أقلام

جذور الأفراح في عيد الفطر

السيد فاضل آل درويش

تزدهر مظاهر الفرح والسرور وتلون أوراق يوم العيد الزاهية وترتسم على الوجوه البسمة وتنطلق كلمات المعايدة والمباركة بهذا اليوم العظيم، فهاهم المؤمنون قد أنهوا واجب الصوم بعد أن لوح شهر رمضان الكريم لهم بيد البركة والمغفرة مغادرًا، فاغترفوا من معين عذبه تلك المكتسبات وتحلوا بحلل الأنس بذكر الله تعالى ووقاية النفس ونزاهتها من المحرمات والآثام، وفي نهاية مضمار الشهر الكريم دون شك للمؤمن فرحة لتوفيقه ليقظة الروح وطهارة النفس من الرذائل والعيوب، فقد كان طيلة الشهر مراقبًا لنفسه وجوارحه من الخدش بصيامه بارتكاب أي مخالفة، وحق له أن يفرح وقد استعد لما بعد شهر رمضان فقرر أن يسير على نفس المنوال والمنهج العبادي والأخلاقي والاجتماعي وإن لم يكن بذلك الزخم والتكثيف في شهر رمضان، ولكنه لن يكون بعيدًا عن برنامج تلاوة القرآن الكريم بشكل يومي ولو بضع صفحات، وكذلك تلك الروحية في التعامل الحسن والراقي مع الآخرين واحترام حقوقهم والتجاوز عن مسيئهم لن يحيد عنها، فقد تبلورت وتشكلت معالم شخصيته من خلال الشهر الكريم في جميع جوانبها، واكتسب منه الإرادة القوية والصبر في مواجهة الصعاب والتحديات، وهذا ما ينعكس على طريقة تعامله مع ما يواجهه من أزمات وعراقيل إذ أنه يتحمل الآلام المصاحبة لتلك المشاكل ويخرج من رحمها قادرا على رسم مستقبله والنهوض مجددًا، أفلا تستحق الصناعة الرمضانية لمعالم شخصيته الإيمانية أن يفرح ويسر بذلك، فقد وفق للحفاظ على صومه من تمزيق ثوبه بالذنوب والآثام، وحفظ جوارحه من الحديث بالسوء واستماع الكذب والغيبة ومن نظرة الحرام وأذية الآخرين؟!

وللعيد فرحة أخرى تعد مرحلة لاحقة وتكميلية لما تعاهده في الشهر الكريم من برنامج تدريبي وتهذيبي للنفس، وهاهو يجني ثماره ويستعد للحفاظ عليه وعدم التفريط بشيء من مكتسباته التي أسبغت عليه، وهو النظرة المستقبلية في أفكاره وسلوكياته ومواقفه وعلاقاته بناء على البنية الإيمانية والأخلاقية التي اكتسبها في الشهر الكريم، فقد جدد علاقته القربية بالله عز و جل ونفض عنها غبار الغفلة و التكاسل، واستشعر روح الطمأنينة والأنس بذكر الله تعالى وحلاوة التدبر والتأمل في الآيات الكريمة بحسب ما يحمله من فهم وقراءة في كتب التفسير المناسبة، وفرحة بما طرأ على أسلوب تعامله مع من هم في محيطه الأسري والاجتماعي من خلال الدعوة النبوية لتحسين الخلق في شهر رمضان، وهاقد ظهرت آثاره ونتائجه من خلال حرصه على ضبط نفسه وانفعالاته وتجنب مواطن الخلاف والخصومة، فقد تبلور عنده هدف مهم وهو الحفاظ على قلبه نقيًا من مشاعر الكراهية والحقد بسبب الاحتكاكات الحياتية أو سوء الفهم وحتى الإساءة إليه، فهو يرى في التسامح والصفح منهجًا أخلاقيًا يجنبه التوترات واستنزاف الأوقات والجهود، وهذا من ملهمات ودروس الشهر الكريم.
ويزدان عيد الفطر السعيد بمظاهر البهجة والسرور وتنعكس على التلاحم والترابط الأسري والاجتماعي، فالاجتماع في بيت الأسرة الكبير بين الإخوان والأخوات يميث أي شائبة للتباعد والانشغالات الحياتية، فيكفي الالتقاء وتبادل الأحاديث والسؤال عن بعضهم البعض ليعيد روح الانسجام والتقارب بينهم ، فالعيد السعيد محطة لإعادة الحسابات على مستوى العلاقات وإصلاح ما خرب منها وإنهاء القطيعة والخصومة، فيأسف المرء على ما كان منه من لحظات انفعالية اتخذ على أساسها قرارًا شيطانيًا بالابتعاد عن إخوته، ومناسبة العيد فرصة ينبغي أن لا تضيع في التواصل الأسري والحرص على اللقاءات والاتصالات، كما أن الأطفال في مثل هذه الأجواء السعيدة يرون روح الوئام والتآلف بين الكبار فيتخذونها أسوة ومنهاجًا يسيرون عليه ويتعاملون به، فخير ميراث نورثه لأبنائنا هي روح المحبة والاحترام للآخرين و خصوصا على المستوى الأسري، وبئس الميراث أن تغسل أدمغتهم بمتاهة الخصومات والمشاحنات بل ودعوتهم إلى قطيعة الأرحام وحمل الكراهيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى