أقلام

إشكالية التحديث وأزمة الهوية

أمير بوخمسين

الذي يميز تلميذاً عن آخر هو الإجتهاد أو الكسل، التلميذ المجتهد يتميّز بكونه مطيعاً، ومنفتحاً للاكتساب والتعلم من معلميه، وكذلك يجتهد في التعامل مع المعلومات المكتسبة ويصهرها في روحه وشخصيته وواقعه ويفرض عليها بصمات هويته.
التلميذ المجتهد مهما كان صغيراً فهو ناضج واثق من نفسه وحسّاس في التعرف على الذات والتعرف على الآخر، وهذا يخلق لديه الاعتدال في رؤية الأمور. أما التلميذ الكسول فتراه متطرفاً بالطاعة والتقليد، أو بالتمرد والرفض.

إذ ينقصه النضج في إدراك الذات والواقع. مما يخلق فيه الميول إلى تبسيط الحلول والتطرف في المواقف، فتراه يلجأ إلى تقمّص واحدة من الحالتين: – أن يكون كسولاً “مطيعاً” يكتسب من معلميه مثل آلة التسجيل والتلقين. – أو أن يكون كسولاً “متمرداً” يجتهد لرفض كل تعاليم معلميه ليثبت لهم رجولته واستقلاليته، وأنه قادر على الاستغناء عنهم.

وفي كلتا الحالتين يعيش الكسول حالة انسلاخ عن هويته وحياته، وتمحور معتقداته حول شخصية سيده، إما معه أو ضده. حالة التلميذ الكسول هذه تنطبق تماماً على معظم الشعوب التابعة، وبدرجات متفاوتة.
تتلخص جميع أسئلة وإشكاليات الحياة أما من الغرب أو ضد الغرب؟ الموقف من الغرب، ما هو إلا اختصار لجميع الأسئلة المتعلقة بوجود هذه المجتمعات التي تتعلق بمسائل التنمية والتغيير والتفكير والدين والسياسة والمجتمع، ومختلف الأمور الحياتية.
الحقيقة أنه في كل زمان ومكان وحتى فيما يسمى بالمجتمعات البدائية من الطبيعي أن ينقسم المجتمع إلى قسمين من دعاة التغيير والتطوير في الحياة المادية والعقلية، وإلى محافظين تقليديين رافضين للتحديث لأسباب تتعلق ربما بمصالح اقتصادية واختلاف الأجيال والمعتقدات.

وهذا يحدث في كل عصر وفي أية مجموعة وحتى في العائلة الواحدة.
وإشكالية التحديث والمحافظة هذه قد تميّزت بالحدة والتنوع في مجتمعات العالم، وخصوصاً دول العالم الثالث بسبب ظروف التبعية الكاملة للعالم الغربي، حيث اقتحمت حضارة الغرب جميع بقاع الأرض والأنسان.
وبالرغم من التطورات الإيجابية الكبرى في مجالات الصحة والاتصالات والرفاهية الإنسانية، إلا أن حروب الحقبة الاستعمارية ثم النمو الكاسح للتكنولوجيا والاقتصاد وهيمنة أعراف السوق والمنافسة التجارية، فرضته متغيّرات مادية وتقنية تفوق بتأثيرها وسرعتها إمكان الروح والعقل في تلك الدول.

فكيف لشعوب العالم الثالث أن تنسجم عقلياً مع هذه التحولات المادية والتقنية المستوردة من العالم الصناعي الأكبر؟ بعض الشعوب استطاعت تخفيف صدمات التحديث من خلال مواكبة التطور دون التخلي عن مبادئها وعاداتها. اليابانيون مثلاً، رغم أنهم تأثروا حضارياً بالغرب، ثم خضعوا عسكرياً وسياسياً لأمريكا، إلا أنهم أستطاعوا أن يتجنبوا السقوط في عقلية الانفصام في شخصيتهم، وتمكنوا ببراعة نادرة أن يصححوا من كبواتهم وهزائمهم، وأن يخلقوا حضارتهم المحدّثة التي احترمت وامتزجت بخصوصية التقاليد الموروثة والأفكار الدينية.

كذلك الصين رغم العثرات الكثيرة ومنها الثورة الثقافية، إلا أنها تقدّمت بخطوات بطيئة وواثقة من أجل خلق حضارتها التي تجمع بين الحداثة الغربية والأصالة الصينية.. وهذا يعطينا درساً باعتبارنا عرباً بأن نطّور وننتقد ونقترح بدائل لتجارب يدّعي الغرب ريادتها واحتكارها، وذلك من خلال الإبداع والإسهام بتطوير التجارب الإنسانية.. وهذا هو الدور الذي اضطلعت به شعوبنا منذ الحضارات الأولى في الكتابة والفلسفات والعلوم والآداب التي شكّلت القاعدة الرئيسة للوصول إلى الحضارات الحالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى