أقلام

الحاج أحمد الميدان..شيخ الكرم (الجزء الأول)

أحد الرموز اللامعة في تاريخ الحي،والذي جسدَ الكرم والسخاء في مجتمعه. إنه الحاج أحمد الميدان. فقد بادر للقيام بمهام إنسانية عدة. ومنها, أنه يستقبل خدام المنبر الحسيني القادمين من خارج المنطقة،ويعمل على إيوائهم في منزله طوال فترة بقائهم في الأحساء.[١] لقبه العلامة الشيخ محمد بن محمد المهنا بـــ (شيخ الكرم) وهو جديرٌ بهذا اللقب وأهلٌ له.[٢]
تعريف بشخصيته

الحاج أحمد بن حسن الميدان.[٣] من مواليد واحة الأحساء عام ١٣٢٠هجري. توفي والده (حسن عبدالله بن الشيخ أحمد الميدان) في إحدى رحلاته إلى العراق. ودفن في كربلاء بالصحن الحسيني الشـريف. عاش الابن في رعاية (والدته الحاجة المؤمنة فضة بنت الحاج أحمد الحمراني).[٤] واقترن أحمد الميدان بالفاضلة فاطمة بنت الحاج ناصر المبارك (أم علي), وهي من بيتٍ كَريم, عرف أهله بالإيمان والخلقِ الرفيع. وله منها أربعة من الأولاد (علي, حسن, عبدالله, وعبد الرسول). وكريمة واحدة الفاضلة فضة (والدة الحاج عبدالله بن عايش الميدان) حفظها الله.[٥]
وعن الفاضلة (أم علي), سألت المرحوم محمد بن علي بن سلمان الميدان (ميرزا). فقال : (لقد عشتُ أسعد أيام الصبا والشباب في بيت العم أحمد وتحت رعايته, حتى بلغتُ سن الزواج. وكانت العمة (أم علي) من النساء الصالحات. تُقيمُ مأتمين للإمام الحسين في الأسبوع (يوم الثلاثاء والخميس). ومن الداعمين للعم أحمد في دروب الخيرات. كما أنها حنونة على الجميع, ولها (نَفَس) في الطبخ مشهود لها به. توفيت (رحمة الله عليها) في شهر صفر عام ١٤٠٥ هجري, ودفنت بمقبرة الشعبة بالمبرز. رحمة الله عليها).[٦]
عمل في بداية حياته العملية في مجال الغوص لأكثر من عشـر سنوات. ثم في مجال الصياغة في كل من دبي والبحرين. واستقر أخيراً في الأحساء. موطن آبائه وأجداده.[٧] وعن تلك الفترة, يقول الحاج أحمد الميدان : (كنت في البحرين في سن الشباب وأعمل في الصياغة. ولكن وبعد وفاة والدي, قدم إلى البحرين المرحوم عبدالله بن محمد السمين (والد محمد حيدر). عنوة لكي يشجعني على العودة إلى الأحساء. حيث خاف علي من الضياع. حيث أولاني الكثير من الرعاية والاهتمام. ولهذا الرجل أفضال علينا, فجزاه الله خير الجزاء).٨]
ويعتبر الحاج أحمد الميدان من صاغة المبرز المعروفين. دكانه في قيصـرية بسوق المبرز, مقابل المسجد الجامع بالسوق. ومن جيرانه في السوق الحاج علي أحمد البحراني (والد سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني). ومن جيرانه في المنزل بمحلة السدرة, عبدالرحمن البووشل (من معازيب المخايطة في المبرز المعروفين).[٩]
وللرجل باعٌ في إصلاح ذات البين. والرأفة والتحنّن على الضعفاء. ورعاية الأيتام. لطيف المعشـر في بيته. ودودٌ مع الجميع. عرف بالحلم والأناة. ومن مواقفه الجميلة ما نقله لنا العلامة الشيخ محمد بن محمد المهنا (ينقله على لسان الحاج أحمد الميدان).
يقول : في أحد الأيام, نسيت زوجته (أم علي) أن تضع الملحَ في الطعامِ أثناء الطبخ, فأصبح العشاء غير مستساغ (ماسخ). وقبل أن تقدم له الطعام.
قالت له  :يا (بوعلي) أنا (مستحية منك) الليلة, لأني نسيتُ أن أملح الأكل![٩]
فقال لها : وماذا أدراكِ, إنني كنتُ (ناوي أقول لچ), إنني مشتهي العشاء بدون ملح هذه الليلة. انتهى.
وقد يكون هذا من باب, تلمس العذر للمؤمن وستر العيوب.
ويعد من أهل الجود والكرم. وحسن الوفادة. يأوي إليه خطباء المنبر من خارج المنطقة. وبعضهم من خارج البلاد العربية (مثل الشيخ حسن الكشميري).[١٠] ولم تقتصـر ضيافته على خدام منبر سيد الشهداء, بل كان يقصده بعضٌ من سكان قرى الأحساء.[١١]
ولم يكن (رحمه الله) من أصحاب الثراء, ولكنه ذو نفس كريمة. ومن مواقفه الجميلة ما نقله لنا أحد سكان الحي. يقول: كنت مسافراً إلى العراق للزيارة, وكان معنا في تلك السنة الحاج أحمد الميدان. ومن عادة الزوار في ذلك الزمان السكن في مكان يعرف بـ (الخان). وفي أحد الأيام قام الحاج أحمد الميدان بشـراء رقية (جحة), وأخذ منها ما يكفيه مع زوجته (أم علي), وحمل الباقي إلى بعض من زوار أهل بلده ليشـركهم معه. علماً أن معهم في السكن من هم أكثر سعة ويســراً منه. ولكنها النفوس الكريمة, والتي جُبلت على العطاء. وأصبح الكرم مصدراً لسعادته. ونال (رحمه الله) جزاءه الوافر من المحبة من قبل الخاص والعام.[١٢]
نهاية المطاف
تعرض الحاج أحمد الميدان لوعكة صحية في آخر حياته, فنقل لمستشفى الشـرق بمدينة الخبر ليحظى برعاية صحية لائقة. وبعد أسبوعين من دخوله المستشفى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها, وذلك في يوم الثلاثاء الموافق ١١/٧/١٣٩5هجري. ودفن بمقبرة سيهات. وأقيمت له ثلاثة مجالس للعزاء تليق بمكانته في قلوب محبيه. أولاً, في الحسينية الجعفرية بحي الشعبة لمدة سبعة أيام. والثاني في البحرين, أقامها ابن أخيه الحاج حسن بن عبدالله الميدان. والثالث أقامه ابنه الحاج علي بن أحمد الميدان (بو حسين) بالأحساء, بعد عودته من الزيارة بمشهد.[١٣] وهنا نشير إلى أنه قد التحق بصديقه المقرب (الشيخ داوود الكعبي الشهاب), بعد مدة قصيرة لم تبلغ العام الواحد.[١٤]
وبمناسبة الأربعين, أقيم لروحه تأبين في الحسينية الجعفرية بالمبرز. ومن ضمن فقرات الحفل هذه القصيدة, والتي نظمها الشيخ عبدعلي ابن الحاج حسن الناصر (رحمه الله). وألقاها نيابة عنه سماحة الشيخ عبدالله بن حسين السمين (الوائلي الصغير) :[١٥]
نعـتـك القـطـيـفُ وهجرُ الحســا // وقـلـبـي عـلـيــــــك مُلي بالأسـى
أيا كـوكــبـاً غـابَ من أفــقــنـــا // لقد كُـنتَ نورَ الضُحى والـمــــسا
لقد كان بـيـتُـك مأوى الضُيـوف // ومـلـجـــا الـيـتــيــم لــذا أُســـــسا
فـمــن لـلـغـــريــب إذا مـا أتــى // عـلـى بـابِ أحــمــد عـند الـمســـا
فمــن لـلـمـكـارمِ ومـن لـلــنــدى // ومـن لـلــنــوادي يـكـن مؤنـســـا
لـقــد أقـلـقــتـنـي يـدُ الـنــائـبـات // أرى الـبـيـن فـي جـنـبـنـا عرســا
فـقـدنـا الـــكـرام مـعـاً والعـظـام// فـدمـعـي عـلـيــهم غـدا أخـرســا
فـقـدنـا مـحـمـد نـجـل الحُـسـين[١٦] // لـقــد كـان عــزاً لـنـــا ســــائـسا
رمـتـنـــا اللـيـالي بِرُزءٍ عظـيـم // فـصـبــراً فــإن الـبُـكــا لـلــنــســا
فـيــا أيـها الـحـفــل مني اسمعوا // فــإن لـكـم هــاهـنــا أشـــــمــســا
لـكـم هــاشــمٌ وحـسـين الـتُــقى // ونـاصـرهـا الـقـطـبُ لا تـيـأســــا
فــشـأن الـزمــان عـداء الـكــرام // ولا بـد للـحـــر أن يُـــــرمــســــــــا

 

[١] ومنذ القدم, عرفت الأحساء بأنها موطن لمحبي أهل البيت (عليهم السلام). ويحرص سكانها على إقامة الشعائر الدينية في الحسينيات وفي بيوتهم. واعتاد الخطباء من (العراق, والبحرين, والقطيف, والأهواز) الوفودِ إلى المنطقة في تلك المواسم. وكان لابد من القيام بواجب الضيافة لخدام المنبر, وتوفير سبلِ الإقامة لهم من المأوى والطعام وقد يقيم بعضهم لأيام. بينما البعض الأخر قد تمتدُ إقامتهم لأشهر.

[٢] انظر كتابنا عن العلامة الشيخ محمد المهنا (وقفات مع سيرة المربي), 1437 هجري. ص : 27

[٣] وهنا, أود التنويه بأن الأخ الفاضل أحمد ابن سماحة الشيخ عبدالكريم البحراني, والحاج محمد ابن المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين السمين (هما) من اقترح الكتابة عن الحاج أحمد الميدان, لما سمعوا عنه وعن خصاله الحميدة. ولهما الفضل في أن نتعرفَ على شخصية استثنائية وجديرة بالدراسة والتحليل.

[٤] إفادة خطية من المهندس ياسر بن الحاج عايش الميدان. ضمن مشـروعه لإعداد كتاب بعنوان (حاتم زمانه,,, الحاج أحمد الميدان).

[٥] ابنه (الحاج حسن الميدان – أبومحمد), من صاغة المبرز المعروفين. تولى الإشراف على الحسينية الجعفرية بالشعبة منذ عام 1392 هجري. وتأثر الابن (بأبيه) في عشقه لخدمة سيد الشهداء، ولكن في اتجاه آخر. ففي فترة ولايته على الجعفرية, أحدث نقلة نوعية في مستوى القراءة, وذلك باستقراء كبار الخطباء من العراق والبحرين والقطيف واستمر إشرافه على الجعفرية لمدة ثمان سنوات. كما عرف (رحمه الله) بهواية فريدة في زمانها. وهي جمع (التسجيلات الحسينية لكبار خطباء المنبر). والبداية كانت أشرطة (المكرات الكبيرة). وبعد تطور أجهزة التسجيل, أصبح يستخدم أشرطة الكاسيت. وتجمع لديه مكتبة صوتية ضخمة, تحتوي على عدد كبير من المحاضرات النادرة. وتعتبر ثروة وثائقية يخاف عليها من التلف والضياع مع مرور الوقت. توفي الحاج حسن الميدان في ٥/٢/١٤٢٥ هجري. ودفن في مقبرة الشعبة.

[٦] أكثر من لقاء مع الاخ الحاج محمد بن علي بن سلمان الميدان (ميرزا). في عام 1432 هجري بمنزله بحي الخرس. وكان (رحمه الله) كريم الخلق. محباً للحاج أحمد الميدان. وصفه الأخ العزيز محمد بن حسن الميدان (بأنه خدوم, ولديه ميل قوي لمساعدة الآخرين. ولا يتردد في أن يبذل ماله ووقته للوقوف مع أهله وجيرانه ومعارفه).

[٧] وكان بيته في (محلة السدرة) قرب مسجد المهنا. والبيت (حاليا) أصبح في ساحة الأربعين بعد أن أزالت البلدية هذه المحلة بكاملها في عام ١٤٠1/١٤٠2 هجري.

[٨] لقاء مع ابنه الأخ عبدالرسول بن أحمد الميدان في معرضه للسيارات. (وكنت والأخ عبدالرسول زملاء دراسة بالمرحلة الأبتدائية).

[٩] وفي هذه البقعة, كان يسكن المرحوم أحمد بوخليل (الناصر). من الأخيار ومن البكائين على سيد الشهداء في الحي.

[١٠] والبعض يقول (بأن الأكل أحترق).

[١١] قام الشيخ حسن الكشميري بعدة زيارات للمنطقة. وفي البداية كان يسكن في منزل الحاج أحمد الميدان. وبعد وفاته, حل ضيفاً لدى العلامة الشيخ محمد بن محمد المهنا (رضوان الله عليه).

[١٢] وفي الماضي, كان سوق الأربعاء الشعبي, يقام في براحة المصبغة بالمبرز. ويفدُ بعض من سكان القرى على هذا السوق (للبيع والشـراء). وقد يبقى بعضهم في بيوت الحي للاتقاء عن حرارة الشمس وخصوصاً في وقت الهجير.

[١٣] نقلاً عن الأخ العزيز محمد بن علي الحسن المهنا. وينقله على لسان أحد الزوار من سكان حي الشعبة.

[١٤] حاتم زمانه, كتاب عن (الحاج أحمد الميدان), بقلم المهندس ياسر ابن الحاج عايش الميدان (مخطوط).

[١٥] وعلق سماحة السيد حسين بن المقدس السيد محمد العلي على دفن الحاج أحمد الميدان في مدينة سيهات,
قائلاً (ومن الطريف, أن الحاج أحمد بن حسن الميدان, عاش عمره في الأحساء. بينما عاشَ أخوه عبدالله بن حسن الميدان في البحرين. ولكن الموت جمع بينهما. وكانت تربتهما واحدة, حيث دفنا في مقبرة سيهات. نسأل الله أن يحشرهما مع محمد وآله الطاهرين).

[١٦] حاتم زمانه, مشروع كتاب عن (الحاج أحمد الميدان), مصدر سابق.

[١٧] المقصود هنا : المقدس السيد محمد بن السيد حسين العلي, المتوفي عام ١٣٨٨

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. فل يعلم من لم يعلم عن كرم هذا الرجل الموالي مثل هذه الشخصية هي من تستحق التخليد في التاريخ الاحسائي وتحكى للأجيال وبالاخص من هم من المجتمع القريب رحمك الله يا جد (عبدالجبار محمد)

  2. نقطة جميلة : أكثر من لقاء مع الاخ الحاج محمد بن علي بن سلمان الميدان (ميرزا). في عام 1432 هجري بمنزله بحي الخرس. وكان (رحمه الله) كريم الخلق. محباً للحاج أحمد الميدان. وصفه الأخ العزيز محمد بن حسن الميدان (بأنه خدوم, ولديه ميل قوي لمساعدة الآخرين. ولا يتردد في أن يبذل ماله ووقته للوقوف مع أهله وجيرانه ومعارفه).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى