أقلام

الطعن في معتقدات أحدهم الخاطئة صعب لأن أفكاره مصدرها الشبكات الاجتماعية لا الحقائق

بقلم لارا ميلمان

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

يعتقد معظم الناس أنهم اكتسبوا معتقداتهم بناءً على مستوى عالٍ من الموضوعية لكن النقاشات الأخيرة بين الناس حول قضايا مثل حقوق المتحولين جنسيًا أو التطعيمات أو قضية رو ضد وايد [المتعلقة بحق الإجهاض]تشير إلى حقيقة أخرى مختلفة.

خذ مثلًا قرار المحكمة العليا الأمريكية بإسقاط قضية رو ضد وايد هناك وفرة من الأدلة التي تثبت أن عمليات الإجهاض المتاحة والميسورة على نطاق واسع تؤدي إلى نتائج أكثر أمانًا للأطفال وللنساء الحوامل. علاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن حظر الإجهاض ليس فعالًا، بل ضار وخطير.  إذن، الالتزام بالحياة ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الرعاية الصحية الشاملة  للاتي قد يصبحن حوامل بما في ذلك عمليات الإجهاض. يبدو أن هناك خلافًا: إذ لا يملك الناس حججًا مستندةً على حقائق.

عالم فائق التخصصية

هناك سبب لضياع الحقائق بسرعة في الحجج الخلافية:  ليس لدى كل أحد موارد لفهم المشكلات الاجتماعية المعقدة بشكل أعمق.  هذا يرجع جزئيًا لأن العالم الذي نعيش فيه فائق التخصص، [المترجم: فائق التخصص هو تقسيم المهمة الواحدة إلى أجزاء أو مراحل ومن ثم توزيعها على عدد من المتخصصين كل حسب تخصصه – وهو ما يعرف بـ ‘تقسيم العمل]. هذا يعني أن جميع المعلومات الموثوقة تصدر بفضل الحقول والتخصصات الدراسية الواسعة والمترابطة فيما بينها قسَّم الناس العمل المعرفي بينهم cognitive labour [المترجم: ومنه العمل براتب كعمل الموظفين والعمل بدون راتب كعنل ربات البيوت] حتى يتمكنوا من أن يتعلموا / يعرفوا بشكل جماعي أكثر مما يمكنهم تعلمه / معرفته بشكل فردي.

على سبيل المثال، السلامة الكلية لهيكلية الجسرأو الأجزاء الداخلية للهاتف الخليوي هي أشياء نفهمها “نحن” معًا كمجموعة بشكل أفضل مما يفهمها فرد لوحده.

لكن ميزة المعرفة البشرية تعني سقوطًا بالنسبة لنا حين يتعلق الأمر بالإصرار على معتقدات خاطئة من المنظور الاجتماعي.

أثناء نقاش المشكلات الاجتماعية بين أولئك الذين لديهم آراء مختلفة، غالبًا ما ينتهي الأمر بأحدهم بالإصرار على أنه إذا كان الآخرون عقلانين ويستطيعون فهم الأدلة، فمن شأن ذلك أن يجعلهم  يغيرون آراءهم.

المعتقدات الخاطئة أو الإشكالية من الناحية الاجتماعية تنطوي على أفكار، كالأفكار العنصرية وكراهية النساء هذه الأفكار قد تؤدي إلى عواقب اجتماعية سلبية كبيرة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين ينتمون إلى مجتمعات مهمشة.

تنتشر المعتقدات الخاطئة، جزئيًا، بسبب الطبيعة الجماعية للمعرفة البشرية. كأفراد، لا يمكننا تقييم كل مشكلة على حدة لأنها تتطلب معرفة متخصصة. ليس ذلك فحسب ، بل يفضل الكثيرون التمسك بمعتقداتهم الخاصة.

البحث عن شخص جدير بالثقة

نظرًا لحجم المعلومات الهائل المتعلقة بأي قضية اجتماعية معينة، فقد طور الناس أساليب اختصارات عقلية – أو أساليب استدلالية – ليسترشدوا بها.  هذه الاختصارات لا علاقة لها بالأدلة ولكنها متعلقة، بنحو أكثر، بتقييم من يمكننا الوثوق به.

ربما من غير المستغرب أن يعتمد المدى الذي نجد فيه شخصًا جديرًا بالثقة على معايير مجتمعات اجتماعية.  نحن نرتبط بشكل طبيعي بالذين يشاطروننا قيمنا: فالعمليات النفسية تشجعنا على اكتساب قيمنا من مجتمعاتنا، وتجعلنا نميل إلى البحث عن أفراد يشابهوننا في التفكير.

مجتمعاتنا الاجتماعية تحدد لنا (تفرض علينا) بشكل جذري من نراه جديرًا بالثقة.  وتفرض علينا مواقفنا السياسية، وتحجب عنا الأدلة التي تعتبر مفيدة وتجعل تقييم معظم الناس لمدى توافق معتقداتهم مع ما يقوله الخبراء تقييمًا وسطيًا وفي الحدود المعقولة.

الموجودون بالفعل في مجتمعاتنا يبدو أنهم هم الأكثر معرفة – حتى لو لم يكن لديهم خبرة أو معرفة وحتى عندما يصرون على معتقداتهم الخاطئة.

على الرغم من أنه قد يبدو أن المعتقدات الصحيحة يمكن اكتسابها بسهولة ويسر، إلا أن الناس ليسوا بارعين تمامًا عندما يتعلق الأمر بمعرفة ما الصحيح (الذي يتوافق مع الحقائق)، كما أنهم غير مؤهلين لمعرفة من هم الخبراء المناسبون.

المعتقدات الإشكالية تتمادى في الاستمرار لأن ظروفنا النفسية والاجتماعية لا تضعنا في الموضع المناسب لتقييم القضايا والمشكلات.  هذا جزئيًا بسبب عدم تمكن الاستدلالت العقلية وحدها أن تغير آراء الناس ومعتقداتهم.

المعتقدات الإشكالية جذابة جدًا، لأنها سهلة.

من منظور شخص يعيش في مجتمع ملتزم بمعتقدات إشكالية من الناحية الاجتماعية، هناك دائمًا “أدلة أكثر جديرة بالثقة” من شخص يعرفه.

بدل الرضا عن المعتقدات المضللة، نحتاج إلى تحرك مؤسساتي لزرع الثقة بين الخبراء والناس.

ربما الأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى تعويز التزام مشترك باكتشاف الإنسانية في الآخرين. الاهتداء إلى اعتقاد إشكالي يعتبر أمرًا سهلًا، لكن بناء عالم أفضل يتطلب علاقات وتحالفات حقيقية بين المجتمعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى