أقلام

الإختلاف والفوضى الفكرية

أصبحنا مؤخراً منشغلين كثيراً بالاختلاف والخلاف في الفكر (الفوضى الفكرية)، حتى باتت الساحة حلبة ملاكمة، وهناك من يتحين الفرصة حتى يوجه ضربته القاضية لمن يختلف معه في فكره وخطابه.

وبدأت تشيع بمجتمعاتنا في الآونة الأخيرة ظاهرتي التمييز والتعصب، وشخصنة الخلافات. ونشأت على إثرها انقسامات داخلية، وصلت إلى قطع الأرحام، والفجور في الخصومة، مما أثر سلبا على صحة المجتمع فـ أضعفه وأمرضه. في حين أن الاختلاف في الرأي والتنوع في الأفكار مؤشر إيجابي لصحة المجتمع. حيث أن القوانين الاجتماعية والنصوص الإلهية أكدت على فوائد الاختلاف بين الأفراد، من أجل تنمية المجتمعات، وبنائها على أسس متينة.

على سبيل المثال الطبق الذي يحتوي على أكبر عدد من العناصر الغذائية المتنوعة سيكون أكثر فائدة لصحة الإنسان، وسيمد الجسم بطاقة أكبر وقوة أكثر، من الطبق ذي العنصر الغذائي الواحد.

كذلك المؤسسات والمشاريع التي تضم طاقم عمل لديه تنوع في المهارات والخبرات فإن هذا التنوع يكون مدعاة لنجاحها، فأصحاب التخصص الواحد لا يصنعون فريقا متكاملا.

ومن المؤثرات التي تحفز ظهور هذا التباين الفكري هي التجارب الشخصية، التي يعايشها الأفراد في كل مرحلة من مراحل حياتهم، وفي عدة نطاقات، وتهيّء بدورها لرسم خطوط سيرهم في هذه الحياة، وتحديد وجهاتهم المختلفة.

ومن المؤسف أن تتبخر الآمال في إضافة شيء ذي نفع للساحة بسبب الفوضى الفكرية، واستماتة كل طرف لإثبات صحة رأيه، ووسط هذه الفوضى قد ينسى الناس قيمهم الإنسانية، ويلقون خلف ظهورهم المشتركات التي تجمعهم كـ بشر، مثل السعي للوصول للأكمل والأفضل والتحضر والرقي. حيث أن المجتمعات الحضارية تنشأ بأفراد متحضرين أخلاقياً وفكرياً، قادرين على توظيف تباينهم واختلافهم في تطوير مجتمعاتهم.

ففي النهاية خلقنا الله بهذه التركيبة المتباينة لكي يضيف كل منا نكهته المميزة إلى محيطه، كما يجدر أن يصب كل ذلك الاختلاف والتمايز في مصب التناغم والتلاحم الاجتماعي.

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. سابقًا كانت فقط تنظير يدور بين النخبة من المجتمع .أما الان فقد انتقلت الى مرحلة التطبيق العملي في تبني تلك الأفكار بين أعضاء المجتمع ككل ، ونظرًا لغياب أو قل انعدم أفق الحوار المعرفي بين النخبة أولًا وانتشار لغة الصراخ والغلبة وكل فريق بما لديه فرحون .ودخول المجتمع الى المرحلة الجديدة في ظل الانتشار لوسائل التعبير عن الرأي التي لم تك -حرية التعبير والتفكير- موجودة سابقاً بل كانت من المحرمات في مجتمعنا .خلق هذا الجو المشحون بغياب الوعي والحوار المعرفي واشتغال آلة الفرقة التي يحملها للأسف بعض “النخبويين” من الطرفين في زيادة التجهيل الممنهج في نشر بين الترهلات في جسد المجتمع.
    دمتم سالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى