أقلام

بتول ..بصمة عطاء وقصة وفاء (ج٢)

رباب حسين النمر

رحمة الوالدين كخيمة تحتضن الأبناء وتظلل على رؤوسهم بالعطاء والرعاية، ومع لحظات ضغوط الحياة وازدياد متطلبات الأبناء قد ينفجر الوالدان بالمنّ تجاه أبنائهم ويذكرونهم بمواقف العطاء والإحسان والبذل والجهد، ولكن بتول لم تشعر إخوتها وأخواتها يوماً بتعبها في رعايتهم، ولم تمنّ عليهم قط بعدم تقصيرها.
بتول كانت تبحث عن رضا عائلتها، وتتفقدهم شخصاً شخصاً بشكل يومي هم وأطفالهم. وعلى الرغم من زواج إخوتها وأخواتها وانتقالهم للعيش في مساكنهم بحيث لم يتبق في المنزل سوى أربعة أشخاص إلا أنها تعد طعاماً كل يوم يكفي لعشرين شخصاً، فشعورها يحتم عليها إطعام أخواتها الموظفات ، ومن يلوذ من إخوتها بحضنها الدافيء.

10/10التاريخ الحزين الذي حفر في قلب الأم/الأخت ندباً عميقة، وجروح فقد مؤلمة. التاريخ الذي دُوِّن على شاهد قبر والدها حيث غادر إلى الدار الآخرة.
حزن عَصَفَ بمشاعرها واختطفها تسع سنوات، تهيم في عالم آخر، ولا تشعر بما يدور حولها. فقدت والدها ورفيق معاناتها وصديقها الروحي حتى فتكت بها الأمراض النفسية والجسدية، فلم يكن العلاج يجدي شيئاً.
لم تُفِق بتول من صدمة الحزن إلا على صدى صوت رضيعة صغيرة لإحدى أخواتها لم تتجاوز الشهرين من عمرها.
تعلق قلب بتول بالرضيعة الصغيرة وكفلتها لصعوبة ظرف خاص تمر به. ومنذ أن تكفلت بالرضيعة عادت دماء الحياة تضخ في شرايينها وعادت إلى سابق عهدها وتناولتها يد العناية الإلهية بالشفاء، عادت ابتسامتها تملأ زوايا البيت بهجة، وعادت منتعشة للحياة تمارس ما اعتادت عليه:
تطبخ، تشتري، تتناول طعامها بشهية، تتواصل مع مجتمعها، تتفقد الأرحام والجيرة، وتسأل بشكل دائم عن أمورهم وأحوالهم.
انتعش البيت بعودة صحتها وخيم الفرح على العائلة.

وتعود أزمة الحزن والفقد لتعبث بمشاعر بتول من جديد.
تاريخ آخر حزين خط وشمه المعتم على شغاف فؤادها، وتتمثل في دموعها( الآن انكسر ظهري الآن شمت بي عدوي الآن قلت حيلتي) فلم يكن حزنها في فقد أخيها علي سوى مرحلة عودة لحزنها القديم.

لم تكن دموعها تهدأ عن الهطول، وامتد تأثير الحزن ليصيبها بارتفاع درجة الحرارة لأيام ثلاثة متصلة، وهبوط في الضغط وارتفاع في مستوى السُّكّر مما سلبها القدرة على الحركة والمشي.
كانت طريحة الفراش في المستشفى مسلوبة الحركة، فكرها وعقلها منشغلان بالذوبان في قصص الفقد.
قبل رحيلها بأسابيع ثلاثة قرر الطب النفسي أن يمنحها دواء كونها لا تتناول الطعام، وتدهورت حالتها الصحية بعد هذا العلاج حتى غابت عن الوعي في غيبوبة..
بتول حيّرت أطباءها ولم يقفوا على مرض أو علة تفسر حالتها، ولكن يخرج من فمها سائل أسود مائل للحمرة كلما تم شفطه عاد للتدفق،وكأنما تجسد فيه ما اجتمع في قلبها طوال تلك السنوات.
أجرى لها الأطباء فحص منظار تارة وأشعة مقطعية تارة أخرى فلم يجدوا شيئاً غير طبيعي.
ولكن شاء الله أن ينتهي رزقها وتقضي نحبها وتأخذ في سفرها قلوب أحبتها.
يتبع…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رحمه الله عليها.

    مسيرة حياة مفعمة بالعمل والكفاح. ايامها سلسلة من الحزن والفقد. ولكنها لم تستسلم. فقد واصلت الطريق وبشجاعة. ولم تدع المصاعب والاكتئاب ان يوقف مسرة العطاء. ولكن حتى الحديد يتعب. فلم يتحمل قلبها واسلم للسكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى