديمقراطية، بما في ذلك حرية التعبير والحريات المدنية الأخرى. لكن تجريم المعلومات المضللة التي تروجها الحركة المناهضة للتطعيم يمكن أن يزيدها قوة.

يجب أن نكون حذرين عندما نتحدث عن المعلومات الخاطئة misinformation والمعلومات المضللة بشكل مقصود disinformation، حيث يوجد فرق: المعلومات المضللة / الخاطئة تُعرف على أنها “معلومات غير صحيحة أو مضللة” ؛ وتُعرف المعلومات المضللة بشكل متعمد على أنها مثل المعلومات المضللة لكنها نشرت عمدًا بغرض التأثير على الرأي العام (24، 25). الاختلاف الجوهري بين المصطلحين هو غرض التضليل في الثاني.

مياه عكرة
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه يجب أن يكون لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير (26). حرية التعبير تعزز جميع حقوق الإنسان الأخرى وتشرعنها: فبدونها سيكون لدينا قمع واستبداد وممارسات أخرى خارج نطاق الممارسات القضائية. صحيح أن الحريات المدنية، بما في ذلك حرية التعبير، يمكن بل ينبغي أن تقيد في حالات معينة – على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالتحريض على الأنشطة الخارجة عن القانون والعنف. لكن المعلومات المضللة التي تروجها حركة مناهضة التطعيم ليست كذلك.

تردد الناس في أخذ اللقاح هو “إما التأخر في قبول اللقاح أو رفضه على الرغم من توافر خدمات التطعيم” (27)، بعكس ما هو سائد في النقاشات العامة.  في كثير من الأحيان، يتأثر التردد بشأن أخذ اللقاح ليس فقط من خلال الضغط (اللوبي) الذي تمارسه الحركة المناهضة للتطعيم أو ترويجها للمعلومات المضللة ولكن أيضًا بسهولة توافر خدمات التطعيم والرضا الذاتي من قبل الناس. تجريم الحركة المناهضة للقاحات لترويجها المعلومات المضللة تبدو أنها رد قوي  ولكنها لا تتعامل معها.

الأهم من ذلك، المواقف والتصورات المتعلقة باللقاحات والتطعيم تقع في سلسلة متصلة غير منقطعة  continuum تشمل الذين ليس لديهم شك ويقبلون جميع اللقاحات من جهة ، وأولئك الذين يصرحون برفضهم جميع اللقاحات من جهة أخرى – بالإضافة إلى مجموعة غير متجانسة بين هذين الطرفين يمكن أن تكون مترددة بدرجات متفاوتة، اعتمادًا على السياق.

يجب أن نعترف أيضًا بالمخاوف المشروعة بشأن اللقاحات التي ينبغي السماح بالتعبير عنها. من المفهوم أن اللقاحات والتطعيم، كأي إجراء من اجراءات الصحة العامة الأخرى، تثير أسئلة. لو صنفت على أنها تصرف إجرامي، فهناك خطر حقيقي يتمثل في قمع المخاوف والأسئلة المشروعة، المعبر عنها دون أن تنشر معلومات خاطئة عمدًا.

الاخفاق في مراعاة مخاوف الناس أو الإجابة عليها، وبدلاً من ذلك فإن كبت المناقشات ذات العلاقة لن يؤدي إلا إلى زيادة في انعدام الثقة على المدى الطويل – وزيادة المعلومات المضللة.

ضررها أكثر من نفعها؟
المعلومات المضللة التي تروجها الحركة المناهضة للقاحات، ونظريات المؤامرة ، والأخبار المزيفة غالبًا ما يمكن اعتبارها من السرديات المتضاربة – وهي تعبيرات عن مناهضة اللقاحات .(28، 29) في مثل هذه الحالات، يمكن أن تتولد من عدم الثقة في السلطات والمؤسسات وتتغذى عليها، والتعبير عن مقاومة الأيديولوجيات والقواعد المهيمنة (29). التشريعات المهيمنة التي يمكن اعتبارها تجريمًا لحق التعبير عن المخاوف المشروعة أو طرح أسئلة لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعلومات المضللة.

بدلاً من تجريم التواصل، أثبتت الحلول التقنية الأخرى لمعالجة المعلومات المضللة نجاحها، جهود فيسبوك و وتويتر للتعامل مع الادعاءات المضللة / الخاطئة من خلال تقصي الحقائق وتصنيف المعلومات المضللة (30).

علاوة على ذلك، تعد الثقة في السلطات والحكومات ونظام الرعاية الصحية أمرًا أساسيًا عندما يتعلق الأمر بضمان القبول العالي للقاح.(31، 32، 33)  الطريقة الوحيدة للتقليل من المعلومات المضللة عن التطعيم بشكل مستدام – وتعزيز الثقة باللقاح وقبوله على المدى الطويل – هي زيادة الثقة في هذه المؤسسات والهيئات في مختلف البلدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى