أقلام

المتوسط الزمني لفترة الصداقة

أمير الصالح

تُعقد مراكز الأبحاث القديرة دراسات مستفيضة في تقدير أعمار الامبراطوريات و الدول المتنفذة بناء على معايير متعددة منها العدالة و التوزيع العادل للثروة و القوة و الاندماج الاجتماعي و تنوع الموارد الاقتصادية و توزيع السلطة و الحرية في التعبير و النشر و صيانة الكرامة و حرية التنقل . و تُعقد مراكز البحوث التجارية دراسات مُكثفة لمعرفة متوسط أعمار الشركات و أداءها و نموها و تقدير متوسط أعمارها و تقدير أسباب افول نجمها أو تصرمها . الا أنه لايوجد دراسات متخصصة من معاهد اكاديمية مرموقة لمعرفة متوسط اعمار الصداقات الفردية سواء في العهود القديمة او الحديثة و هذا على حد اطلاعي و قرائتي لهذا الموضوع .

قد يكون السبب لعدم الأقدام على أي دراسة في هذا الموضوع ، حسب تشخيصي ، هو وجود أفتراض قديم لم يجرأ او يتجرأ احد على المساس به و مفاده ان الصداقة تتعمق مع مرور الزمن بين الصديقان أو الأصدقاء لوجود طرفي / اطراف الصداقة بجوار بعضهما البعض و يعيشون او عاشا تحت ذات الظروف الزمكانية و انصهرا وفاءا مع تقادم الايام و تعدد الخطوب . مصاديق واقعنا الحالي لا سيما مع بروز جائحة كورونا يلغي هذا الافتراض و لو بصورة جزئية ان لم يكن كلية ، بل و يقذف به بحرا . فقد واكبنا أصدقاء مميزين كما نراه ظاهرا و من ذات المنطقة و المحلة و ينتمون لذات المدرسة العقائدية و الفكرية الا انهم اختلفا في تشخيص لاحداث في مفصل زمني ما ، بسبب تغير احد الاطراف للقناعات التي يتكئ عليها او تبني احداهما انماط حياة معيشية متباينة بشكل مختلف سواء ليبرالي او تشدد فكري ، فتقطعت بينهما حبال الصداقة الدافئة و اضحت فاترة او باهتة او من الماضي المنسي ولو من احد الطرفين.

دعنا نسلط الضوء على تعريف الصداقة و لو اقتباسا من مواقع الانترنت . الصداقة علاقة اجتماعية تربط شخصين أو أكثر، على أساس الثقة والمودة والتعاون و الاهتمام المشترك في اشياء معينة بينهم. انتهى الاقتباس . تُشتق الصداقة في العربية من الصدق. و من السمات الاكثر بروزا بين الاصدقاء هو تقارب الاعمار و تقارب الاهتمامات و الاخلاقيات و الاستقرار النسبي الكبير في علاقة الاحترام بينهم و معالجة اي سوء فهم قد يبرز بين الحين و الاخر . و قسم الفيلسوف اليوناني ارسطو ، الاصدقاء لثلاثة اقسام : صديق المنفعة و صديق اللذة و صديق الفضيلة . فاما صديق المنفعة فالايام تفرز الكثير منهم و شخصيا افعل خاصية “انتبه منهم” . و لعل المتقاعد من القراء راى و يرى واقع صداقاته قبل و بعد تقاعده مع البعض ليكتشف بنفسه حقيقية من كانوا حوله في العمل و الشركة و المجتمع و من تبقى له منهم . و اما اصدقاء اللذة ، فما خلا منهم مجلس و لا منتدى و لا موقع و لا ملعب و لا لعبة افتراضية الا تجد عدد منهم ، فدقق و ابصر ان كنت لبصيرة ناشدا . و لعل البعض لم يتعرف على هكذا صنف بشري الا بعد العزل الوقائي الصحي المفروض و حظر السفر للخارج و حجب التجمعات ايام ذاك كاجراء وقائي ضد تمدد جائحة كورونا . و اصدقاء الفضيلة عملة نادرة و يقال ان عددهم في حياة افراد بعض الشعوب لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة و يقال من حسن حظ المرأ ان يظفر بهم . و أصدقاء الفضيلة هم من تنطبق عليهم سمات الاصدقاء الأوفياء و يستحقون مني و منك بذل الخير و الوفاء و المكاشفة . و يُنسب أرسطو أن الصداقة أكمل ما تكون عندما تتوافر لها الأسس الثلاثة (المنفعة-اللذة-الفضيلة).

عند البحث في ثقافة الشعوب ارى اقوال عدة مثل :

– الصديق وقت الضيق

– صديق قريب خير من نسيب بعيد

– للحي بعض الأصدقاء والميت لا صديق له

– الوحدة خير من رفيق السوء

– الصداقة ليست بطول السنين . . بل بصدق المواقف

– الأب كنز والأخ سلوى…والصديق كلا الإثنين

في حدود قراءتي ، لم اسجل الا في ثقافة اجنبية واحدة ذكر العمر الافتراضي للصداقة . و ينسب احدهم الى بعض الفرنسيين بان من يتعاهد الصداقة لمدة خمسة و عشرون سنة فهذا شي من ضروب الخيال و المثاليات في ثقافة ذاك التجمع من الاشخاص الفرنسيين . و قد يكون احدكم اطرق سمعه ذات المعنى او قريب منه. من الاقوال او القناعات .

في العموم ، البعض يرى مصاديق الصداقة من خلال المواقف و ليس العشرة الزمنية لأنه مهما امتد الزمن بالمصاحبة او العشرة فلن يستطيع ايا منا غربلتها الا عند المرور بالمواقف المفصلية او المكاشفة الرزينة . و لذا البعض يصف من يجالسه ب صاحب او زميل عينا كزميل العمل او صاحبه في سفرة ما او زميل قروب افتراضي . و لكوننا نعيش في مخاض جائحة، فانصح نفسي و من يحب ان يستفيد بعدم كثرة العتب ليدوم الوصل مع اصدقاء الفضيلة و ان يتفنن في ابتكار طرق الحفاظ على اصدقاء الفضيلة مع كامل الحفظ لمعزة النفس و الخطوط الحمراء . السؤال : كم عمر النسب الناجح من وجهة نظرك اخي القارئ ؟ و هل الفراق الناجح مع البعض افضل من الارتباط الفاشل معهم ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى