أقلام

ولو رُدوا لعادوا

م. أمير الصالح

آيات الكتاب المبين تورد جملة أحداث زمنية ماضية وتسجل أفعالا وسيرا وردود أفعال أقوام سابقين لمجريات الحياة، وتعرض كل ذلك على المؤمنين لأهداف متعددة، على رأسها ترسيخ روح العظة و إبقاء الضمير في الأنفس متيقظا لدى الإنسان المعاصر ولتنبيه المؤمنين من الغفلة أو الوقوع في تلكم الأخطاء المميتة. قطف ثمار الدروس المستفادة أو العبرة lesson learned والوقوف على نتائج التجارب، هي نماذج عمل تطبق في علوم الإدارة الحديثة لإحراز أكبر معدل للنمو والسمو، وهذا وربك لطريق الصالحين. إلا أن هناك بعض الآيات القرآنية التي تورد مشاهد مستقبلية عن يوم القيامة، وبعضها تصويري بكل التفاصيل، والناقل للأحداث المستقبلية هو مالك يوم القيامة، الله جل جلاله. صور القرآن لبعض الأحداث المستقبلية تهتز لها القلوب الحية والعقول المؤمنة بالآخرة وتجعل القلب وجلا، مترقبا وموقنا؛ ومنها ماورد في سورة الأنعام آية ٢٨ عن حال بعض الجاحدين للحق ونمطية سلوكهم وردودهم عند مواجهتهم بالحقيقة الدامغة والأدلة القاطعة في ساحة العدل الإلهي. فلك أن تتخيل إنكار أدلة اليقين من قبل الجاحدين للآخرة وهم في وضع المتلمس الواقعي المحسوس للعذاب والحساب ونعيم يوم الآخرة، والشاخص له ذاك أمام عينيه بعد حصد نتائج افعالهم في الحياة الدنيا (… بل بدا لهم ما كانوا يُخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه وإنهم لكاذبون) صدق الله العظيم.
هذه الآية الكريمة يُستنطق منها عدة حكم وعبر وأنماط تعامل يقينية مع بعض البشر، ومنها حقيقة أن بعض الأنفس الجاحدة والناكرة والمتمردة على الحق والمتنكرة للحقيقة حتى لو أضحت الحقيقة شاخصة أمام أبصارهم وضوح الشمس. في حالة إقامة الحجة الدامغة عليهم، قد يبادرون بالقسم والتعهد بالالتزام بالحق ولكنهم متى تعود لهم الكرة حتى يثبون على النواميس الإلهية ويعثون في الأرض فسادا من جديد. ديدن الكذب والمراوغة جزء لا يتجزأ من سلوكهم حتى لو ذُهب بهم إلى يوم الحساب ورأوا رأي العين أهوال يوم القيامة.
ولك أن تتخيل حجم مراوغتهم في الحياة الدنيا حيث يتعاملون مع أناس وبشر وليس مع رب البشر!!!

أتسأل عن السبب لهكذا تنكر مع قوة أصداء الفضيحة ومعرفة مكنون النفوس؟! هل الأسباب هي الانغماس التام بالغواية temptations أو عدم الاكتراث للنتائج أو كتم أي محاسبة للنفس على نمط ما يُسمى white collar crimes!

في حياتنا العامة العملية نتعامل، أنت وأنا وهم وهن، بأنماط بشرية مؤدلجة عديدة ومتعددة وغير مؤدلجة؛ يحدو الكثير من العقلاء الأمل في كثير من الأحيان والمناسبات على خلق نطاقات مشتركة للعمل والتعاون وإفراز لغة تفاهم مشتركة ننطلق معها لآفاق أرحب في الانجاز والاحترام المتبادل وتدعيم العيش السلمي الكريم والأمان النفسي وتفويت الفرص على الشيطان. إلا أن بعضا من الناس يصل بهم حد المشاكسات والعناد والاحتراب وإثارة المشاكل إلى حد القطيعة والدفع إلى إسقاط كل جسور التفاهم وتأجيج المشاكل بالتحريض. وبعض من أولئك الموغلين في المشاكل ينكرون الحق ويتنكرون لأهله حتى بعد إقامة الأدلة الدامغة عليهم وبلوغ الكلم الصالح مسامعهم. فيصاب الإنسان السوي النفس والتربية والأهداف بالذهول لما يستكشفه مع تقادم خبرته العملية والعلمية والإنسانية والاجتماعية بحقائق سلوكيات بعض الأنفس البشرية الجافة والجلفة والمشاكسة.

ولعل الآية القرانية الآنفة الذكر تؤكد حقيقة أن البعض انغمس في عالم السوء إلى درجة إنكار كل الحقائق والاستئناس بالنكران والإصرار على العودة إلى الفسق والرذيلة وإيذاء الصالحين كما كانوا يصنعون في أثناء حياتهم الدنيوية حتى لو ارتحل إلى عالم الآخرة. وهنا استشهد بسورة مريم الآية ٤٥، يورد الذكر الحكيم في قوله :(إني أخاف أن يمسسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا). صريح الآية الكريمة توثق بأن هناك بعض أناس يوالون الشيطان وعلى الإنسان الفطين والباحث عن النجاة استقراء سلوكيات وأساليب مقاربة أولياء الشيطان لكي يتفادى السقوط في حبالهم والنجاة من كيدهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى