برودكاست

الفئوية بين الإيجاب والسلب

لست هنا بصدد الكلام عن (الحزبية أو الفئوية) كعمل تنظيمي أو سياسي، فإنّ ذلك أمر يتبع القانون في كل دولة، وبعض الدول تمنع ممارسة ذلك.

وإنما أتحدث هنا عن (الحزبية أو الفئوية) بالمعنى العام، وهو وجود مجموعة من الناس تؤمن بأفكار وأهداف مشتركة، وتعمل من أجل تحقيقها.

وبالتالي فالناس الذي يعملون معًا من أجل نشر الفكر الليبرالي هم (حزب أو فئة من فئات المجتمع)، وكذلك من يعمل لأجل نشر الفكر الحداثي، أو الديني، أو الوطني، أو غيرها.

وكذلك يمكن أن تعتبر كل مجموعة تدعو إلى (مرجعية دينية معينة) حزبًا من الأحزاب، أو فئة من فئات المجتمع.

وبذلك يتضح أن من يحمل فكرة (قلّد من شئت من المراجع بدون حرج أو حزازة) هم أيضًا حزب أو فئة.

وبناء على ما تقدّم نقول:
‍ 1- لا يمكننا نحن البشر العاديين أن نقنع ((كل الناس)) بفكرة واحدة، فالاختلاف أمر لا مفرّ منه. قال الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).

2- لا يمكن أن تمنع الناس من تبني فكرة معينة، أو تمنعهم من العمل على نشرها والترويج لها. سواءً كانت تلك الفكرة دينية أو غيرها.

3- من حق كل فئة من فئات المجتمع أن يكون لها مراكزها الخاصة بها، وليس في ذلك غضاضة، فهذا المنتدى العلمي أو المسجد أو الحسينية أو الموقع الاكتروني أو القناة الفضائية تتبنى الدعوة للمرجعية الفلانية. هذا أمر لا مانع منه.
نعم، أنا كمسلم أرى حرمة الترويج للفكر الإلحادي بين المسلمين، وكذلك حرمة الدعوة لأي فكر مناهض للفكر الإسلامي، فحرية الرأي لا تشمل ذلك، كما لا تشمل الترويج للإباحية الجنسية وأمثالها، وتفصيل ذلك وبيان الأسباب تحتاج إلى مقال آخر.

4- الأخطاء الرئيسية للفئات الاجتماعية تكون غالبًا في المحورين التاليين:
المحور الأول: عدم مراعاة ضوابط وآداب الاختلاف مع الآخرين، فيقع في مشكلة تسقيط الآخرين مثلاً، وتفسيقهم وإخراجهم من المذهب والدين. أو زرع العداوة والبغضاء بين المؤمنين بعضهم بعضًا.

المحور الثاني: الاستيلاء على المشاريع الاجتماعية والخدمات العامة:
قلنا قبل قليل، من حق كل فئة أن يكون لها مراكزها الخاصة بها، لكن ليس من حقها الاستيلاء مثلاً على جمعية البلد أو النادي الرياضي وصبغه بطريقة أو أخرى بصبغة تلك الفئة، فإنّ هذه المراكز وأشباهها للمجتمع كله بكل فئاته، ويجب أن يبقى حاضنًا للجميع وفاتحًا ذراعيه للجميع.

ويزداد الطين بلة، عندما تقوم تلك الفئة المستولية على المشروع العام، بتقديم شخصيات من جماعتها لتولي المسؤوليات والأدوار مع عدم كفاءته لذلك. وهكذا يكون عامل التقديم هو (الحزبية أو الفئوية) ولو كان ذلك في ضرر الصالح العام. وهذا أحد أنواع التعصبّ المذموم، ولا فرق بين من يبعد (الإنسان المناسب عن المكان المناسب) ليضع في ذلك المكان (ابن عمه) وبين من يضع (زميله في الفئة) فتأمل جيدًا.

————

* الشيخ مرضى الباشا: أستاذ في الحوزة العلمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى