أقلام

النبيل و الوضيع

م. أمير الصالح

يُنسب لجلال الدين الرومي قوله:

لا يشغلني من أساء إليّ فلست أجاريه. إنما يشغلني من أحسن إليّ كيف اجازيه.

ويقال بأن الفيلسوف الألماني(نيتشه) أبتكر معيارا لتمحيص الشخص النبيل من الشخص الوضيع. وقيل بأن نقلا عن مريديه أن الشخص النبيل فى فلسفة (نيتشه) حساس تجاة أى شعور بالعجز لرد الجميل لمن أحسن اليه. فالشخص النبيل يكره أن يكون مديناً لأى شخص، ويحب أن يقوم بمساعدة نفسه فى كل مجالات حياته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ويبذل فائض النعمة والقوة لديه لإطعام الآخرين أو تلبية إحتياجاتهم الإنسانية الأساسية والمبادرة لصنع الجميل و الدفاع عن المظلومين. ويسترسل بعض محبي الفيلسوف نيتشه في سرد الفكرة بالقول: لو قدم أحدهم للشخص النبيل مساعدة بسيطة يشعر الشخص النبيل بثقل المديونية على كاهله. ويشعر بالأمتنان لمن قدم الخدمة له مدى حياته، وأحياناً يخلق ظروفا من العدم كى يرد له الجميل فى أقرب فرصة وفي أفضل باقة وحفاوة، ويعامله كند، ويشكره شكراً حقيقياً وليس شكراً مصطنعاً أو رياءا أو تزلفا أو تملقا أو مباهاةً أو بهرجة.

بينما الشخص الوضيع فى فلسفه (نيتشة الالماني) يعتبر مساعدة الآخرين له حقا عليهم وليس دينا يجب أن يرده في قادم الايام أو احسانا منهم نحوه يجازيه بالاحسان. ويشعر الشخص الدنيئ بالرضى حين تُلبى رغباته الأنانية من قبل الآخرين ذلك لأنه مستغرق فى ذاته النرجسية الانانية. ويستخدم الوضيع النذل الإبتزاز الأخلاقى والشعارات الرنانة المؤثرة مثل الإنتماء العرقي وعنوان الأخوة والمكان والوطن والرحمة والانسانية والدين والمذهب كى يحتال على ضحاياه ويصل مرامه! يتنكر الشخص الوضيع عن معظم من ساعدوه وإن شكرهم فانه يشكرهم بشكل سمج ومستخف وعابر. ولا يشعر بثقل مديونية أن يقتطع أحدهم من وقته وماله وجهده وعلاقاته وإتصالاته ويعطيه. لأن الوضيع يعتبر كل من أحسن إليه يؤدون أمر واجب على الاخرين نحوه! فترى الوضيع يشغل الاخرين لسد حاجاته وبمجرد بلوغ مرامه يتنكر لهم و يسلب العرفان نحوهم ويتوارى عن رد المعروف لهم. والواقع أن الدنيئ يكشف عن أقنعة كان يرتديها.

مع شديد الاسف مع زيادة إنخراط بعض أبناء المجتمعات في أيدلوجيات المصلحة الشخصية حد الوضاعة والفردانية حد النرجسية والانانية وحب الأنا حد الكفر بالاخرين، أضحى على من يهمه الأمر الإنتباه وحسن التمحيص والتدقيق لكي لا يكون أحد ضحايا الاشخاص الدنيين. فالشخص الوضيع معول هدم في البناء الانساني والبناء الاجتماعي والشركات والمؤسسات. وعليه وجب التنبيه و التنويه وعدم التهاون في أمانة الكرامة وكرامة العزة تحت أي عنوان .

ولنتذكر جميعا بأنه تمر بعض العصور أو الأزمنة يكون لسان حال البعض من الناس في بعض المدن: كلما زاد علم الشخص إقترب من العزلة، وكلما زاد جهله إقترب من أن يكون شخص إمعة، وكلما زاد تفاهة إقترب من الشهرة! وكلما نكر المعروف زاد دناءة. وكلما زاد منسوب رد المعروف و تبني الاحسان لديه نحو مجتمعه وأهله ووطنه كلما زاد نبلا وشهامة.

ملحوظة (١): لم أدقق ما تبناه مُريدي الفيلسوف نيتشه في موضوع معيار النبل والوضاعة ولكن قد يكون المقال بهكذا قالب أكثر جاذبية لدى البعض من إيراد أقوال انبياء أو مفكرين آخرين. والفكرة الاساس هي تجذير مفهوم ومعاني النبل وخصال النبلاء في بستان المجتمعات الانسانية بغض النظر عمن قال.

ملحوظة (٢): أتمنى إلى جانب معاير المبيعات والإستحواذ ونسبة النمو السنوي، أتمنى إطلاق معيار للكرامة والإنسانية وحسن التعامل يمحص المدراء والتنفيذيين الذين تؤول إليهم مصائر المستقبل المهني لألاف الموظفين.

ملحوظة (٣): أتمنى من الشباب و الفتيات أن يتأملوا في معايير حفظ الكرامة الإنسانية التي أولاها دين الإسلام للإنسان قبل الولادة وبعد الولادة وفي مرحلة الطفولة وعند المراهقة وفترة الشباب ومرحلة الكهولة وفترة الموت وحتى ما بعد الموت. ولا يغترون بأصحاب الدعوات الباطلة مثل أصحاب الإباحية وإختلاط النسب وهتك الفروج وشيوع تعاطي الجنس المحرم  وأدعياء إباحة الإعتداء على الاطفال وعبدة الشيطان ورواد الإجهاض للاطفال دون مبرر طبي ملزم وأتباع التشبه بالاجناس ورافعي رايات إنتقال الجنس.

فمالكم كيف تحكمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى