أقلام

نقاش الأخلاقيات في أوقات الأزمات

أمير الصالح

صُعق الكثير من أبناء آدم المعاصرين عندما سمعوا بتطبيق مبدأ طبابة الحرب في إيطاليا على ضوء اجتياح جائحة كورونا لمواطنيهم، فتزايد عدد الضحايا لجائحة كورونا في إيطاليا بشكل صاروخي ويفوق إمكانيات المستشفيات ذات الإمكانات المحدودة في عدد معدات أجهزة التنفس الصناعي بفترة الطفرة، فأصبح الأطباء الإيطاليون يقيمون ويعيدون تقييم استخدام جهاز التنفس الصناعي على مبدأ طبابة الحرب، أي: استخدام جهاز الإنقاذ للمصابين الأكثر احتمالا لتجاوز المرض والأولوية تعطى عادةً للشباب على حساب أرواح كبار السن. وبهذا أسدل الستار يومذاك على مبدأ “الأول وصولاً للمستشفى هو الأولى بالخدمة first in – first served ” في تلك الفترة.

جائحة كورونا المزلزلة سلطت الضوء على أخلاقيات المهن وتطبيقها من قبل أصحاب كل مهنة في الأزمات.

في بعض مدارس الأخلاق المعاصرة تدور حالياً دارسة مبدأ حساب ترجيح الأرباح والخسائر عند التعاطي بالمواضيع الأخلاقية الشائكة وتطبيقها. وليس بناء على مبدأ العدالة الموضوعية الصرفة.
ولتوضيح الصورة أورد الأمثلة التالية:

– لو أن عدداً كبيراً من المواطنين ثاروا وهجموا على مخيم للاجئين بسبب ورود نبأ مفاده تسجيل حالة اعتداء فرد لاجئ على شرف مواطنة،وأخذ عدد ليس بالقليل من المواطنين المندفعين للانتقام بتحطيم المخيم وتكسيره واتجهوا تتويجاً للعمل الانتقامي بالقبض على عشرة لاجئين من فئة الشباب بقصد تنفيذ حكم الإعدام بهم دون أي تمحيص أو تحقق من شخص المتهم داخل المخيم.
يقول أصحاب مدرسة حساب ترجيح المصالح الحسابية في الأخلاق، حينذاك من الأفضل لمسؤول ضبط الأمن في المخيم أن يتهم واحد غيلة من أولئك العشرة وإن كان إلصاق التهمة فيه ظلماً وجوراً، ولكن ذلك الفعل سيحفظ بقية الأفراد التسعة من بطش أيدي الجمهور الغاضب. إن مثل هذا الجواب يجعل الضمير الحي في تأنيب مستمر، وهذا يجعل مبدأ الغايات والأفعال في مناقشات معمقة ” act of mission matter as much as act of comission“

– في عالم الأعمال تم تقسيم الموظفين بين أصحاب الياقات الزرقاء والياقات البيضاء blue white.سؤال رئيس طرحه و يطرحه البعض عن: ما هو أساس التقسيم في إبقاء البعض على رأس العمل، وصرف البعض منهم إلى بيوتهم إذا كان الكل يقول بأن حياة الإنسان مهمة all lives matter. وانطلقت أسئلة مماثلة، وتتعلق بكيفية إعطاء أولوية المعالجة من كورونا على أساس الإنسانية، أو على أساس المواطنة، أم على أساس توفر التأمين الصحي لدى الإنسان المصاب؟

جائحة كورونا كشفت ومحصت بشكل غير مسبوق وعلى مستوى الأمم والثقافات والحضارات والشعوب أموراً سلوكية واقعية وملموسة وبعيدة عن التنميق اللفظي والمكياج الإعلامي والشعارات البراقة؛ وكشفت أيضاً عن إدارة الأزمات الحقيقية وأساليب إدارة الثغرات. لقد طفحت على السطح أسئلة حادة الزوايا في الممارسات الأخلاقية المهنية، وأبرزت الأزمات، سيناريوهات في آفاق انعدام اليقين في ردود الأفعال عند التعاطي البشري، ولما قد تؤول إليه الأمور.
من الجيد أن يراجع كل إنسان منا مبادئ أخلاقياته من جهة، وأخلاقيات المحيط البشري المحيط به جغرافيا أو الذي يود أن يستودع فيه الباقي من أيام عمره، ويفرق بين الشعارات البراقة وبين الأفعال الملموسة.
في العهود الغابرة كان هناك شعار مفاده ” الغاية تبرر الوسيلة” وفي عالمنا الحالي تعددت العناوين
والمبادئ الأخلاقية في كل بقعة من الأرض. ومن الجيد أن يكون الإنسان مطلعاً على مبادئ الأخلاق الفاعلة في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى