أقلام

طبق (المقلوبة) وطبق (المصقعة)

أمير الصالح

لم يدر في خلدي في يوم من الأيام أن أتقدم وأطبخ وجبة غداء رئيسية لكامل اسرتي، لافتقادي لأساسيات مهارات الطبخ . وسقفي الاعلى في مهارات الطبخ الى الامس القريب لا تتجاوز سلق البيض أو قليه، و إعداد كوب شاهي. الا أنني تعاهدت على نفسي أن لا اجعل يومان من حياتي متساويان وأمضيت قدما في تعاهد فكرة الاستمرار في تحطيم الروتين و تهشيم صنم الرتابة، وهذه الفكرة منتزعة من روح الدعوة للنمو المستمر التي اطلقها الامام الصادق (ع) في الحديث المروي 🙁 من تساوى يوماه فهو مغبون)،و بالفعل طلبت من شريكة حياتي أم عبد الله، أن تجدول إعطائي دروس في أساسيات الطبخ خلال أيام الاجازات التي نقضيها في مدينتنا، من جهتي أعددت نفسي معرفيا بأن اقتنيت عدة كتب عن عالم الطبخ وشاهدت عدة حلقات من برامج طبخ عالمية في اليوتيوب والنتفليكس، ثم دخلت المطبخ لمشاهدة طريقة إعداد زوجتي لبعض الاطباق الرئيسية ك الكبسة واللحم بالخضار وأطباق آخرى.

أعلنت ذات يوم عقد العزم والنية على إعداد طعام لكامل الأسرة، من صدف ذاك اليوم الذي جدولت أول مرة اطبخ بها للاسرة ، كانت لدينا كمية فائضة من الباذنجان والفليفلة الخضراء، فقلت لشريكة حيات : أود أن استغل وجود الفائض من تلكم الخضار في أعداد طبخة ما،  فقالت أن هناك طبخة تدعى “مقلوبة”، و هي تحتاج لمهارات قد لا يجيدها الطباخ المبتدئ. وطبق المقلوبة يحتوي الباذنجان والبطاطس واللحم و الرز والفليفلة الخضراء .

أشعلت جملة ” لا يجيدها الطباخ المبتدئ” روح المنافسة مع الذات للبرهنة على الإنجاز، الا أنني تذكرت بأني مقل من مادة الرز سعياً لمحاربة أي بوادر لبروز الكرش وتقليلا للنشويات . فقلت لزوجتي هل لديك مقترح لطبق آخر بنفس المكونات مع حذف الرز ؛ فقالت: اقترح عليك اعداد طبق المصقعة بلحم و هذه أسهل لك وفيها تحد متوسط وتستغرق وقت في اعدادها . و بالفعل شمرت عن ساعدي وأخذت في الاعداد لطبق المصقعة و تم إنجازها على أتم وجه تحت إشراف وتوجيهات زوجتي ام عبد الله.

بعد تقديم الطبق وتناول أفراد الاسرة له و ابداء الثناء علي ، انتابني ذلك اليوم شعور جميل ينم عن الرضا الداخلي وتحقيق النجاح والامتنان للتقدير الصادر من الجميع . و هنا ادركت الجهد الذي تبذله امهاتنا وزوجاتنا في إعداد الطعام و ضرورة ابداء كلمات الثناء والاطراء لرفع الروح المعنوية وتجذير لغة العرفان . وأدركت أيضا أن الفرن مصنع ضخم ويحتاج الى إدراك فنون أصول السلامة في التعامل معه و اذكاء روح الابداع و الابتكار في اعداد الاطعمة .

دار في ذهني تساؤل عن سبب تسمية بعض الأطعمة في بيئتنا: مضروبة، مهروسة، مقلوبة، محروق أصبعه، مغموسة ،خبيصة، الشلة… الخ، وبحثت عن الجواب التفسيري فلم أجد اقرب من أن السبب هو خذلان المحيطين و المتناولين للطعام في الثناء و اسباغ الاطراء على الأمهات أوالزوجات سابقا، كردة فعل من خلال التعبير النفسي بتسميات الأطباق بتسميات تشير إلى مدى الاستياء والبهدلة والتعاسة واختفاء التقدير أو ماشابه .
فلذا أعتقد بـ أن مدى شعور الرضا عند إعراب أفراد الاسرة ب الامتنان و إطلاق كلمات التشجيع بعد تناول الوجبات نحو أمهاتهم وزوجاتهم تنعكس على أسماء الأطباق .
و أطرح مقترح إعادة  تسمية : مقلوبة الى اسم مشكورة و اسم مصقعة الى اسم محبوبة . ونتطلع لاسماء جميلة لاطباق الاكل المعدة . فكلمة “شكرا ” كانت و مازالت بلسم .

فشكرا أمي، شكرا زوجتي،  لكل شئ بذلتموه و قدمتموه لا سيما كل إعداد أطباق الطعام التي أعددتموها على مدى الأيام و السنوات .

نعلم انه ليس كل النساء لايجدن بعض اللغات الحية أو المهارات الناعمة في التواصل أو صنع كل الأطباق لا سيما الاطباق العصرية على المطبخ الخليجي . و استنهضت من تلك التجربة الخاطفة عن تعلم مبادئ الطبخ في نفسي، أن الزوج الجاد في تطوير أعضاء أسرته ، عليه ان يدرج زوجته في دورات دراسية في مجال إعداد الأطعمة العصرية كما يدرج أبناؤه في دورات اللغة الإنجليزية تتواكب و متطلبات الحياة . فالطريق لقلوب بعض الرجال هو معدتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى