أقلام

يوسف البحراني..عندما تُصبحُ الحياة أبدية

عبدالله البحراني

الحاج يوسف بن محمد البحراني، من مواليد الأحساء عام 1370 هـ. درسَ بالمدارس الحكومية (ليلي). رافق والده إلى مدينة الدمام وكان شاباُ يافعاً وعمل معه. عركته الحياة وصنعت منه رجل أعمال وعلاقات ناجح.

*الوالدين:
والده (المرحوم محمد بن علي البحراني) كان من الرواد المهاجرين الأحسائيين إلى مدينة الدمام، عصامي مثابر، لا يتوانى في تغير مسار حياته إذا لزم الأمر. ففي مقتبل حياته عمل مع والده وفي الفلاحة، وفتح له دكاناً قرب براحة (أم عجاج) بحي الشعبة. هاجر إلى الثقبة للعمل عام 1381 هـ. وبعدها بعام انتقل إلى مدينة الدمام حيث استقر مع عائلته. ويعد من أوائل من قطن مدينة الدمام من أسرة البحراني. عمل في مجال بيع الأكياس الورقية حتى توفي عام 1390 هـ، ودفن بمقبرة الشعبة في الأحساء.
والدته (أي والدة المرحوم يوسف) هي المرحومة فاطمة بنت محمد بن أحمد البحراني. فقدت أمها وهي طفلة صغيرة، فقام على تربيتها خالها علي عبدالله البحراني (راعي الحسينية). نقل لنا من عاصرها بأنها: حلوة المعـشر، اجتماعية، تحب الخير وتسعي فيه، وترعى مأتم حسيني أسبوعي أسسته في الدمام، تقام فيه مناسبات أهل العترة وخصوصا في محرم وصفر.1
ومن القارئات في هذا المأتم: السيدة معصومة، وأم ياسين البقشـي، وأم زينب البحراني، وأم جعفر الكشـي، وأم سليم البحراني. وتقدم (البركة) في هذا المأتم لجميع مناسبات أهل البيت، يساعدها عدد كبير من المحبات لخدمة سيد الشهداء ومنهم: الفاضلة المرحومة/ صفية بنت محمد البحراني، والمرحومة مريم بنت حسن (زوجة الحاج ناصر المحمد علي)، وأم يوسف العودة، وفاضلات من أسرة البو صالح. واستمر هذا المأتم حتى وفاتها عام 1411 هـ.2
وسألت بعض المعاصرات للمرحومة أم علي، فأشادُوا بها وأنها محبوبة من الجميع. لم ترزق بذرية من الإناث، ولكنها احتضنت الكثيرات من المؤمنات في مدينة الدمام، وأتاحت لهن المساحة للعمل في خدمة الحسين والمجتمع. وقد أحبتهم بصدق وأحبوها. تُحب أهلها، وتناديهم (بنات أهلية).3

*صفاته:
الحاج يوسف البحراني شخصية اجتماعية يغلب على تعامله البساطة والتواضع. لا يجامل في الحق، وقد تكون صراحته لاذعة، ولكنها مقبولة ومعروفة الدوافع. عرف بنقاء السـريرة، فهو لا يحمل في قلبه على أحد، ويبذل النصيحة والمشورة للجميع.
فقد والده في سن الشباب، فحرص على البر بوالدته. وقام (مع أخية الحاج علي/ بو زينب) على رعاية إخوته الصغار وتنمية ثروتهم. وتمثل فيه الإيثار والاهتمام بشؤونهم. وصفه شقيقه سماحة الشيخ عبدالوهاب البحراني: بأنه شمعة تحترق في سبيل مصلحة الآخرين.
وكان رحمه الله باراً بوالدته (في حياتها وبعد الممات). وكانت هي بدورها تعطف عليه، وتوصي به لوضعه الصحي والاجتماعي. ومن مظاهر بره بوالدته أنه كان يقيم لها مجالس القراءة الحسينية لأشهر طوال العام، ويتصل بأخية سماحة الشيخ عبدالوهاب ويذكره بزيارة قبر والدته كل اسبوع (تقريباً).
أسس مأتماً حسينياً للرجال منذ عام 1404هـ، وقد أضحى من المجالس الرئيسة والجاذبة في تلك الحقبة حتى عام 1415هـ. ولحبه سيد الشهداء وليضمن صلته به،فقد أوقف أحد العقارات ليصـرف ريعه على إحياء مناسبات أهل البيت، وعلى مرافق أحد مساجد المنطقة.

*مجلس الرسول الأعظم:
لهذا المجلس تاريخ مع القراءة الحسينية، والاحتفالات، والفعاليات الثقافية، وتكريم المتفوقين. وكان للشباب (ولا يزال) النصيب الأوفر للاستفادة من هذا المجلس المبارك. حيث الاهتمام بالناشئة، وربطهم بالعترة الطاهرة. وفي هذا المجلس يعقد أبناء عمومته في مدينة الدمام جلستهم الأسبوعية منذ عام 1416 هـ وحتى تاريخه دون انقطاع.
لم يرزق (رحمه الله) بذرية،ولكنه سخر جزء كبير من وقته واهتمامه للشباب، يهتم ويتابع أنشطهم، ويتواصل مع القائمين عليها، ويتابع أخبارهم ويستمع لمشاكلهم. وكان صفحة مشرقة في حياة بعضهم. وبعد وفاته تبين مقدار هذه المكانة، فقد كانوا يبكونه بحرقة لفقده ولمكانته في نفوسهم.

*نهاية المطاف:
هناك من يموت وينـسـى قبل أن يهال عليه التراب، والبعض الأخر, تبدأ حياته الثانية وكأنها بحيرة متصلة بروافد عدة، ماؤها متجدد تَسقي وتُسقى، ويصبح الحاضر أبدياً. هكذا علمنا التاريخ. وخير مثال على ذلك سيرة الحاج يوسف البحراني الذي انتقل إلى رحمة الله في هـ25/1/1435، ودفن بجوار والدته بمقبرة الشعبة.
وبعد وفاته وقف على جثمانه سماحة العلامة السيد علي نجل المقدس السيد ناصر السلمان في المسجد الجامع بحي العنود مؤبناً له. وقد أستعرض بعضاً من فصول حياته وأعماله. وكانت شهادة (قيمة) ممن عاصره وعرفه لسنوات طويلة، والكلمة مسجلة على شبكة (يوتيوب). وفيها الكثير من المعاني ورصدٌ لبعض من صفات الفقيد.
وأقول:
نأمل من الشباب المحبين للمرحوم يوسف البحراني المبادرة إلى إعداد كتاب عن حياته. ففي مسيرته الكثير مما يستحق التوثيق، ففي بداية حياته واجهته مصاعب جمة، ومنها الغربة، وفقدان الأب، وحتى قلة ذات اليد في بداية حياته العملية،ولكنه لم ينكسر أمام تلك المصاعب أو تصيبه خيبة الأمل في بعض البشر، فقد شق طريقه واستطاع بفطرته النقية أن يبني له صرحاً من الحب والاحترام في قلوب مجتمع الدمام. وأعتقد بأنه قد نجح في تعمير آخرته. ندعوا الله بالرحمة والمغفرة والرضوان له ولجميع من ذكرناهم.
هوامش
1- لقاء مع المرحومة / ام صلاح البحراني.
2- تقول أختي المرحومة صفية أم علي: ومن البيوت التي يقام فيها القراءة الحسينية (النسائية) في الدمام قديما (الديرة)، بيت أم فاضل، وبيت أم ياسين البقشي. وتعد أم ياسين البقشي من الملايات الرائدات في الدمام. زوجها الحاج حسن البن صالح.
3- تقول أم صلاح البحراني: وكان بيت المرحومة (أم علي) مفتوح للجميع والغريب يلتقي بأهله. وأن أبناءها أوفياء، فقد رضعوا الطيبة من والدتهم (أم علي). ولا يزال مجلس الحاج يوسف مفتوحاً للخير وهنيئا له ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى