أقلام

هل كانت مجرد فسيلة؟!

ياسر بوصالح

كثيرا ما مر بنا حديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)

لكن لا أخفيكم كلما أقرأ مفردات هذا الحديث أو أسمعها تتقافز في عقلي الكثير من التساؤلات والتأملات:

(إن قامت الساعة)

قيام الساعة! والتي نقرأ تداعياتها المهولة في الخطاب الرباني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)

نحن في دار الدنيا ومع الزلال أو البراكين أو صوت الرعد والعواصف نذهل عن كل شيء فكيف بأمر قيام الساعة والتي لا يمكن تصورها بل لا يمكن مقارنتها بالكوارث الطبيعية في دار الدنيا مهما بلغت في حدها الأعلى، مع ذلك يدعونا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله إن أمكننا أن نغرس فسيلة النخل في ظل تداعيات قيام الساعة فلنفعل!!

(وفي يد أحدكم فسيلة)

الفسيلة.. وهي النَّخلةُ الصَّغيرةُ تُقطَع من الأمّ أَو تُقلع من الأرض فتُغرس

وهنا تتداعي لي الكثير من الأسئلة:

هل تأكيد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله على غرس الفسيلة، ناتج عن محبته للنخلة ؟ وهو القائل (استوصوا بعمتكم النخلة خيرا فإنها خلقت من طينة آدم ألا ترون أنه ليس شيء من الشجرة تلقح غيره) أم أن ذلك ناتج لكونه بأبي هو وأمي يعيش في المدينة المنورة وهي بلد النخل لذلك كان المثال يناسب البيئة وبمعنى أخر لو كان النبي صلى الله عليه وآله يعيش في الشام لربما ذكر غرس غصن الزيتون.. والله أعلم؟

هل تأكيد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله على غرس الفسيلة، هو ارشاد مباشر أو غير مباشر أن ليكن هم المسلمين الأول هو الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي؟

قد يقول قائل.. أن خصوصية المورد لا تخصص الوارد.. فالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله أراد تقريب المحسوس إلى المعقول.. فذكر مثال غرس الفسيلة باعتبار أن ذلك يمثل البيئة اليومية في المدينة المنورة.. وإلا فالرسالة المطوية أو الضمنية تتركز على أتقان العمل والحرص على خدمة الناس ونفعهم.

ربما أراد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله من خلال مثال غرس الفسيلة أن يربي حالة الصبر و النفس الطويل في صدور المسلمين لا سيما العرب منهم المعروفين بأنهم أصحاب نفس قصير وعديمي أناة.

لماذا أوصى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله الى اكمال مهمة غرس الفسيلة مثلا ولم يوصِ بالصلاة المستحبة أو الصيام أو التهليل مع أنه روايات أخرى اوصت بذلك ” قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من ختم له بلا إله إلا الله دخل الجنة، ومن ختم له بصيام يوم دخل الجنة، ومن ختم له بصدقة يريد بها وجه الله عز وجل دخل الجنة) هل نفهم من ذلك خدمة الناس ونفعهم أولى وأكثر ثوابا قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (أحب الناس إلى الله، أنفع الناس للناس)

من المعروف قرآنيا أن نهاية الدنيا ما تشير له الأيات الكريمة التالية:

(إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) وكذلك من المؤصل له فقهيا.. أن عمل المسلم محترم أي له قيمته المالية والمعنوية.. أقول كيف نعلل أن يقوم المسلم عند قيام الساعة بكل اهوالها بجهد في كـوكب (الأرض) مصيره التناثر، هل نعلل فقط بالأثر الاخروي والثواب وهو الوارد عن النبي الأعظم (يا أيها الناس إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.. الخ) أم المسألة أعمق من ذلك، فقد ورد عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال (إن الله خلق محمدا وعليا والطيبين من ذريتهما من نور عظمته وأقامهم أشباحا قبل المخلوقات، ثم قال: أتظن أن الله لم يخلق خلقا سواكم؟ بلى والله! لقد خلق الله ألف ألف آدم، وألف ألف عالم، وأنت والله في آخر تلك العوالم) أي لعل المسألة ناظرة أنك تزرع وغيرك يأكل حتى لو كان في عالم أخر وبرنامج رباني أخر.

ماذا لو كان من قامت الساعة عليه.. طبيباً مثلا يجري عملية جراحية لمريضا ما أو معلماً يقدم رسالة التعليم لطلابه هل يكون ثوابه ثواب من يغرس الفسيلة لوحدة الملاك والمناط أم المسألة مختلفة؟

ختاماً.. ربما الأسئلة التي طرحتها ذات طابع تفصيلي أو ربما خيالي نوعا ما.. لكنها محاولة على قدر بضاعتي المزجاة في الغوص في بحر كلمات أهل البيت عليهم السلام واستخراج كنوزها لذلك هذه دعوة لكل فرد منا في التأمل في تراثهم عليهم السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى