أقلام

نساء رساليات

حليمة بن عطاء

يختلف دور النساء باختلاف موقعهن وزمانهن، فأينما حللن لهن من الأثر حيث يقف ملكا لأجلهن بل ويدرن حروبا بأيديهن، وحيث أن الإمام الحسين روحي فداه لم يغفل عن ذلك، فقد جمع النساء والأطفال وحملهن معه إلى كربلاء، وذلك لرفع الغطاء والكشف عن ظلم الطغاة ونواياهم الفاسدة، فلو كان لهم حق لحاربوا الإمام وتركوا نسائه وأطفاله، ولكن لم تكن سوى مزاعمٌ ظالمة وكاذبة، كشفتها لنا واقعة كربلاء، فكان من مواقف بعض النساء الأحرار والشريفات على دينهن في دنياهن الفاسدة سببا ليخلد ويذكر حتى يومنا هذا بإظهارهن لنا الصورة الحقيقية لهذه الواقعة الكبرى، موقفا ثابتا كان في الله ومن الله جل علاه، ففي الكوفة كان مسلما تائها يترقبُّ، حائرا يبحث عمن يحتمي بحصنه وهو ملاذُ الحائرين، وهي لم تكن سوى امرأة، وقف على باب دارها من بين دور عديدة! وآوتهُ وهي الوحيدة، أمام سلاح الظالمين كانت تبدو ضعيفة، لكنها روحها الباسلة وقوتها الباهرة وحجابها الساتر وعشقها الطاهر لم يثنها عن نصرة رسول الحسين، ولم تكن سوى ليلة واحدة فقط ظفرت فيها بالسعادة الأبدية، طوعة لم تكن تعبأ بما سيحل عليها حين آوت مسلم ابن عقيل، بل كل ما رجته أن يكون هو سالما من بطش الظالمين.

وأما في ذلك البيت العتيق، حيث يسكن شيخ الأنصار حبيب ابن مظاهر الأسدي، وقفت أم القاسم الأسدية تعين زوجها حبيب ليستجيب لرسالة الحسين له حتى هب وخادمه لنصرته.

ولم يكن الشأن واقعا على المسلمين أو الموالين منهم فقط، بل وسجلت أم وهب الكلبي النصراني موقفا في كربلاء، وهي سيدة نصرانية، وللتو قد زفت وليدها وقرة عينها فباتت تحث ابنها على نصرة الشهيد!
كانت تكفيها رؤية رآها وليدها للمسيح يطلب منه السير خلف النبي وسبطه! وزيارة للحسين يطلب منه تصديق رؤياه! فما كان منها إلا أن ذابت عشقا في ابن فاطمة، وأسلمت هي وابنها وزوجه قبل عشرين يوما فقط من واقعة كربلاء، هي لم تكن بحاجة لأن تسأل كاهنا أو عرافا ليفتي لها في ذلك، بل تجلدت حتى في المعركة، عندما قطعا يدا ابنها وعروسه بجانبها تستغيث! فتأخذ له بعمود الخيمة حتى يقاتل دون الحسين فيقتل!

وأما مارية العبديّ، والتي جعلت من بيتها مأوى للمجاهدين السائرين في درب الحسين، فخرج منه نساء ورجال منهم من قضى نحبه، ومنهم من أكمل حمل تلك الرسالة وإيصالها للبعيد.
وهناك دلهم بنت عمرو، التي استنكرت رفض زوجها زهير بن القين الإستجابة لطلب الحسين، وكان موقفها سببا لظفره بالشهادة الخالدة، وبقاء اسميهما مخلدا فوق السماء والأرض حتى يومنا هذا!
فتلك رسالة أتت وحملنها هؤلاء النسوة بين كل العباد وأشفقن منها، ولكنه موقفا اتخذنه، وثبتن عليه، وانتصرن فيه!

ولا يوجد أقوى من رسالة فخر المخدرات السيدة زينب روحي فداها، والتي كانت أما تقدم أبنائها في سبيل الله وتدفع لأخيها جواد المنية وهي للتو قد رأت إخوتها وعائلتها مجزرة أمامها، ثم يكون رؤيتها لما أراده الله في ذلك جميلا.
فتحمل الرسالة إلى الأمصار وهي سبية من بلد إلى بلد، تدفع بالأرامل الثكالى واليتامى المفجوعين في آبائهم اللائي يرون رؤوسهم تسير معهم!

فطوبى لمن اتخذت من واقعة كربلاء دروسا تنير لها طريقها وتستلهم منها رسالتها المنظورة بعين السماء، فنحن هنا جميعا لدينا رسالة وأمانة من السماء، أوصانا الله بها، لنحفظ حجابنا ونقوي إيماننا به فنحافظ على ديننا وأسرنا، بل ونعين من حولنا على أن لا تزل أقدامهم أمام المنزلقات العديدة الخطيرة في هذا الزمان، فلا شئ أجمل من أمة إيمانية، ونساء رساليات يسمون برسالاتهن يبتغون بذلك محالٍّ قدسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى