أقلام

مضراب هريس

أحمد الحسين

كانت البداية منذ ثمان سنوات في أول يوم من سنوات ابتعاثي للدراسة. حين وصولي للسكن هاتفت والدتي باتصال مرئي لأطمئنها. أجابت أختي سارة الاتصال عوضاً عن أمي التي كانت مشغولة في إعداد وجبة العشاء. كان منظر أمي من خلال الشاشة هو منظرها المألوف وهي تعد طبق الهريس. تجلس على أرضية المطبخ مشمرة عن ساعديها وتمسك بقدميها قدر الهريس الحار الذي تضعه فوق خيشة أرز والأبخرة تتصاعد منه فيما تراقص بكلتي يديها مضراب الهريس برقصة متناغمة سريعة على شكل ربع دائرة داخل القدر يميناً ويساراً مصدرةً موسيقى فلوكلورية تيك تيك.. تيك تيك.

في تلك الليلة بدأ الكابوس معي. كان شبحاً مرعباً على شكل مضراب هريس. لم يفعل شيئاً سوى تكرار رقصته ونغمته الفلوكلورية كما يفعل تماماً داخل قدر الهريس.
استيقظت مفزوعة في منتصف الليل من هذا الكابوس المرعب ولم استطع النوم مجدداً.

ظل ذات الكابوس يتكرر علي في ليالٍ متفرقة وتزداد وتيرته في ليالي الامتحانات.

ذات ليلة رأيت أن جماعة إرهابية اختطفتني وحكمت علي بالإعدام الوحشي بتهمة دراسة القانون الغربي فدقوا عنقي بمضراب هريس.

تطور الوضع يا دكتور في سنتي الدراسية الأخيرة وأصبحت أرى شبح مضراب الهريس في اليقظة ولم يعد مجرد كابوس يأتي في المنام.

في المرة الأولى كنت خارجة من مكتبة الجامعة في ليلة شتوية ممطرة. وحيدة أمشي في ذلك الشارع. أحسست بشيء يتبعني وانتابني شيء من الخوف. التفت خلفي فإذا بشبح مضراب الهريس يمشي خلفي بنفس وتيرة مشيتي وحين توقفتُ توقف مثلي وحين التفتُ التفتَ مثلي. ذعرت منه وصرت أجري هاربةً منه وصار يقفز سريعاً على رجله مثل قفزات الكنغر لاحقاً بي.

أصبحتُ أراه يتجول في غرفتي عابثاً بكتبي وأقلامي ودفاتري بكل برود.

في كل مكان يظهر لي هذا الشبح. حتى عندما نصحتني إحدى الصديقات بالذهاب لدار الأوبرا من أجل الاستماع لاوركسترا كلاسيكية لتهدأ أعصابي وجدت مضراب الهريس هو المايسترو ولم تكن المعزوفة سوي تيك تيك.. تيك تيك…

أنا متعبة جداً يا دكتور من هذا الشبح الذي لا يزال يطاردني فبالأمس فقط انهيتُ خطبتي للمرة الخامسة ولذات السبب. جميعهم يضعون صورة هريسة في انستقراماتهم ويكتبون أسفلها “هريسة الوالدة حفظها الله”.

صوت نغمة الجوال تقطع استرسالها وإنصات الدكتور لسردها.

– لا بأس يا دكتور يمكنك الرد على الاتصال وبعدها أكمل.

على الجهة الأخرى كانت زوجة الدكتور تسأله:

– ماذا تشتهي أن تأكل اليوم على العشاء؟

بهمس خفيف جداً خشية أن تسمعه المريضة أجابها وهو يبتلع لعابه:

– هريسة

الهدوء الشديد الذي يسكن العيادة جعل الدكتور يخفق في تقدير شدة الصوت فوقعت الهريسة كالقنبلة النووية في أذنها.
فرت مذعورة من العيادة وهي تصرخ بشكل هستيري ومضراب الهريس يقفز مثل الكنغر لاحقاً بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى