أخبار الصحف

(الحلو مر) ضيف المائدة الرمضانية.. مشروب سوداني من قبل التاريخ

بشائر: الدمام

في الجو الحار يعتمد الصائمون في شهر رمضان على المشروبات الباردة لمكافحة العطش الشديد أثناء النهار، الخشاف والتمر هندي وقمر الدين والعرقسوس والكركديه وأنواع العصائر والشراب المُحلى، تجد لنفسها مكانا عامرا على المائدة الرمضانية في أغلب البيوت العربية، لكن هناك من المشروبات العربية ما لا يعرفه الكثيرون من العرب، خاصة ممن لم يتوغلوا نحو الجنوب، فهل سمعتم يوما عن الإبريه النوبي، أو المر السوداني؟
عادة رمضانية توارثها أهل الجنوب منذ أزمنة بعيدة، وما زالوا يحافظون على الإرث حتى اليوم، فكما ينشغل الجميع بتخمير العرقسوس ونقع التمر والكركديه، يحافظ السودانيون على التجهيز لمشروبهم التراثي، لكنه تجهيز لا يقتصر على النقع أو التخمير، ولا يكتفي بساعة أو نصف نهار، لكنه يحتاج شهرين كاملين قبل رمضان لزراعة المكونات قبل استخدامها في الشهر المبارك.

استعدادات مسبقة
على اختلاف الطبقات الاجتماعية والثقافية لأهل السودان، وسواء كانوا بالريف أو المدن، فالجميع يحافظ على مشروب الحلو مر، وهو المشروب الذي يمر بخطوات صعبة ومعقدة لتنفيذه، تبدأ أولى الخطوات بـ”تزريع” الذرة، ورصها في الشمس لأيام حتى تجفف “الزريعة”، ثم وبقدر حجم الزريعة النابتة يتم طحنها مع دقيق القمح، وإضافة البهارات اللازمة مثل الزنجبيل والكركديه الأحمر والكمون والحلبة، مع إضافة الكثير من السكر للتحلية.

مع اشتداد الضائقة المالية للسودانيين قبل الثورة، تخلت غالبية البيوت عن إعداد المشروب السوداني الرسمي، وحل رمضان هذا العام في وسط أجواء مرتبكة، لتزيد الأمر تعقيدا، لكن لم يزل البعض حريصا على “الحلو المر” حتى في ظل ما تعانيه السودان من مرارة.
للحلو مر فوائد متعددة بالإضافة لقدرته العالية على مقاومة العطش، لكنه كذلك يفيض بالعديد من الفيتامينات والنشويات والسكريات والأملاح المفيدة للجسم، ويقدم الحلو المر بعد أذان المغرب مع طبق العصيدة السودانية التي تعتبر من أهم ملامح المائدة السودانية في رمضان.

اختلاف تاريخي حول اكتشاف مشروب الحلو مر، فالبعض ينسب المشروب التراثي إلى سيدة سودانية تدعى آمنة عبد الرازق فحل، في عام 1860، التي يقال إنه كان لها كيس من الذرة غمرته مياه الأمطار، ولم تكتشف الأم إلا بعد أن نمت فيه الزريعة، فطحنتها ووجدت لها طعما حلو المذاق، فأضافت له البهارات إلى أن صنعت من الخليط مشروبا مميزا.
بينما يرفض السودانيون تلك الرواية، مؤكدين أن المشروب العريق يعود تاريخه إلى ما قبل الميلاد.

للنوبة خصائص كثيرة تتشابه مع الطبيعة السودانية، وكما تمتد جذورها في الحضارة المصرية، فإن للسودانيين كذلك أثرا بالغا في ثقافة أهل النوبة، لهذا يتشابه “الحلو مر” كثيرا مع المشروب الرمضاني الأشهر في النوبة المصرية وهو “الأبريه”.
يتشابه المشروبان إلى حد كبير، حتى فترة التجهيز الطويلة التي تستلزم إعداده، كانت تقوم بها المرأة النوبية قبل رمضان بشهرين، حتى تستطيع إرساله للأهل والأقارب ممن عصفت بهم عواصف التهجير، الوصفة الأساسية واحدة بين المر السوداني والإبريه النوبي، الخليط ذاته بين دقيق القمح والذرة، بعد التجفيف والتخمير، يتم خبزه على صاج الدوكة، ثم يترك ليجف، وبعدها يطحن لقطع صغيرة، في السودان يخلط بالكركديه، لكن في النوبة يخلط مع جوز الهند المبشور والليمون، محافظا على خصائصه الأساسية في قدرته العالية على مواجهة العطش وخفض ضغط الدم المرتفع الناتج عن ارتفاع الحرارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى