أقلام

لاحظ وشوف يا..

أمير الصالح

في بداية الثمانينات ردد بعض أبناء الخليج كلمات أغنية شنف مسامعنا بها يومذاك، المطرب الشهير عبد الكريم عبد القادر، وكان مطلعها الكلمات التالية: “أحسب الجيات …..كم مرة أجي ….لا حظ وشوف ….يا منيتي ….”، لم القي للاغنية حينذاك أي بال، ولكني لاحظت حديثا وشاهدت تبدلا في المواقف لدى البعض بشكل غريب و مفاجئ، وانقلابات في السلوك وتلونا في المزاجات، وتوظيف آيات قرآنية وتكييف أحداث تاريخية مزاجيا، فقفزت كلمات الأغنية المشار إليها من ذاكرتي دونما استئذان، فعنونت بها المقال.
عند سماعي لكلمات الأغنية قبل خمسة و أربعين عاما تقريبا، لم يكن لدي خزينة مشاهدات اجتماعية أو فكرية كثيرة في مجال السلوكيات المضطربة، لذلك لم يكن لها أي وقع يومذاك. الآن أضحت الصور والمشاهد والعبر والمواقف المرصودة متعددة، سأورد بعض أشكالها هنا.

موقف ١:

قبل خمس سنوات تقريبا، خرج شخص من بيت أحد أقاربه غاضبا و معلنا مقاطعته لقريبه، بعد نعت أحد الحضور في مجلس ابن عمه في عرض حديث فلسفي بأن “الإنسان يُعرف بأنه حيوان ناطق”، واليوم ذات الشخص الغاضب يومذاك يُغرد في أحد “القروبات” بصورة له وهو يحتضن حيوان الكلب، كاتبا على الصورة تعليقا مفاده بأنه يحتضن ابن أحد أقاربه من مملكة الحيوانات، وكانت التغريدة ملاطفة صادرة منه موجهة لأحد السيدات اللاتي يؤمن بالنظرية الدروانية التطورية وليظهر للفتاة قناعته بأن الإنسان يشترك مع الحيوانات في أصل العرق الحيواني وأنه دارويني الهوى!!. يا الطيب، وابن عمك الآدمي الذي قاطعت دخول بيته أو الدخول بداره قبل عدة سنوات، ايش آخر علمك به؟!

موقف ٢:

كانت تبذل جهودا لحضور المحاضرات الفكرية والعلمية والتربوية، حتى أنها أجادت حفظ بعض السور الطوال والأدعية المميزة والأناشيد المحببة للمحيطين بها وأسماء عناوين الكتب المشهورة وأسماء المؤلفين البارزين يومذاك والقواعد المنطقية؛ وبذكائها العاطفي أبهرت أحد الرجال الوسيمين من ذات النادي الفكري. وأصبح ذاك الرجل بعلا لها لاحقا. بعد سنين من الزواج وإنجاب عدة أبناء، استطاعت تلك الفتاة إكمال دراستها والالتحاق بسوق العمل، ثم تمردت تلك المرأة على زوجها وحدث الانفصال منه وكونت شلة نسائية ضمت بعض المطلقات من المستقلين ماليا والساخطين على تاريخ علاقتهم بطلقاءهم. واستمطرت تلك المرأة العداء مع زوجها بأن صبت جام غضبها على كل المكونات الفكرية المشتركة معه، والتي كانت في يوم ما تشترك مع زوجها في الاقتناع والإيمان بها و الدعوة لها. لا بل أخذت تتمادى في الطنز و التهكم والسخرية من خلال منصات التويتر والفيس بوك على كل المبادئ العقدية والفكرية لمنظومة مجتمعها والتربص به نكاية وتحد. يا الطيبة والقناعات والإيمان ودرجات اليقين وعدم الشخصنة والآداب واحترام عقائد الآخرين، وين طارت كل هذه المفاهيم؟!

موقف ٣:

ليل ونهار، ينادي كل من التيار اليميني و التيار اليساري في المجتمع إلى الاحتفاء بالكفاءات الوطنية الاجتماعية و الاكاديمية والتطوعية والخيرية وأهل المبادرات وإعطاءها كامل الفرصة والحفاوة والمكانة للمشاركة في صنع الثقافة الإنتاجية و الإبداعية بالمجتمع. والملاحظ أن هناك عدة أشخاص ظلوا لعدة سنوات يتفانون ويكتبون بإبداع في مجالات عدة تخدم عملية النهوض بالوحدة الاجتماعية والابتعاد عما يُكدر صفو المجتمع، ويحثون على توجيه طاقات المجتمع لما يفرز قيمة نوعية أو مضافة على مستوى الوطن و الأمة. لم يبالي أو يشد أزرهم أي أحد من المجتمع لاسيما قيادات تيارات التطرف اليميني أو اليساري لكونهم، أي المبدعون، مستقلون ووسطيو التوجه فكرا وممارسة وإيمانا، وينأون بأنفسهم عن التوظيفات المختلفة. وبمجرد أن يورد ذاك الكاتب أو هذا مفردة قد يستوحى منها وجوب التنازل المتبادل من رواد اليمين أو اليسار لكي يخلقوا وضعا يخدم المنظومة الاجتماعية والوطنية الواحدة، تزدادت ضراوة الإقصاء لهم دونما هوادة. وقد يصل الوضع لاتهام المستقلين بما ليس فيهم لتسقيط ونبذ ومسح الأصداء وإخفاء الحقائق. يا الطيبين، أين الموضوعية والمناداة بالرأي والرأي الآخر والانفتاح على أبناء الطيف الاجتماعي أو الوطني؟!. المضحك المبكي إذا أتى من يُكرم ذاك المبدع من خارج مجتمعه، أو بعد رحيله تسجل أذراف دموع التماسيح من بعض المكونات البشرية اليمينية أو اليسارية و التي نالت من جهوده في أثناء وجوده بالمجتمع أو قبل رحيله لربه! أو التغني ليلا و نهارا ورفع يافطات بأن ذاك المبدع منا ومن اهلنا! يا الطيبين، احترموا عقولنا واحفظوا ماء وجوهكم ولتسأل وين كانت جهود لجان الحفاوة بالمبدعين قبل ذاك ؟!

ختاما “لاحظ وشوف يا” أخي القارئ بأن تبدل الأفكار والمواقف والشقلبات المتعددة في حياة البعض تحدث وستحدث في حياة الكثير من الناس بناء على عدة عوامل :
– تبدل المصالح
– تطويع الدين لغلبة كفة على كفة
– استخدام الايديولوجيات كمطية
– العبادة على حرف/القناعات الهشة
– كثرة المغالطات المنطقية
– الانتقام بالضرب فيما يثير استفزاز المجتمع
– إذكاء الصراعات من قبل البعض وانخراط الآخرين لانعدام البصر والبصيرة
هذا والكثير من العلل الأخرى، إلا أنني أقتصر على ما ذكرت.

اجتماعيًا، يجب ألا نغرق في كل شاردة وواردة من الشقلبات الفردية الفكرية لهذا أو ذاك، ولا أن نلزم الآخرين بأفكار معينة ولا أن نضيق أفق الاحتواء للعناوين الكبرى لتشمل الجميع. وأستدعي وإياكم ضرورة تحديد البوصلة الاجتماعية والحث على عدم الانزلاق في أي مهاترات أو مماحكات أو تمزقات مستنزفة واستثمار الطاقات الإيجابية واستنطاق الأدمغة المبدعة والعمل بين جميع التيارات والأطراف لإيجاد واقع أكثر إشراقا لنا ولابناء الأجيال اللاحقة، و إيجاد قيمة مرموقة لنا بين أبناء المجتمعات الأخرى داخل الوطن والعالم دونما خوف من أحد أو استنقاص لأحد أو إثارة حفيظة أحد.
و سنستمر وإياكم نلاحظ ونشوف يا أحبتي علنا، نوفق بالكلمة الطيبة أو العمل الصالح أو المبادرة الهادفة لخلق أجواء أكثر أريحية وانتاجية وتلاحم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى