أقلام

ملخص محاضرة الشيخ مرتضى الجمعة الليلة الثانية: الرواية التاريخية في محكمة التقييم

قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول

انطلاقا من هذه الرواية سيكون حديثنا حول نقطتين: الأولى: ما الرواية التاريخية أو بيان المراد من الرواية التاريخية. والنقطة الثانية: بيان المنهج العلمي للتعامل مع الرواية التاريخية.

أ- ما المقصود من الرواية التاريخية؟
هي الرواية التي يكون موضوعها حدثا تاريخيا. كالروايات التي تتحدث عن غزوات النبي ص والروايات التي تتحدث عن بطولات الإمام علي ع والروايات التي تتحدث عن تواريخ مواليد الأئمة واستشهادهم عليهم السلام …. فكل رواية تتحدث عن أبعاد شخصية معينة في التاريخ تُسمى رواية تاريخية.
ب- ما المنهج العلمي المتبع في التعامل مع الرواية التاريخية؟

فعندما نستمع إلى رواية تاريخية فكيف تتم محاكمتها؟ متى تقبل ومتى لا تقبل؟ تُنقد تلك الرواية نقدا علميا ومتى لا تُنقد؟

هُناك منهجان:
المنهج الأول: هو المنهج الذي اعتمده سماحة السيد الخوئي قدس. حيثُ قال: يُشترط في قبول الرواية التاريخية أن تكون رواية معتبرة ”وقد تم شرح تعريف الاعتبار عند العلماء في محاضرة الليلة الأولى“. وكأن السيد الخوئي قدس الله سره يقول أنه لا يُفرق بين الرواية الفقهية او التاريخية، فكما أشترط في الأولى الاعتبار فإنني أشترط في الرواية التاريخية أن تكون معتبرة كذلك. وهذا الشرط عند السيد الخوئي أدى إلى تضييق الخناق على الباحثين في بحث شرط الاعتبار في الروايات التاريخية، حيث إننا وبناءً على هذا الرأي فإننا سنفقد كثيرا من المعلومات والروايات التاريخية التي وصلت إلينا بطريق غير معتبر. ومن هُنا فإن رجالا من علماء المذهب كالسيد جعفر مرتضى العاملي ”قدس“ لم يرتضي هذا الشرط، وكذلك قال المحقق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي حفظه الله، وعندما نرجع لكماته فإننا نجده يقول: لا يجدر أن يتعامل مع الروايات التاريخية كما يتعامل مع الروايات الفقهية ولا سيما أحداث واقعة كربلاء، لأن كثيرا من الأحداث الكربلائية وصلت إلينا بطريق غير معتبر ولو قلنا كما قال السيد الخوئي رحمه الله أو من يتبنى منهجه في لزوم اعتبار الرواية التاريخية أن تكون رواية معتبرة فإننا لن نصفى على شيء في كربلاء إلا ما هو موثوق به كأن يقال: قٌتل الحسين بن علي في يوم عاشوراء عٌطشانا !؟. وهو محل اتفاق الجميع، أما من قتل الحسين ع ففيه خلاف؟ من حمل رأس الحسين ع فيه خلاف؟ وغيرها من الأحداث.

والسؤال المنهجي هٌنا بعد كل هذا الشرح للمنهج الأول: هل لدى السيد الخوئي ”قدس“ طريقة يتعامل فيها مع الروايات التاريخية غير المعتبرة؟ أو هل يستطيع الخطيب مثلا أن ينقل رواية غير معتبرة على شرط السيد الخوئي قدس؟ الجواب: نعم
وذلك أنك يمكن أن تنقل الرواية غير المعتبرة باعتبار أنها موجودة في مصدر من المصادر ما لم يُعلم كذبها. والعُهدة على من كتب وليست عليك كناقل. فإذا علمتَ كذبها فيُحرم عليك نقلها.

المنهج الثاني: وهو رأي العلماء المشهورين من المؤرخين، حيث يقولون أن شرط الاعتبار في الرواية التاريخية لا يهمنا ولكن عندنا شروط ثلاثة يجب توفرها في الرواية حتى تُقبل:
الشرط الأول: أن تكون الرواية في مصدر معتمد ولو عند جماعة قليلة من أهل هذا الفن.
الشرط الثاني: أن يكون ذلك المصدر صحيح النسبة لصاحبه.
الشرط الثالث: أن لا تتصادم تلك الرواية مع أمر عقائدي وأن لا تكون منافية لمقام النبوة ومتعلقاتها ومقام الإمامة ومتعلقاتها وأن لا تهتك مقام المعصوم.
فيلزم اجتماع هذه الشروط الثلاثة لقبول الرواية وإلا رُدت. لأنه في بعض الأحايين تكون الرواية معتبرة وتكون الرواية موجودة في ذلك المصدر المعتمد الذي يُعلم صاحبه، ولكنها تخدش في مقام الإمامة … فهُنا تسقط الرواية.

و للتقريب أكثر فإننا سنذكر ثلاث أمثلة أو روايات لنرى كيف تعامل معها أصحاب الرأي الأول والثاني.
المثال الأول: ذكر في التاريخ أن النبي ص كان يتعبد في غار حراء، وأن ليلة من الليال نزل عليه الوحي وقال له: اقرأ فقال النبي ص: ما أنا بقارئ، فقال له ثانيا: اقرأ فقال النبي ص: ما أنا بقارئ، فقال له ثالثا: اقرأ بسم ربك الذي خلق … إلى آخر الآيات. ثم نزل النبي ص مسرعا من الجبل وأقبل إلى السيدة خديجة ع وقال لها: دثروني دثروني زملوني زملوني. فدثرته وزملته وبعد فترة أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، فأخبر النبي ص ورقه بما حصل فقال ورقه: يا خديجة إنه الناموس الأعظم الذي نزل على موسى بن عمران وهذه أولى علامات النبوة لمحمد بن عبدالله. انتهت الرواية المنقول، والآن لنتحدث بالمنهج العلمي أو لنطبق المنهج العلمي على هذه الرواية. أما الرأي الأول أو الاتجاه الأول الناظر إلى الاعتبار في الرواية التاريخية لقبولها فإنه وبحسب هذا الشرط فإن هذه الرواية ضعيفة السند ولذلك هي مرفوضة عندنا. وكذلك أصحاب الرأي الثاني من مشهور المؤرخين يقولون بعدم قبول هذه الرواية لعدم اكتمال الشروط الثلاثة التي وضعوها لأنها تخدش مقام النبوة. ”أترى أنه من الإنصاف أن ينزل الوحي على نبي الله موسى بن عمران ليلا ولم يكن خائفا وينزل الوحي على من هو أفضل منه وهو النبي ص نهارا أو ليلا ويعود إلى داره خائفا !!!“. ثم إن ورقة بن نوفل هو شخصية محل خلاف بين العلماء والمؤرخين، فهل هو شخصية حقيقية أم وهمية؟ فلا يمكن أن يُعقل من شخصية هي في المقام الخلقي الأول أن تكون خائفة وهي الشخصية التي كانت تتعبد الله تعالى في الغار. الرسول كان يتعبد الله على شريعته هو لأن شريعته هي أفضل الشرائع ولم يكن يتعبد الله عز وجل كما ينص على ذلك السيد عبدالله شبر في كتابه (حق اليقين) على أي شريعة من الشرائع، لا الشريعة الابراهيمية ولا غيرها. بل كان يتعبد الله على شريعته هو، بل كان رسول الله محمد ينتظر نزول الوحي، وهذا ما قام عليه الدليل ولم يكن خائفا أبد.

المثال الثاني: قالوا في التاريخ إن رسول ص مر على جماعة وهم يؤبرون النخل ”أي يُلقحونه“ فقال لهم: لا تؤبروا النخل واتركوه. وهذه رواية تاريخية ولكن كلا الرأيين لم يقبل لها وذلك بعد إخضاعها لمشرح البحث العلمي حسب المنهج المتبع. فالمنهج الأول لا يرى فيها الاعتبار والمنهج الثاني يقول أن الرواية تتصادم مع أصل من أصول الإمامة وهي العصمة وذلك لأن الرواية تبين أن الرسول ص كان جاهلا بالأصول والحقائق العلمية وهذا لا يمكنه في شخصية المعصوم.

المثال الثالث: ذكروا في التأريخ أن آمنة بنت وهب كانت ترضع رسول الله ص وبعد فترة من الزمن امتنع الرسول عن الرضاع، فأرسل عبدالمطلب (بناءً على رأي السيد ابن شهرآشوب المازندراني – صاحب كتاب المناقب) أرسل على حليمة السعدية أن تأتي من بلاد الطائف، من أجل أن ترضع رسول الله. تقول حليمة: فخرجت من الطائف وأنا على أتان ”الأتان هي أنثى الحمار“ وكان عندنا شارف ”وهي الناقة المرتفعة“ وكان على صدري ولدي وكان ثديي لا يدر لبنا ولما أن وصلنا إلى مكة أعطاني عبدالمطلب حفيده محمدا وعندما وضعته على صدري درَ صدري لبنا، فارتوى فأخذتُ ولدي وارتوى وقام زوجي إلى الشارف ”التي وبحسب الرواية كانت لا ينزل منها لبنا ولا حليبا“ وإذا بها قد درت لبنا أيضا. فقال لي زوجي: لقد صبنا شيئا مباركا يا حليمة. وبتنا تلك الليلة في مكة وفي اليوم الثاني أخذتُ محمد معي إلى الطائف لما صعدتُ على أتاني ومحمد على يدي وإذا بالأتان صارت تتخطى الركب مسرعة فقالت النسوة: يا حليمة أهذه أتانك!!! فقالت: كيف لا تتخطى الركب وعلى ظهرها محمد بن عبدالله ؟!
والآن لنرى تطبيق المناهج العلمية على هذه الرواية: فالسيد الخوئي رحمه الله لا يقبل الروايات التي تقول أن حليمة السعدية كانت مرضعة للنبي ص لأنها يراها أنها روايات غير معتبرة. أما المشهور بين المؤرخين يقولون أن الدليل قد قام على أن حليمة السعدية كانت مرضعة للنبي ص. فهذه الرواية موجود في مصدر معتمد عند علماء التأريخ – ومعلومٌ نسبة ذلك المصدر لصاحبه – وهذه الرواية لا تقدح مقام النبوة ولا الإمامة ولا مقام رسول الله ص. فإن قٌلت كيف لا يقدح مقام النبي ص وحليمة السعدية لم تكن مؤمنة أصلا !؟ الجواب: من قال أصلا أنها لم تكن مؤمنة فهي كما أثبت بعض الباحثين والمحققين أنها كانت تتعبد الله على الديانة الإبراهيمية وهذا أولا. ثانيا هناك قانون لابد أن يُلتفت إليه إنما يكون اللبن مؤثر إذا كان المتأثر أضعف أما إذا كان المتأثر أقوى فلن يؤثر فيه شيء. فمن أثر على الآخر، رسول الله ص أم حليمة ؟

إذا أيها الأحبة… يجب أن يُلتفت جيدا إلى هذه المناهج العلمية التي من خلالها نتعامل مع الروايات التاريخية وأن نُحاول أن نرفع من مستوى الثقافة العامة حول هذا الموضوع، فلا نقع في العناد ولا الجهل وهو المعول على الشباب والبنات أن يرتقوا بفكرهم و بوعيهم وطريقتهم في التعامل مع روايات أهل البيت ع خصوصا روايات كربلاء.

اللجنة الإعلامية بالحُسينية العلوية ببلدة الجبيل في الأحساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى