أقلام

تعدد الآراء في الفقه والعقائد والتاريخ الحسيني

الشيخ مرتضى الباشا

بات تعدد الآراء في الفقه أمرًا مسلمًا به بين الناس غالبًا، وأصبح وجود اختلافات في الأحكام الفقهية داخل الأسرة الواحدة مألوفًا، فضلاً عن سائر المجتمع، فهذا يغتسل بطريقة تختلف عن ذاك، وهذا يرى أمرًا طاهرًا، في حين يراه آخر نجسًا، حسب اختلاف آراء مراجعهم.

نعم، ما زالت بعض المسائل القليلة جدًا موطن تذمّر من البعض، وذلك كاختلاف الفقهاء في ثبوت هلال عيد الفطر.

على كل حال، فاختلاف الرأي في كيفية الغسل أو الطواف أو بعض المعاملات التجارية وأمثال ذلك، بات شيئًا مألوفًا ومقبولاً بين الناس.

أما في المجال العقدي، فما زال أكثر المجتمع يعيش حالة الاحتراب والإقصاء والرأي الوحيد، فرأيي هو الصواب الموافق للمذهب، ورأي غيري إما غلو، وإما تقصير، وفلان بتري، وفلان ملعون، وأمثال ذلك من التهم.

متى يتسع صدرنا، لنقبل تعدد الآراء في المسائل العقدية داخل المذهب الواحد؟ متى نقتدي بالشيخ المفيد عندما ناقش الشيخ الصدوق في عقائده، بكل احترام وتقدير، وبدون أن يخرجه من المذهب.

كما هناك مبانٍ متعددة في الفقه، وفي الأصول، وفي علم الرجال والحديث، ما المانع من وجود مبانٍ متعددة في علم العقيدة؟!

مثلاً: متى يكون (الخبر الواحد) حجة في باب العقيدة؟
هذه مسألة مختلف فيها بين العلماء، وتبع ذلك، سيختلفون في بعض المسائل الفرعية لا محالة.

أعتقد أن حلّ هذه القضية تبدأ من الحوزة العلمية ذاتها، عندما يتم عقد دروس بحث خارج في العقيدة، وتطرح فيها الآراء المتعددة مع أدلتها، وتبرز الآراء وأصحابها، كما هو الحال في درس الخارج الفقه والأصول، عندئذ تتم برمجة عقولنا على استماع الآراء المتعددة، والأدلة المختلفة في العقيدة.

وكذلك الحال، بالنسبة للتاريخ الحسيني، فنحن حاليًا، نتأزم ونتحارب عندما نختلف في مسألة تاريخية، مثل حفيرة مسلم، وزواج القاسم، وابتهال ليلى. ومن يختلف معنا في رأينا، فهو ضد الإمام الحسين، وهو إما مغرض أو جاهل.

لماذا لا نقبل بأن المسائل التاريخية أيضًا لها مبادئ ومباني ومناهج، من حق الآخر أن يختلف معي فيها، وبالتالي سيختلف معي في قناعته التاريخية.

مثلاً: البعض يقتصر على المصادر والكتب التي صدرت حتى القرن السادس الهجري، لأدلة هو مقتنع بها.
والبعض الآخر يعتمد على المصادر والكتب التي صدرت حتى القرن العاشر الهجري، دون ما تأخر عنها، لوجود وأدلة هو مقتنع بها.
والبعض الثالث يأخذ أي كلمة أو قصة أو رواية، حتى ولو سمعها سماعًا من الخطباء المعاصرين، أو السابقين، ويبني على ذلك.

وهذا له نظير في المسائل الفقهية أيضًا، فبعض الفقهاء لا يعتمد إلا الروايات الموجودة في الكتب الأربعة، في حين يعتمد آخرون على روايات جاءت في كتب أخرى، وكل فقيه يحترم الآخر ووجهة نظره.

وفي الوقت الذي يعتمد بعض الفقهاء على نسخة كتاب ما، يرى فقهاء آخرون أن تلك النسخة غير موثوقة ولا يعتمد عليها.

ونظير هذه الخلافات يمكن أن تحدث أيضًا في البحث التاريخي، فالمصدر الذي أعتمد عليه كثيرًا في التاريخ، ربما لا يراه آخرون من المصادر المعتمدة.

وعلى كل حال، علينا أن نؤمن بوجود مناهج متعددة ومباني مختلفة في التحقيق التاريخي، هذا مضافًا إلى اختلافات القناعة الشخصية بكفاية بعض القرائن وعدمها، والنتيجة ستكون اختلافنا في الآراء التاريخية.

من يريد الحديث في المسائل التاريخية، هو بحاجة إلى دراسة أسس التحقيق التاريخي، وبحاجة إلى حلقات بحث خارج، أو مناقشات عميقة مع متخصصين، بحيث يستقصي الأدلة والشواهد والقرائن. وهذا يحتاج إلى عمل بحثي يستغرق الكثير من الوقت والجهد، ويرجعنا إلى ضرورة وجود (معهد حسيني) يدرّس الخطباء ما يحتاجون إليه من علوم ومهارات، وفق خطط ومراحل دراسية.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى