أقلام

السيد هاشم العلي (الكبير) أبو العلماء (الجزء الثاني)

سبق وعرضنا في الجزء الأول شيئاً من سيرة الورع السيد هاشم بن السيد العلي (الكبير). وفي الجزء الثاني, سوف نعرض لبعض المشاهد المضيئة في حياته, وما تحمله من دروس وعبر على مدى العصور. وهذه عينة من تلك الذكريات الهاشمية.


المشهد الأول
نقل لنا سماحة السيد حسين نجل المقدس السيد محمد العلي هذا المشهد المؤثر والذي جرى  في جوار الإمام الرضا (عليه السلام) في إيران. يقول  :
كان العم السيد هاشم (رحمه الله) في بعض أسفاره متشـرفاً بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام). وكانت أعداد الزوار الأحسائيين في تلك السنة كبيرة جداً. ولقد هُيِّئ للسيد مكان في صحن الإمام ليقوم بإمامة الجماعة. وكانت جموع المصلين خلفه من الزوار الأحسائيين كبيرة. كما عين له حراسة خاصة من قبل الحضـرة الشـريفة. وكان ذلك المشهد ملفتاً للزوار العجم. وكانوا يتعجبون من كثرة المصلين خلف هذا السيد الضعيف البدن, والذي لم يكن معمما ، سوى غترة خضـراء متواضعة. وكانت تلك الجماعة وذلك الإجلال لهذا السيد ولهذا العالم الجليل مفخرة للجميع وحدثاً فريداً, ومشوقاً لجميع الزوار في ذلك العام. (انتهى).
المشهد الثاني
وهذا موقفٌ آخر ينم عن قلب اشرأبت فيه الرحمة والعطف على المخلوقات جميعاً. نقله لنا الأخ الفاضل الحاج أحمد بن سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني (وفقه الله). يقول  :
كان سماحة السيد هاشم العلي (الكبير) يُـشرِّفُ مجلس (الوالد) الشيخ عبدالكريم بن الحاج عليٍّ البحراني في كل ليلة جمعة بعد صلاة العشاء. وبعد تناول طعام العشاء كان السيد يلقي بعض الإرشادات والمواعظ الروحية. وعرف السيد (رضوان الله عليه) بحبه وعشقه لأهل البيت (عليهم السلام). ويحرص على بيان حقهم، كاشفاً عن مدى ما تعرضوا له من ظلم وحيف. وفي إحدى الليالي، وكانت ليلة جمعة، وعندما همَّ السيد بالمغادرة, ذهبتُ مرافقاً لسماحته حاملاً أمامه (التريك), لإنارة الطريق ولمساعدته ليصل إلى بيته بسلام. لأن الطرقَ في ذلك الزمان لم تكن مضاءة. وعند المفترق، شرقي مسجد اليوسفي, وقرب بيت المقدس السيد حسين السيد هاشم العلي (القاضي)، شاهدنا دابة (حمارة) ملقاة على الأرض، وهي لا تتحرك.
فقلت للسيد : هذه حمارة ميتة  !
فأجابَ سماحة السيد (رحمة الله) : لا… هذه الدابة ليست ميتة، وإنما هي منهكة. وهذا من تأثير الجوع. وإذا تُركت هنا على قارعة الطريق، وبهذا الضعف فسوفَ تنهشها الكلاب ليلاً.
فما كان منه (رحمه الله) إلاَّ أن ذهب إلى بيته في فريج السدرة، وكنت مرافقاً له، وحملنا التمر والماء. وعندها قام سماحته بإطعام تلك البهيمة بيده الشريفة. وبعد فترة من الوقت، استعادت تلك البهيمة نشاطها، واستطاعت الوقوف والمشـي باتجاه الشمال، ويحتمل أنها اتجهت إلى بيت مالكها.[1] انتهى حديث الأخ الفاضل أحمد بن الشيخ عبدالكريم البحراني.
وهذا الموقف يذكرنا بما يمليه علينا ديننا الحنيف بالرأفة بالحيوانات، فما بالكم بإخواننا في الدين والإنسانية. إنه أحد الشخصيات النادرة، والتي تركت أثراً في النفوس والأرواح.
المشهد الثالث
وهذه تجربة علاجية مع السيد هاشم العلي الكبير, وثقها لنا بقلمه الدكتور طاهر بن الحاج حسين البحراني (وفقه الله).[2] يقول :
ومن الذين ألفتهم في حي الشعبة بالمبرز, سماحة السيد هاشم السيد محمد السلمان (والد سماحة السيد طاهر السمان, من علماء الدين المعاصرين). ويعرف بالسيد هاشم الكبير, ليميزَ عن السيد هاشم بن السيد حسين العلي (والد السيد محمدعلي) .وكان السيد هاشم الكبير ذا هيبة و وقار. وإذا مشى في سكك المبرز وخاصة الطريق الذي يسلكه دائما من بيته إلى المسجد الجامع. ويعرف هذا المسجد بالمسجد الجبلي (القبلي) لوقوعه في جهة الغرب من المبرز.
وإذا سار في الطريق تجد الناس يفسحون له الطريق, أو يقفون احتراماً له حتى يجتاز. وهم يلقون عليه التحية والسلام. ويرد عليهم دون أن يصافحوه هيبة له. معتدل القامة، سوياً منتصب الظهر. لم يعتمد على عكاز حتى أخر حياته. وجهه أبيض مشـربٌ بالحمرة, ولحيته لم تكن كثيفة, أو طويلة. وكان الشيب قد طغى عليها. يلبس الثياب القطنية الخفيفة والقصيرة نوعاً ما إلى حد الكعب.
يرتدي غترة الشماغ الزرقاء الرمادية. والتي كانت في ذلك الوقت علامة مميزة لمن ينتهي نسبهم إلى رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم). فكان ارتداء هذه الغترة مقتصـراً على السادة فقط دون غيرهم. وكان السيد (رحمه الله) يرتدي عباءة خشنة (نوعاً ما). وإذا سار في الطريق يسير وهو مطأطئ الرأس, لا يلتفت يمينناً ولا شمالاً. ويقع بيت خالي الحاج حسين البحراني (العراقي) على الطريق الذي يجتازه السيد في ذهابه وعودته من المسجد, فكنت ألاحظه دوماً.
ويكمل د. طاهر البحراني ذكرياته :
كان أيضا يصلي الظهرين متأخراً. أي يصلي الظهر والعصـر معاً في وقت صلاة العصـر, في حوالي الساعة الثالثة أو الثالثة والنصف عصـراً. وأنا لا أعلم السبب وراء ذلك. هل لشدة حرارة الشمس. وهو لا يريد أن يشق على المصلين, وينتظر حتى تذهب حدة الشمس وتنكسـر حرارتها. وحتى يتيح للضعفاء وكبار السن للخروج إلى المسجد, وحضور صلاة الجماعة. أو أن تأخيره للصلاة ليتيح الفرصة للكسبة والعمال والفلاحين والذين تنتهي أعمالهم في هذا الوقت, ليتمكنوا من حضور صلاة الجماعة. أو قد يكون هناك سببٌ أخر لا أعرفه.[3] وعموما فقد كانت صلاته طويلة نوعاً ما. وما ذكرته آنفاً من وصف وسرد تاريخي كان من خلال ما عاصرته وشاهدته, وأنا في المرحلة الدراسية المتوسطة والثانوية. ثم التحقت بكلية الطب  بجامعة الرياض (سابقاً), وتسمى جامعة الملك سعود حالياً, وبذلك طويت صفحة من حياتي وذكرياتي في المبرز.
وبعد سنوات تخرجت من كلية الطب, وعدت إلى الأحساء, وعملتُ في مستشفى الملك فيصل, أو ما يسمى (بالمحجر).[4] وفي هذه الفترة لم ينقطع ترددي على المبرز. وكان يعمل في هذه المستشفى الأخ العزيز الحاج عبد اللطيف بن أحمد المهنا (أبو عبد المنعم). وأخبرني أن السيد هاشم السلمان (الكبير) مريض ويرقد في بيته. ويصعب عليه الذهاب إلى الطبيب. وطلب مني الذهاب إلى بيت السيد لأفحصه. وصحبني الأخ (أبو عبد المنعم) إلى منزله في حارة الشعبة. وفي نهاية سكة تسمى بالسبع الملفات. وذلك لوجود سبع انحناءات في هذه السكة, أي أنها غير مستقيمة. وهي ضيقه, حيث تستدعي منك الحذر, عندما تسير فيها حتى لا تصطدم بالقادمين من الجهة الأخرى (أي على الداخلين الانتباه للخارجين). كان الوقت بعد صلاة المغرب, وقد حل الظلام, ولا توجد فوانيس أو مصابيح كهربائية تضيء السكك آنذاك. وكانت المنطقة موحشة لي, حيث الظلام والسكون والطريق المتعرج, لولا صحبة (أبي عبد المنعم) والتي أذهبت عني الوحشة.
وأخيراً وصلنا إلى المنزل, وطرقنا الباب. فخرج لنا رجلٌ لم أتبين ملامحه من الظلام. وعرفني (أبو عبد المنعم) له. وأخبرناه بأنني قد قدمت لفحص ومعالجة السيد هاشم. فرحب بنا وأمهلنا قليلاً حتى يهيئ الطريق. فما لبث غير قليل, حتى جاء وهو يحمل سراجاً يعمل (بالجازولين) لينير طريقنا داخل البيت. ودخلنا في دهليز مظلم, ولولا النور الخافت الذي كان ينبعث من هذا السراج الضعيف, لم أكن أستطيع أن أتبين طبيعة وتقسيمات هذا المنزل. ولكنه كان من الطين, وذو مستويات أرضيه مختلفة الارتفاع والانخفاض. وبعض مداخل الغرف كان منخفضا, بحيث يتحتم عليك أن تنحني برأسك حتى تدخل. عندها دخلنا إلى حجرة أو فناء مفتوح ليس له باب ولكنه مسقوف, وكان هناك فِراش أو فراشين على الأرض, على أحدهما كان ينام شخصاً, وهو يئن من الألم, ولم أستطيع أن أميز ملامحه من الظلام, فلما اقتربنا منه, وقرب السراج من وجهه, تبين أنه السيد هاشم. فسلمنا عليه, فرد علينا السلام. وأخبرته إني أتيت لفحصه ومعالجته. وسألته ممَّ تشتكي !
فأشار إلى صدغه، وهي منطقة بين العين والأذن في الجهة العلوية. وهي إحدى جانبي الجبهة قريبة من الحاجب. ولبست قفازات على يدي لأفحص السيد. وقربتُ السـراج لأستطلع هذه المنطقة. فراعني ما وجدت. حيث وجدت حفرة عميقة في هذه المنطقة, نتيجة لتآكل لحم صدغه, وقد امتلأت بالصديد والقيح. وتنبعث منها رائحة. واندهشت عندما رأيت هذه الحفرة, وقد تحولت إلى عش ممتلئ بالديدان الصغيرة, تتصارع فيما بينها على أكل ما أتلفته من لحم صدغه.
وطلبنا منه إدخاله إلى المستشفى للعلاج, ولكنه امتنع امتناعاً شديداً. ولذا وعدناه أن نعود إليه مرة ثانية. ولنأتي له ببعض العلاج والأدوية. والتي يمكن أن نعالجه بها إن أمكن. فودعناه وخرجنا, وفي أثناء خروجنا من هذا الفناء, سمعنا شخصاً ينادينا, فاقتربنا منه. وإذا برجل أيضا ينام على فراش على الأرض, في فناء المنزل, تحت السماء. وعرفناه بأنفسنا, وعرفنا أنه سماحة السيد محسن ابن السيد هاشم. وكان يشتكي من مغص كلوي ومرض في الجهاز البولي. وبعد الاستفسار عن أعراض المرض, وعدناه أننا سنحضر له دواء في المرة القادمة.
خرجنا من المنزل, وقد صحبنا الرجل الذي كان قد استقبلنا إلى الباب, وهو يحمل السـراج. فودعناه وخرجنا من المنزل. وسألت الأخ (أبا عبدالمنعم) عن هذا الرجل, فقال : إنه السيد عبدالله بن السيد هاشم. وعدنا أدراجنا لنسلك نفس الطريق, حيث لا يوجد مخرج آخر من هذه السكة إلا هذا الطريق. لأن نهاية الطريق مغلقة (صكة سد).
عدنا إلى فريج السبع الملفات في الليلة التالية, لنصل إلى بيت السيد هاشم. ولكن استقبلنا هذه المرة سماحة السيد أحمد بن السيد هاشم. وبنفس الطريقة, صحبنا إلى والده السيد هاشم. وسلمنا عليه, ورد علينا السلام. وبدأتُ بتنظيف الجرح, واستخراج الدود الصغير بالملقط, ولكنها كانت كثيرة, وبعضها منغرس في اللحم, ويصعب إخراجها بهذه الطريقة, ولذل قررت أن أسكب ماء الأوكسجين (H2O2) في داخل الجرح. والذي كان مؤلماً جداً, ولكن من المدهش أنه قضى على جميع الديدان الصغيرة فماتت جميعا. وتم تنظيف الجرح منها. وتم إزالة القيح والصديد واللحم التالف. وعندما انتهيت من تعقيم الجرح، سكبت بداخله مسحوق المضاد الحيوي وتركنا الجرح مكشوفاً.
وفي الأخير, ودعنا السيد على أن نعود إليه ثانية في الليلة المقبلة, وفي أثناء خروجنا عرجنا على السيد محسن بن السيد هاشم العلي, وأعطيناه الدواء الذي أحضـرناه. ولقد تكررت زيارتنا للسيد هاشم في ليالي متعددة. حتى تم شفاء جرحه (قرحته) تماماً. فشكرنا أبناؤه كثيراً, وشكرنا السيد على ذلك. انتهى.
المشهد الرابع
وعن سماحته يحدثنا (حفيده) : سماحة السيد ضياء بن السيد محسن السلمان (وفقه الله). يقول : كنت صغيراً في فترة حياته (رحمه الله). ولكن سوف أنقل لكم (ما سمعته) ممن صاحبه وعرفه. يُنقلُ عنه (رحمه الله) حبه للفقراء وملازمته لهم.[5] وكان يقطع حديث الغيِبَة في محضـره, بالصلاة على محمد وآل محمد. حريصاً على تعمير مجالسه بذكر روايات أهل البيت (عليهم السلام). وكان يصلي صلاة الليل وحتى آخر عمره. وفي سنواته الأخيرة، عندما كبر في السن وضعف حاله، وُضِعَ له عامودٌ في بيته ليستند عليه, وليتمكن من أداء ورده قائمًا. وعلى الرغم من معرفته, بأن ما يقوم به الإنسان في شبابه يحسب له في مشيبه. وبأنه يجوز الإتيان بالنوافل جالساً. كما يحسب له (رحمه الله) توظيفه لأولاده كلهم (أو جُلِّهم) في طلب العلم والحث عليه.
وينقل عنه هذه المقولة : (ما أنتم فيه من فقر، خير لكم مما أقبل عليكم). موجهاً حديثه للمجتمع. وذلك في فترة الطفرة الاقتصادية وإقبال الناس على الدنيا.[6] وكان (رحمه الله) حريصاً على حفظ النعمة (أي الرز, الخبز الملقاة في الطريق). فيأمر من معه على رفعها عن الأرض وجمعها. وأحياناً, يقوم بجمعها بيده المباركة, ويدفعها لمن لديهم طيور أو أنعام.
المشهد الخامس
وأشار (خادم الحسين في هجر) إلى نقاط مهمة, تكشفُ لنا جوانب مهمة في شخصية هذا السيد الورع وعن عبادته وتهجده. ويشهد بذلك والدي. يقول : كنا جيرانه حيث يحدُ بيت السيد بجزء من الغرب, وجزء من الجنوب. وكان يُسمعُ بكاؤه في أثناء الصلاة والدعاء في جوف الليل.
وأدركنا تأخيره لصلاة الجماعة, وحتى يدرك العمال والفلاحون الصلاة في المسجد. وبذلك يحصل على ثواب هذه الشريحة من المجتمع. وأتذكر عندما كنا أطفالاً, حيث هبت ريحٌ صفراء, ثم تحولت إلى حمراء. وبعدها أعتم الكونُ. وكانت مصحوبة بتراب. فخرجَ السيد من بيته متجهاً للمسجد. كان ذلك في حوالي الساعة الرابعة عصــراً. وهو مرتبك في مشيته. ولحقَ به الناس. واعتلى المنبر, وكان يرتجف. مصفراً لونه. يفرك بيده على رمانة المنبر. باكياً في دعائه. ويسأل الله أن يرفع ما نزل بالناس ويحثهم على الاستغفار واجتناب المعاصي.[7]
ومن عاداته, البقاء على مصلاه في المسجد لأكثر من ساعة بعد صلاة العشاءين. ويستمعُ للخطيب الذي يقرأ, والذي في العادة بأمره. فكان يرسل المرحوم عباس المحمدعلي إلى الشيخ ملا داود الشهاب (الكعبي), ليقول له : أن السيد يقول لك: اقرأ بعد الصلاة في المسجد الكبير. ويستمر الشيخ داود في القراءة (أحياناً) لمدة ستة أشهر. ولا ينقطع حتى يرسل له السيد مبلغاً من المال له.
وكانت له عادة في شهر رمضان, حيث كان (رحمه الله) يقرأ الأدعية النهارية للشهر الكريم, في المسجد الجامع بأكملها وهي طويلة. ويتخللها القراءة الحسينية. حيث يبدأ السيد الدعاء : “هذا شهر رمضان, الذي أنزلت فيه القرآن، وهذا شهر الصيام، وهذا شهر الإنابة, وهذا شهر التوبة، وهذا شهر المغفرة والرحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة…. “, حتى نهاية الدعاء. بعدها يعتلي المنبر ملا ناصر الخميس للقراءة الحسينية. وبعدها, يواصل السيد الدعاء (سُبْحَانَ اللهِ بارِئِ النَّسَمِ, سُبْحَانَ اللهِ الُمصَوِّرِ, سُبْحَانَ اللهِ خالِقِ الأزْواجِ كُلِّها, سُبْحَانَ اللهِ جاعِلِ الظُّلُماتِ وَالنُّورِ, سُبْحَانَ اللهِ فالِقِ الْحَبِّ وَالنَّوى…). حتى النهاية.
ثم يعتلي المرحوم ملا ناصر بن راشد, ويقرأ مأتماً حسينياً آخر. ليرتاح السيد قليلاً, بعده يواصل حتى يكمل باقي الأدعية النهارية. وفي علمي,أن (السيد) انفردَ بذلك في تلك الفترة, والتي أدركناه فيها, فكان يقرأ الأدعية النهارية كلها مع طولها, وهو صائم ومع كبر سنه. لحرصه على العبادة في هذا الشهر الكريم, وكان يستمر حتى ساعة متأخرة من العصـر في المسجد الجامع.
وأدركنا الحسينية والتي أسسها سماحة السيد هاشم العلي بجوار بيته. وكانت في الجهة الشـرقية لبيت السيد (رحمه الله). وكان السيد يحرص على إحياء شعائر أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين), ومن الذين يقرؤون فيها الملا المرحوم ناصر الراشد. وفي يوم الوفاة يتقدم القراءة في النسخة (مثير الأحزان). ويقدم في هذا المجلس البركة. وفي مناسبات الوفيات أو الموالد, كان السيد هاشم يُرسل الحاج طاهر المبارك (رحمه الله) لإشعار الصاغة وأصحاب المحلات في حي الشعبة, لتذكيرهم بهذه المناسبة. وكنا نغلق المحلات ونذهب لنستمع للقارئ الحسيني ونتناول وجبة البركة. انتهى حديث خادم الحسين في هجر.
وبعد وفاة السيد هاشم العلي (رحمه الله), استمرت قراءة الأدعية النهارية في المسجد الجامع, وتحولت لعادة حسنة. فكان الفاضل السيد محمد بن المقدس السيد ناصر السلمان يقرؤها طوال شهر رمضان حتى سنوات ماضية.

[1] عدة لقاءات معه في مكتبه بسوق المبرز, وذلك خلال إعداد كتابنا (شذرات من حياة الشيخ عبدالكريم البحراني)

[2] د. طاهر بن حسين البحراني : استشاري وطبيب عيون مرموق. من أعيان أسرة البحراني. شارك في إدارة صندوق البحراني الخيري لعدة دورات. ولقد أطلق عليه آية الله الشيخ محمد بن سلمان الهاجري (قدس سره) لقب (فقيه الأطباء وطبيب الفقهاء). كما أن د. طاهر البحراني,  شاعر موهوب. لديه عدد كبير من القصائد المخطوطة. نتمنى أن يقدم على طباعة ديوانه حتى تحفظ لأنها جزء من تراث المجتمع.

[3] وفي الماضي تبدأ الناس أعمالها من بعد صلاة الفجر وحتى وقت الضحى (حوالي العاشرة). وبعدها يعودون لمنازلهم لأخذ قيلولة, ثم الغداء, وبعده التوجه للمسجد. وبعد صلاة الجماعة يعود الناس لأعمالهم, وتفتح الأسواق ويكمل العمال بقية يومهم حتى غروب الشمس.

[4] وسمي بالمحجر : لأنه قد استخدم (للحجر) على الحالات المصابة بالكوليرا, في تلك السنة التي انتشر فيها هذا الوباء في الأحساء. لأن مستشفى الهفوف الواقع بالقرب من عمارة السبيعي صغيراً, ولم يعد يستوعب تلك الحالات. وعملت في هذا المستشفى كطبيب عام, ثم في عيادة العيون, ثم مديراً للمستشفى. (إفادة من د. طاهر البحراني)

[5] ويعلق أحد سكان الحي, وهو في العقد السابع من عمره على سيرة السيد بقوله : كنت شاباً يافعا, في حدود الثانية عشر من عمري. وأتذكر أن والدي قد مرت عليه ضائقة مالية. فذهب إلى بيت السيد هاشم الكبير (وكنت مرافقاً له). وطرق الوالد الباب. وأجابه السيد. وقال والدي (أنا فلان). عندها مد السيد يده من خلف الباب, بمبلغ من المال (من العملة الفضية الفرانسـى). دون أن يرانا أو نراه. وأحتملُ أن هناك ترتيباً مسبقاً بينهما.

[6] لقاء معه في المسجد الجامع بالشعبة, 1433 هجري.

[7] خادم الحسين في هجر (ولقد عرفنا به في الجزء الأول), مصدر سابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى