بشائر الوطن

رواديد وشعراء ينعون أيقونة العشق الحسيني (غازي الحداد)

ميمونة النمر: الدمام

لم يكن غازي الحداد استثنائياً في حضوره كشاعر فقط، بل جَسَد هوية الحسين عليه السلام من خلال مبادئه وعقائده الراسخة التي استلهمها من والدته (الملاّية المعروفة)، حيث كانت له الرمز بإيمانها والقدوة بعشقها للشعائر الحسينية، حتى كبر وأصبح نموذجاً يحتذى به لأجيال تربوا وهم ينهلون من قصائده كربلائية الهوى، مخلداً جروح الطفّ؛ بعزاء المواكب وبكاء الحناجر.

وساهمت قصائده التي صدح بها الرادود فاضل البلادي منذ الثمانينات منسوجة بالتكوين الولائي في تفعيل الساحة العزائية، زاخرة بالصدى الواسع على مستوى الخليج، كما وثقها الرادود علي الحمادي في لطميات مؤثرة على خطى كربلاء.

غازي الحداد الشاعر البحريني، والذي غيّبه الموت إثر جلطة دماغية مفاجئة تواطأت عليه على هيئة غيبوبة طويلة دامت عامين، لافظاً أنفاسه الأخيرة قبل أيام في مستشفى بحمهورية (التشيك) حيث وافته المنية يوم الأربعاء الماضي.

وعرجت روحه الطاهرة حيث الفردوس الأعلى، متكأً بجسده في زاوية بعيدة هناك حيث يداعبه التراب، فيما تتنهد قصائده على شرفات التعازي، مُنعتقة نحو سماء أخرى يتنازع على وقعِها محبيه وأصدقائه مرارات الفراق.

سطر الشاعر الحداد بمداده المذهل قصائد هائلة بالعشق الحسيني من أبرزها: قمري أنت أم أنت القمر، أختي يا زينب قومي، هذه الليلة لا دمع ولا وأنّة آه، منذ عاشوراء ليوم الأربعين، الأربعون حادث يهيج لي، بالأربعين تهيجنا حرية الحسين، لو كان لساني مقطوعاً، شيعة علي ويا ظالم افهم، قد أحس ذو الجناح بإحتضان لليدين.

وحيث يبدو كل شيء مختلفاً بدءاً من قصائده الشجية مسبوكة البيان، وحتى خرائط الموت المسيّجة بالنواعي والوداع، فلم يكن رحيله موتاً عابراً، رغم غيابهِ وغيبوبتهِ، شكّلت وفاته فاجعة وحدثاً ثقافياً مهماً؛ رسخ الحزن عبر أبعاد عميقة، وانهمرت الرثائيات متمخضة بالحداد عبر متون الكلمات اليتيمة.

وفي ذات السياق، نعى الشيخ حسين الأكرف الفقيد الحداد، وقال: سلام عليكَ حبراً لم يجف نازفاً على الحسين عليه السلام حراً صادقاً متألقاً، سلام عليك ملهماً ومربياً وأخاً صدوقاً، سلام عليك أميراً للشعراء الحسين في وطن الحسين، ستذكركَ كل الحروف والقوافي، وتبكيكَ كل الحناجر والمواكب، ويخلدكَ الحسين، إنا لله وإنا إليه راجعون.

كما أبّنُه الرادود فاضل البلادي معزياً بحزن وأسى: يعجز اللسان عن الكلام والتعبير عما في القلب على فقد ورحيل الحبيب والأخ والصديق والمربي شاعر أهل البيت عليهم السلام وخادم الإمام الحسين عليه الحسين -رحمك الله يا حبيب قلبي- عظم الله أجورنا وأجوركم.

وقال الرادود الحاج عبدالأمير البلادي في بيان له على موقع التواصل الاجتماعي (الأنستغرام): وترجل المعلم آه لفقدك يا أبا ناصر، كلنا بشوق ننتظر البشارة أن تعود لنا لنكمل المسيرة معاً فجرحنا غزير لفراقك، سنفتقد ثنائياتك مع الرادود الكبير فاضل البلادي.

وذكر الرادود جعفر الدرازي عبر تعازيه، إن البحرين تفقد عميد الشعراء المبدع غازي الحداد.

كما نعاه الحاج صالح الدرازي، وقال: الخدم عترة محمد ما يموت..ينذكر اسمه في كل لحظة وحين..في أملن الله يشاعرنه الكبير..والله يجمعنه في جنة الحسين.

من جهة أخرى، وفي خضم حزن الفقد تناثرت قصائد الشعراء عبر مواقع التواصل الإجتماعي (تويتر وأنستغرام) ترثي الفقيد ملوّحة بالبكاء وغصّة الرحيل الأبدي، منسلّة كلماتهم من نزف القلوب، هكذا تبادلوا باقات التعازي فيما أصابعهم تذبل من نوح المواجع.

الشاعر علوي الغريفي رتل الحزن ترتيلا:

حزنُ القصيدةِ أن تُودِّعَ شاعرا
‏حمَلَ المِنصّةَ في يديهِ وسافرا

‏اليومَ شرّعَتِ القريحةُ بابَـها
‏كي يكتبَ “الحدّادُ” نصّاً آخَرا

‏يا “مرجِعَ الشعراءِ” موتُكَ واهمٌ
‏ستظلُّ حتى في غيابكَ حاضرا

‏لم يدرِ موتُكَ .. بعد طول مسافةٍ
‏ستعودُ بعد الموت كي تتكاثرا

أما الشاعر أحمد الحواج أطلق عنان الحزن العاصف فقال:

سَلمَى” غَدَت تَنعَاكَ مِن آَهَاتِهَا
‏ صَلَّت عَلَيكَ نَافِلَاتُ الوِحشَةِ

‏تَبكِي عَلَيكَ بِحِبرِهَا “قَمَرِيٌّ”
‏لَبَسَت وِشَاحَ الثَاكِلَاتِ النُدبَةِ

‏وَ تَنَاثَرَت “أَنتَ الجَمَالُ” وَمَا بَقَى
‏فِيهَا سِوَى أَصدَاءُ رَدّت حَسرَتِي

وتوشحت حروف الشاعر عارف البناء البكاء، مختزلاً نزف القصائد، فقال:

عينانِ قد بكتا عليكَ من الأسفْ
‏عينُ القريبِ وعينُ حرفٍ قد نزفْ

‏بحرُ البسيطِ وبحرُ شعرٍ كاملٍ
‏يتبادلانِ الحزنَ دمعاً ما وقفْ

‏يا شاعرَ البحرينِ فارحلْ هانئاً
‏ومن الحسابِ وما جنيتَ فلا تخفْ

‏فسفينةُ المولى ركبتَ من الصِّبا
‏وجزاءُ ذلكَ غُرفةٌ فوقَ الغُرف

فيما لامس الشاعر عقيل اللواتي الألم بقصيدة طويلة، ناعياً صديقه الشاعر في ذمة الخلود:

أنْـعاكَ؟ حاشا والحُسينُ بك احتفى
‏لمَّا رَآكَ مُـكَـلَّـلاً بِـكَـمَــالِ

‏بمَحامِـدٍ وفَـضائِـلٍ ومَـكارِمٍ
‏بقَـصَـائِـدٍ ومَـآثِــرٍ وخِـصَـالِ

ولم يبتسم القمر، فلا زال ينسج بردة الخسوف متوثباً ضفة الوداع، حيث يقول الشاعر مهدي عبدالغني:

قمرَ الشعرِ ،، نالَ منكَ الخسوفُ ؟!
‏أم غزا بغتةً نداكَ الخريفُ ؟

‏المنصّاتُ جُهِّزَت ،، فاعتليها
‏” قم تكلمْ ” عليكَ تبكي الحروفُ

‏” هكذا ” ،، غبتَ دونَ أيِّ وداعٍ ؟!
‏كلُّ قلبٍ على الغيابِ لهوفُ !

‏قم أيا ” شاعرَ الحسينِ ” و شنفْ
‏سمعَنا ما الذي تقولُ الطفوفُ

وهكذا جاءت ارهاصات الشاعر ياسر آل غريب في قصيدة طويلة يرثي بها الفقيد:

أرثيكَ أم أرثي أنايَ؟

فطالما
خَطَفَ الأسى مني فَمًا وذراعا

وأشكُّ في موتٍ يغيِّبُ شاعرًا

وبذلكَ الناعي غداةَ أذاعا

حتى الدموعُ بمقلتيَّ غريبةٌ 
فالآنَ أذرفُ : وحشةً وضياعا
عذرًا ؛ فلا أقوى على تلويحةٍ
إنِّي أحاذرُ أن أقولَ : وداعا

وكتب عنه حسين اللباد، شاعر سعودي من القطيف: “كان الخطوة البكر في عالم الشعر والأدب لدى كثيرين من أبناء المنطقة والبحرين”.

الشاعر البحريني ناصر الحداد، رائد من رواد الأدب الحسيني، مواليد عام ١٩٦١ م، من سَكنة البلاد القديم في مملكة البحرين، كتب قَصائدٍ عديدة ومن أبرزها: الأربعون حادثاً تُهيجيني، وشيعةَ الحُسين والمزيد من الطرح الرثائي الحزين، وتلقى تعليمه في مملكة البحرين وإستطاع ان يحصل على العديد من الشهادات ومنها: دبلوم آداب وبكالوريوس في التربية من جامعة البحرين، إجازة في الحقوق من جامعة بيروت.

كما أطلق مسابقة شاعر الحسين عام ٢٠٠٨ م وهي تجمع شعري كبير يهتم بأدب واقعة الطفّ، ولم يطبع أشعاره رغم كثرتها لكن محبين لأشعاره جمعوا نتاجه الشعري في ألبوم بعنوان (الحزن المعشوق).

كما نعت صحيفة بشائِر أهل البحرين الشقيق في وفاة شاعر الإمام الحسين بفديو (للمشاهده اضغط هنا)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى