أقلام

معالجة قضية التطرف

جواد المعراج

تعد قضية التطرف بشكل عام من القضايا الرئيسة التي تدور بين الشباب والمجتمع، وتشغل العديد من الفئات الاجتماعية الحديثة، وهي محل دراسات في علم الاجتماع باعتبارها ظاهرة مقلقة ومؤذية؛ وهذه قضية تتكرر بشكل مستمر في حياتنا اليومية والعامة، ولها تأثيرات سلبية ومدمرة للمجتمع، ويختلف مفاعليها حسب الظروف والبيئة المحيطة ونسق القيم والمبادئ والأفكار في مختلف المجتمعات التي يعيش فيها كل فرد وكل مجتمع، إضافة إلى ذلك ارتبطت ظاهرة التطرف إلى حد كبير بالظروف الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية، والثقافية وغيرها.

ويمكن تعريف التطرف بصورة إجمالية أنه الخروج عن الأعراف والمفاهيم العامة والسلوكيات والتقاليد المتعارف عليها، وغالبًا ما تكون هذه الأفعال غير منطقية، وهناك مفهوم آخر للتطرف وهو الخروج عن الدستور والقانون السائد، بغرض تبني أفكار غريبة ومتطرفة تؤدي إلى جعل الشخص المتطرف يبتعد عن الاعتدال، ويلجأ إلى استخدام أساليب التعصب المذموم، ولا يتقبل أوجه الاختلاف بينه وبين الآخرين، وغالبًا ما تكون ردود أفعاله عنيفة عند توجيه النقد إليه، ويحاول دائمًا قمع آراء وأفكار الأطراف الأخرى من باب أن يعتقد أنه دائمًا على صواب.

وجدير بالذكر أن الإنسان المتطرف شخص جاهل، ومتطرف في طرفي التفريط أو الإفراط، روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: «لا تَرى‏ الجاهِلَ إلّا مُفْرِطاً أو مُفَرِّطاً» [1] ، وعنه عليه السلام السلام قال: «الجاهِلُ لَن يُلْفى‏ أبداً إلّا مُفْرِطاً أو مُفَرِّطاً» [2] . وأنه أيضًا لديه نقص إلى حد كبير من ناحية الفهم، والوعي، والإدراك، لأنه لا يجيد الإنصات والاستماع إلى أفكار الآخرين، كذلك لا يتقبل نقد ما يراه صحيحًا من أفكار، فالعاقل من يجيد الاستماع إلى أفكار الأطراف الأخرى، ويتقبل نقد ما يراه صحيحًا من أفكار، والاعتدال مع التعامل مع أية فكرة، لأنه في أية لحظة قد نرى خطأ ما كنا نعتقد بأنه صحيح، وصحة ما نراه خطأ لدى الآخرين، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾[3] .

إن السبب الرئيس لتفشي ظاهرة التطرف في المجتمع هو الافتقار للوعي، وانتشار الجهل والتخلف، وقلة الاهتمام بالقراءة، والعلم، والمعرفة بين أفراد المجتمع، وعلاوة على ذلك تسفيه الشخصيات الساعية إلى نشر العلم والثقافة والمعرفة وحل المشاكل والقضايا الاجتماعية، وتسقيطها، فإن بعض الأشخاص يتعاملون مع العديد من الشرائح الاجتماعية بطريقة التفكير ”المتعالية“ أو ”المتخلفة“، مما يكرس حالة ”الخصام“ مع الأطراف الأخرى، فالبعض لا يحسن التعامل والتفكير بطريقة صحيحة مع مختلف الشخصيات، والفئات الاجتماعية.

لم تعد المعالجات الصغيرة تنفع لحل مثل هذه القضايا الصعبة فهي تحتاج إلى دراسة دقيقة، وذلك من أجل التوصل إلى الحلول الجذرية، وأصبح التطرف ينتشر سريعًا، بل اجتاح المجتمعات الإنسانية في غير مكان، ودمر تفكير بعض الشباب والمجتمع، فالأمر يتطلب التشخيص الدقيق وتحديد الأسباب بدقة، أي: المعرفة التامة لسبب حدوث مثل هذه المشاكل، بغية إيجاد الحلول الفعالة، وذلك من أجل إحداث حالة من الاعتدال في البيئة الاجتماعية.

ختامًا، إن التطرف له مفاهيم واسعة، بيد أنه لا يحظى بالتأييد الكامل، نظرًا لما يحمله من ميول عنيفة، وأفكار ملتوية، وأن هناك اختلافًا في الأفكار والتوجهات والقناعات تجاه مختلف القضايا الاجتماعية، وبالتالي فإن إحداث حالة من الاعتدال والتوازن في البيئة الاجتماعية، ومحاولة تفهم القضايا الصعبة، عوامل رئيسة في الخروج من حالة التطرف والتعصب.

الهوامش:

[1]  نهج البلاغة: الحكمة 70.

[2]  غرر الحكم: 1716

[3]  سورة الزمر: الآية 18.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى