أقلام

منصات التواصل إثراء أم تعمية

السيد فاضل آل درويش

لا يمكن لأحد منا إنكار الدور الذي تلعبه منصات التواصل والتطبيقات الاجتماعية في تفكيرنا ومجريات حياتنا، وكأنها الظل الملازم لنا.

وقبل الحديث حول المميزات الإيجابية والنتائج السلبية لتلك المنصات المتعددة التي من خلالها يمكننا استخلاص النتائج ومن ثم التعامل بناء عليها، لا بد من الإشارة إلى أنفسنا وما أحدثته من تأثير كبير في صياغة الأفكار الثقافية والأسرية والاجتماعية، بل وأصبحت مرجعية في الكثير من التصورات والأفكار ووجهات النظر المطروحة في المجالس والمنتديات، دون خضوعها لمجهر التأمل والمباحثة والمناقشة لنقدها وتنقيحها ومعالجة أوجه القصور والخطأ فيها، بل تقبل على علاتها، وتعد مستندًا يُرجع إليه في المناقشات والموضوعات الخاضعة للأخذ والرد من خلالها، هذا ويتفق الجميع على أن المواد المعروضة مختلطة بين المفيد وبين ما لا يستحق القراءة والاطلاع عليه، وهذا ما يستوجب وجود توجيه تربوي لأبنائنا قبل أن يلجؤوا لتلك المنصات ويخوضوا في موادها المعروضة ومواضيعها مما لا يفيدهم وما لا يتناسب وتربيتهم الأخلاقية، فمضيعة الوقت واستنزافه في الأمور الهامشية واستغراقه لمعظم يومهم يعد خسارة فادحة، وتتعدد أساليب تضييع الوقت، ومنها البقاء مع تلك المنصات لأوقات طويلة دون أن يكون هناك هدف محدد يبتغيه من تصفحها، فتلك المواضيع والمقاطع ليست بالنحو السلبي تمامًا، أو أنها تدخل في خانة الأضرار كلها، بل هناك من المواضيع والمقاطع الهادفة والمفيدة التي تثري عقول أبنائنا وتورثهم الوعي والنضج وتهذيب السلوك، كيف والتعليم الذاتي والإثرائي يعتمد بشكل رئيس على المنصات والتطبيقات الاجتماعية وما يعرض فيها من دروس وتوجيهات وبرامج ثقافية واجتماعية.

ولكن قبل الوقوف على دكة المنصات الاجتماعية لا بد أن يحمل الأبناء ثقافة بأهمية الوقت وماهية المواد والمقاطع التي يمكن أن تحقق له فائدة، وخصوصًا إذا ما كان هناك متابعة وإشراف وحوار بين الوالدين وأبنائهم الصغار حول ما يشاهدونه ويطالعونه وما يتبادلون الدردشة حوله، إذ قد لا يقتصر الأمر على الخطوط الحمراء الأسرية على ما يتناول الخدش الأخلاقي والمحتويات الهابطة من هذه الناحية، بل يتعدى الأمر إلى كل ما هو غير مقبول ويتجاوز القيم الأسرية من الناحية الثقافية والاجتماعية، ولذا فإن مواكبة الوالدين لما يطرح في تلك المنصات وقربهم من عالم أولادهم وتخصيص الأوقات التي يتحدثون فيها معهم ويستمعون لوجهات نظر الأولاد يجنبهم الخطر المحدق، فإن من الخطأ تعنيفهم على فكرة خاطئة يتداولونها، بل على الوالدين اتباع الأسلوب الحكيم والإقناع العقلي دون أن يشعروهم بأنهم لا يحق لهم طرح تصوراتهم الخاصة بهم.

فمن الآثار السلبية لتلك المنصات الاجتماعية – ولغياب الوعي والتوجيه والتثقيف الأسري بالطبع – هو اندماج الطفل والشاب والفتاة مع ما يعرض فيها وكأنها أفكار وتصورات قطعية لا مجال للنقاش في صحتها، أفكار توجه الطفل – مثلًا – إلى مبدأ الحرية والاستقلال عن الوالدين وتوجيههما واستحقاقه لاتخاذ الرأي المناسب لوحده دون تدخل من الغير، وهذا لا خلاف فيه بالجملة ولكن نقطة التعمية والخداع تكمن في مسألة الاستقلالية دون أن يكون عنده مقوماتها والاستعدادات الخاصة بها فيستعجل في الأمر مما يوقعه في جملة من الأخطاء، كما أن النقطة الأخرى هي كيفية تصوير مساندة الوالدين وبقية أفراد الأسرة وكأنهم بعبع يخنق أنفاس استقلاليته ويبقيه شخصية ضعيفة لا يستطيع شق طريقه المستقبلي بما يتناسب وقدراته وإمكاناته، مما يؤدي هذا الاندماج مع هذه الأفكار والمقاطع المرئية المعدة لها إلى حالة من التمرد التام على توجيهات الوالدين وعدم قبول الدخول في أي نقاش وحوار حولها وتبيان نقاط القوة والضعف فيها.

التفريق بين العالم الافتراضي وما ينسج فيه من أفكار وتصورات وبين عالم الواقع هو أمر تقع مسؤوليته على الوالدين، فكم من العلاقات الزوجية تهدمت بسبب اندماج الزوج والزوجة مع تلك الأفكار المثالية عن العلاقة الزوجية، مما أدى إلى عقد مقارنات بين حياتهما التي تكتنفها محطات خلاف وسوء فهم ومشاكل، وبين الحياة الزوجية العاطفية (الرومانسية) التي ملؤها المحبة والكلمات الرقيقة والتفاهم، والحقيقة أن الحياة الزوجية لا هذه (الافتراضية) ولا تلك (حياة النكد)، وإنما عمل مشترك بين الزوجين على تحقيق الانسجام والتفاهم والود بينهما ومواجهة الخلافات بالحوار الهاديء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى