منبر بشائر

التاريخ والنسيان.. (الرموز المنسيون..جريمة من؟)

تقرير المحاضرة: عبد المنعم الحليمي

الشيخ عبد الجليل البن سعد ٣ محرم ١٤٤٥ هج

مقدمة:
قال تعالى(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).سورة الصف.آية٨

_ يتمحور البحث حول التاريخ والنسيان ، والتاريخ حمل الكثير من المفارقات الصعبة التي لا يمكن تجاوزها لارتباط الحاضر بالماضي فالحاضر هو الارض التي نقيم عليها والتاريخ(الماضي) يمثل الخيمة فوق تلك الأرض، فالتاريخ يظللنا ويضللنا في ذات الوقت، ولذا لابد من الإلتفات لمفارقاته..

ومن مفارقات التاريخ الصعبة أن يحمل جانبين مشرق ومظلم، ويحمل صورتين صورة حدائق تحفل بما هو جذاب ولافت ويضع فيها من يريد وصورة مقابر طمرت فيها الكثير من الشخصيات التي لم يكن ينبغي أن تطمر…

والغريب مع التاريخ عندما تنبش مقابره تجد أن من طمرهم التاريخ في مقابره أكثر عددا وأهم بمراتب ممن هم في الحدائق التاريخية..

 المحور الأول: طبقات ممن نسيهم التاريخ..!!
عند الحديث عمن نسيهم التاريخي ولمعرفة أين وصل الظلم التاريخي ، تارة تتحدث عن أفراد وأخرى عن طبقات متنوعة استطاع التاريخ طمرهم ونسيانهم وطيت صفحاتهم.
ومن نماذج تلك الطبقات المنسيه تاريخيا.:

١- طبقات الأنبياء والمرسلين.
الأنبياء والمرسلون في عددهم كثيرون والمعروف منهم قليل، حيث لازال الكثير من أولئك الأنبياء لا معالم له.
غير أن البعض من ذوي السطحية في الفهم ، قد يتعامل مع قوله تعالى: { مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ }. برؤية ساذجة فيعتبر هذه الآية تشير الى ان الله تعالى ذكره أراد لمن لم يذكرهم من الأنبياء ان يبقوا تحت غطاء السرية والكتمان.!!
‏معالجة هذه الوهم:

١ أن النبوة لايمكن أن تكون سرية وهي الظاهرة بنفسها المظهرة لغيرها، بل إن فائدة النبوة تذهب مع السرية..
نعم ‏ السرية قد تعبر عن مرحلة من مراحل الدعوة النبوية كتهميد وتهيؤة للعلنية، بمعنى ان السرية بداية خطة ومخطط نبوي ولكن لا يمكن ان تنتهي النبوة بالسرية..

٢ نسيان الانبياء يعبر عن مشكلة تتصل بالأمانة التاريخية عند الأمم البشرية.. فهناك اختبارات حقيقية تتصل بالفرد والأمة. ومنها اختبار الأمانة.. وحتى الإمام الحسين.ع. فهو ضحية أمة لا أمانة لها..

٣ هل نسيان الأنبياء له مبرر تاريخي؟
جل الأمم تعيش النفرة والعناد مع أنبيائها.. فلذا لاتخلدهم ولا تشيد ذكرهم ..
وبقاء نصيب من الذاكرة التاريخية لبعض الأنبياء، يحدث عندما يكون في وطن وبيئة حاضنة تتوارث التدين جيلا بعد جيل وتحتفي به وتشيده، مثل هجر وقصباتها حيث ان العلماء منذ القديم كالسيد اليزدي وغيره يوصون بقبر لنبي في القطيف.

٢- طبقة الأبطال الإسلاميين( الحمدانيين ).!!
هذه الطبقة وهم الحمدانيون من الأبطال الإسلاميين الذين كاد أن ينساهم التاريخ وهم طبقة ارتبط بها مصير الأمة، وهؤلاء الأبطال الحمدانيون كثير من شبابنا لم يقرأ عنهم ولا يعرف أنهم هم أول من التفت الى ان أوروبا بدأت ترفع رأسها النائم، والحمدانيون من أوائل من اكتشفوا بوادر اليقظة الأوروبية الهادفة الى غزو العالم الإسلامي من خلال الحروب البيزنطية، وقد أرادوا التصدي لها لولا هجمة السلاجقة وقضاؤهم على الدولة الحمدانية.

٣- طبقة العلماء المنسيين والمغفلون:( السيد مهدي القزويني )..!!
‏_ هناك علماء رسموا بحياتهم مناهج ثقافية واجتماعية حيث أنهم لم يعيشوا لأنفسهم بل عاشوا للدين وعاشوا للانسان.

وتتجل المأساة مع هؤلاء الأعلام اذا عرفنا ان الواحد من هؤلاء الاعلام رغم كل مواهبه وملكاته وقابلياتربما لم يستطيع أن يلفت قومه والمعنين به ، ولكنه استطاع ان يلتف غير المعني به كالمستشرقين..

أليس من العجب العجاب أن يغفل المعنيون عن مثل السيد مهدي القزويني وتلتفت له مستشرقه تصفه تارة بأوصاف المسلمين وتعبر عنه بـ(الإمام)، وتارة بحسب خلفيتها المسيحية فتعبر عنه ب(المبشر)..!!

هذا السيد العجيب الذي عرف انه عريض الحجة سريعة البديهة قوي الخاطر، كتاباته في العلوم المختلفة أيقونات ..
‏هذا الرجل المعظم الذي اتبع الحق على يديه في يوم واحد قرابة عشرة آلاف في احدى القبائل.

٤- طبقة الحسينيون المغفولون.!

أ- الأنصار 🙁 يزيد النهشلي – يزيد العبدي – مارية العبدية).

ب- الخطباء:( الشيخ محمد علي اليعقوبي ).
الذي هو الأب الخطابي لمثل الشيخ الوائلي ويفخر الشيخ الوائلي بتلك الابوة، هذه الأب الخطابي الذي بعثت اليه المرجعية تطلبه لإحتياج النجف اليه ولم يكن من منجزاته الا مثل الشيخ الوائلي لكفى..

■المحور الثاني: عوامل نسيان التاريخ..

الذاكرة التي تتعاطى بها الأمم مع الأمور منها ذاكرة باردة و ذاكرة حارة وساخنة، والذاكرة تكتسب سخونتها من أساليب عدة منها:
(المبالغة الحسنة الايجابية والهادفة )

● نموذج:
المبالغة في الاهتمام
وساضرب مثلا تاريخيا للمبالغة في عمل اجرائي قبل مئات السنين ولكنها مكنت الدارسين من اكتشاف حضارة كاملة فيما بعد وذلك لأنها حفظت في الذاكرة التاريخية.

العصر المملوكي يمثل حداثة ذلك العصر، والحرية مفتوحة أبوابها والمرأة وصلت الى درجة من الحرية لم تصل اليه في وقت آخر.. في هذا العصر المملوكي يقول الدراسون أن معدلات الطلاق بلغت فيه مستوى مرتفع جدا وخيالي، مما اضطرهم الى بناء دور للمطلقات، والذي مهد لدراسة ذلك العصر ان المعنين كانوا حريصين على توثيق عقود النكاح والطلاق.. وخضعت للدراسة مع الاسف من قبل المستشرقين..
وللتفصيل يمكن قراءة ومراجعة كتاب مهم ( الزواج والمال والطلاق في المجتمع الاسلامي في العصور الوسطى.يوسف رابوبورت.تحقيق احمد العدوي).

_ ومما امتاز به الشيعة هو المبالغة الهادفة في ذكر أهل البيت عليهم السلام، وقد التفت لذلك الكاتب صلاح الدين العامري في كتابه(صناعة الذاكرة في التراث الشيعي الاثني عشري)، حيث ذكر ان الشيعة من أذكى الطوائف حيث صنعت لها ذاكرة مكانية وهي الأضرحة، وصنعت لها ذاكرة خطابية_ منبرية_ ، ولكن العامري أغفل الذاكرة الأدبية.

المحور الثالث: أخطر منعطفات النسيان التاريخي.

البعض يظن أن كتابة التاريخ هي تجميع وكتابة لا تعتمد على أسس، ولكن الرواية التاريخية ومنذ القدم تعتمد أساسين هما:

أ – السرد القصصي.
ب – السرد التاريخي.

_ ما هو الفرق بين السرد القصصي والسرد التاريخي؟
بول ريكور يفرق بينهم. وسيتبين كيف أن الشيعة سابقين على ريكور في التفريق بين السرد القصصي والتاريخي.

فالسرد القصصي: هو السرد الذي يعطي رؤية ككتلة عامة بلا تفصيلات..
فالقصة تاخذ بداية ونهايةوالخط الذي يربط البداية بالنهاية وهكذا.

أما السرد التاريخي: فهو المشتمل على

ـ الوثائقية والأرشفة، والمساءلة التاريخية.

ـ من يروي فيه عن الأسلاف يكون ناظرا للأخلاف.
ـالتحقيب التاريخي..

● الشيعة والمزاوجة بين السرد التاريخي والقصصي.

البعض ممن يتهم الشيعة بالتناقض في مثل تعاطيهم مع مسار المسلمين الأوائل اذ يراهم يمجدون منجزاتهم ونشرهم للإسلام عبر التقدم العلمي والادبي ونشر الاسلام في الفتوحات من جهة، ولكن مع ذلك يرى ان الشيعة تتحفظ على الفتوحات في أن جزءا منها كانت لأغراض دنيوية، فكيف يعالج الشيعة تناقضهم هذا..؟!!

والجواب: أن الشيعة عند الحديث بالسرد القصصي يأخذون بالمجمل ولايقفون عند التفاصيل، وإذا اخذت المسألة بالسرد التاريخي فهنا تخضع للمسائلة التاريخية..

_والبعض الآخر يتحدث عن تاريخ الحوزة العلمية بالأسلوب القصصي فيقول: (ليس في الحوزة اهتمام بالقرآن الكريم وتفسيره)..!!

ولكن عند دراسة الموضوع بالمسلك التاريخي والوثائقي وتستعين بمثل الاغا بزرك الطهراني في كتابه القيم(الذريعة الى تصانيف الشيعة)، ترى أنه لايوجد عصر وحقبة زمنية الا وكتبت فيها التفاسير الكثيرة من قبل أعلام الشيعة..

‏ بل إن المرجع الكبير السيد محسن الحكيم.رض.في كتابه(حقائق الأصول) نقل صورة لامعة دقيقة عن الدرس التفسيري لدى أعلام الإمامية حيث نقل عن استاذ المحدث النوري واستاذ السيد حسن الصدر، أنه اعطى درسا تفسيريا في آية واحدة مدة ثلاثين يوما وبثلاثين وجها ومعنى بلا أي تشابه بين الوجوه التفسيرية التي قدمها..

● رسالة إلى القائمين في العتبة الحسينية.. بضرورة الاعتناء وإخراج وطباعة مصنفات الشيعة في التفسير فإنها كثيرة و كفيلة بدحض التهم، فلتطبع وتقدم بين يدي العالم الإسلامي ليعرف مهارات الشيعة في التفسير وعلوم القرآن..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى