أقلام

ورطة سفر ! الحادية عشر

صادق العليو

تكملة لمشوار الوهقة في الحلقة السابقة مع الفندق اللي بدون اي نجوم بالتقييم ونحن في قرية لم اعد اتذكر أسمها من كثر ماهو غلج تقع في آخر مناطق الأرخبيل الفلبيني ولاشيء جميل أو مريح هناك سوى المناظر الخضراء المنتشرة بكثرة والأجواء الباسيفيكية التي تهدأ الأعصاب من جمالها ، دعونا نكمل معكم مشوار ورطتنا الجديدة بتفاصيل طريفة ومحرجه ولكنها حقيقية ، ونرجو أن تكون متابعتكم لها ممتعة.

ما أن صحونا في اليوم الأول من نوم السبات التي تعرضنا له قهرا بسبب التعب والإجهاد إلا وأحسسنا أن مصارين البطن تقطعت من الآم الجوع فقد مضى علينا نهار كامل لم نتذوق فيه شيئا سوى التعب والإجهاد والتململ من طول وبعد الطريق لغاية الوصول ونسينا ان نطعم أنفسنا شيئا حتى لو تصبيره نشد فيها ازرنا وإزارنا الذي وقع منا بكثرة من شدة الجوع ، المهم اصبحنا نفتش عن مأدبة الفطور والعقل يجول ويدور فيما نرغب بإلتهامة من طعام ، وفي المطعم الصغير في فندقنا الكئيب لا أعلم لماذا تذكرت بوفية السعادة في حارتنا بالدمام والتي لاتختلف كثيرا بتجهيزاتها عن هذا المطعم سوى إن خيارات الفطور فيها أفضل ولأن الجماعة ماعندهم إلا البيض وعليك تختار تبيه مسلوق او مقلي او نيء ( يمكن ترك عليه ويفقس) ولم يصل لهم تقنية الأجبان المعلبة والمربيات والعسل والكورن فلكس ، وحتى الطماط تعتبر رفاهية غير محببه ، وإضطررنا اكل البيض خاليا من اي إضافات سوى قطعتي توست لاثالث لهما وعندما رغبة بالزيادة نظرت لي النادلة ( النذلة) نظرت إشمئزاز وقالت لكل زبون فقط أثنين ، ولا اعرف لما احسست اننا في حالة تموين طوارىء والتوزيع علينا بالحصص ، ماعلينا تزغنبنا الفطور البائس أكل الجائع المضطر وطلعنا ندور باقي الجماعة علشان نكمل شغلنا عسى أن ننتهي من هذه الورطة بسرعة.

وفي نفس اليوم قمنا مع مرشدنا السياحي ومرافقنا من مكتب التوظيف بزيارة عدة مصانع محلية بين الطرقات وخارج المنطقة وجميعها متخصص بصناعة السبائك المعدنية ولكن لمحدودية خطوط الإنتاج وقدم مكائن التصنيع كان كلا منها متخصص بصناعة نوع او أثنين فقط من هذه السبائك ، واغلب الطرق المستخدمة وأن كانت سائدة فهي طرق بدائية وتعتبر خطرة في تقييم الأمان والسلامة ، ولهذا هي قليلة المصاريف وتكلفتها تنافس افضل مايصنع في البلدان المتطورة ، وكان هدفنا التعرف على هذه الصناعة عن قرب وأيضا العمالة الماهرة والتي رغما عن كل الظروف الصعبة تمارس عملها بفنية واحتراف ، كان هناك العديد من العمالة وبعضها يعمل برواتب زهيدة وأخرين ربما يعمل بأوقات جزئية او حتى بمكافأت لقلة الميزانية وكثرة العمالة المتوفرة ، وهي حالة محزنه ومؤلمة ولكنها غالبة تلك الأيام ، وتوجب علينا في نهاية كل زيارة نقوم بها ان نلقي كلمة في جمع من العمالة نشرح لهم فكرة وسبب زيارتنا لهم ومجيئنا مصنعهم وعما نبحث عنه من عمالة ماهرة مع اعطاء توضيح مختصر لما نمثلة من قطاع وطبيعة العمل والإنتاج والمنطقة وماسنوفرة من مميزات للملتحقين معنا ،، الخ الخ ، ولإننا لا نجيد لغتهم واغلبهم غير متمرس باللغة الأنجليزية كان علينا استخدام الوسيط كمترجم رغم عدم ثقتنا به بشكل تام لمعرفتنا بألآعيبهم خصوصا بتحصيل مصاريف السفر والعمولات ، فهم يأخذوا أتعاب مضاعفة من اصحاب العمل والعمال سواسية وهذا خلاف المتعارف .

لقد بدى لنا ارتياح اغلب من قابلناهم ورغبتهم في الإنظمام والسفر معنا إلا أن إعداد وثائق السفر ستأخذ مجهود ومصاريف وتخطيط ومتابعه ليست قليلة وستكلفهم فقدان قوتهم اليومي الذي يعيشون بسببه فأغلبهم ليس لدية مدخرات كافية وهو يأكل بما يعملوا يوميا ، لذلك سيحتاجون قروضا مسبقة لتدبير حالهم وعيالهم قبل السفر وهذا مالم نكن نخطط له من قبل ولم يكن لدينا ميزانية أليه فأتفقنا اولا ان نجلب من يوافق منهم لصالة المقابلات التي حجزناها بفندقنا الكئيب ، وبعد المقابلة واجتياز القدرات ننتقل للمرحلة الأكثر حرجا حول التعاقد والراتب والقرض المسبق لإكمال التجهيزات ، وهو ماخططنا له في اليوم التالي لوجودنا فالوقت من ذهب ولكن في هذه القرية يعتبر الوقت من توست ابيض لأن معاناة الحصول عليه اغلى من شراء الذهب ، وفي اليوم الثاني كان لنا تنظيم دقيق سهرنا نخططه جميعا ونرتب القاعة في كيفية فرز الطاولات وتنظيم ممرات الدخول والإنتظار وأماكن المقابلات على دفعات ومراحل ينتقل فيها كل مرشح من أحد المقابلين إذا أجتاز لمقابلة عضو آخر كما في اغلب لجان التوظيف التي نشكلها ، ولأن العدد المتوقع حضوره لإجراء المقابلات كبير ولأن اليوم الذي اخترناه لذلك كان عطلة نهاية الأسبوع وبالنسبة لهم لا أرتباطات عملية تمنعهم عن الحضور ، لذلك إحتجنا ان نوظف من يساعدنا على ادارة الوفود والحشود وطبعا مافي احسن من الحريم عندهم في ذلك خصوصا ان كانت مدرسة او مرشدة فهي متكلمه جريئة وشخصيتها قوية .

اتفقنا مع إدارة الفندق الكئيب ان لايدخل قاعة الإنتظار إلا اعداد محدده حتى لايتسبب التزاحم والتكدس بحصول ضوضاء تشغلنا اثناء المقابلات وتشوش علينا التركيز ، فكانت الموظفات المساعدات لنا تحتجزهم في الخارج ولاتدخل منهم إلا القليل وهكذا كلما خرج مجموعة دخلت اخرى والعمل جاري على مايرام وأكثر من قابلناهم مرشحين اقوياء وذوي خبرة ودراية بطبيعة العمل ولكن يبقى التأكد من اوضاعهم الصحية وخلوهم من الأمراض السارية وصحيفة سوابقهم أن لاتكون اجرامية وبالطبع مدى مقدرتهم على الحصول على وثائق السفر سريعا والإلتحاق قريبا وفق شروطنا وعقودنا ، وكنا قد عرضا عليهم التكفل بكل شيء مادي مع قرض ميسر لكل واحد نسترده خلال الثلاثة اشهر الأولى من وصوله للعمل لدينا ، والإقرار من الوسيط ان لايأخذ عليهم شيئا ولابيسوه واحده ( عملتهم البيسو ) فكان ذلك خبرا مفرحا لهم أنتشر بينهم كالنار في الهشيم وأصبح كل واحد يخرج يتواصل مع من يعرف ليحضر للمقابلة حتى لو كان من غير المهن المطلوبه او ممن لم ندعوه من قبل ، يعني بيجرب حظه ويمكن يفوز حتى لو بمهنه بسيطة طالما كل شيء موفر له مع قرض ميسر.

والظاهر ما أقدما عليه من ترتيبات وعرض ابتدائي لم يكن متعارف عليه لديهم من قبل ولذلك انتشر الخبر في القرى المجاورة وبدأت الوفود تترى وتتزاحم في الساحة والطرقات ونحن لانعلم عن هذا التكدس شيئا لأننا منهمكين في المقابلات داخل القاعة الى أن حصل مالم نكن نحسبه وهو تدخل الشرطة المحلية بعد ان أرابها الوضع فقررت ايقاف هذا التفشي وطالبتنا بإنهاء المقابلات ومقابلة السلطات للتباحث في الأمر ، وهنا رفعنا القلم فقد شارفنا على نهاية المساحة فتركنا الساحة الى حلقة جديدة ممتعة نشارككم فيها الأسبوع القادم إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى