أقلام

المقال العلمي المحترف ترف أم ضرورة؟

غسان بوخمسين

لفت انتباهي مقال منشور قبل أيام في موقع صحافي إلكتروني. كان المقال عبارة عن حوار صحافي مع شخصية علمية معروفة، وكان يتحدث عن إمكانية احتمال نقل المتعافي من مرض covid-19  للعدوى إلى غيره.

لن أعلق هنا على ما طرحه الدكتور من ناحية صحة كلامه من عدمها، وإنما هدفي هو موضوع كتابة “المقال الصحافي العلمي” بطريقة مهنية وموضوعية، ولاسيما إذا كان الخبر يتعلق بموضوع علمي مختص ويهمّ جميع الناس، بل هو حديث الساعة كما هو موضوع المقال!

سيلاحظ القارئ بسرعة ضعف مستوى صياغة المقال الخبرية، والأخطاء اللغوية والتحريرية فضلاً عن العلمية، وعند الغوص أكثر في تفاصيل المقال، يتبيّن أنه  قفز لاستنتاجات ونتائج لم يقلها الدكتور، و ربما لا يقبلها مطلقاً.

من وجهة نظري، أجد أنه  من الضروري جداً على الصحافي الذي يجري حواراً مع شخصية ما، أن يُطلعه على النسخة النهائية للمقال قبل النشر؛ حتى يستطيع الدكتور إبداء الملاحظات وتصحيح بعض الأمور، وتدارك الخطأ قبل وقوعه ما أمكن.

توجد أسباب عديدة  لضعف مستوى المقالات الصحافية في الصحف العادية والإلكترونية، أحدها هو غياب التخصص، فمعظم الذين يكتبون المقالات في الصحف الإلكترونية  تحديداً، ليسوا مخصتين في الإعلام، مما يسبب ضعفاً كبيراً وواضحاً في كتابة المقال وصياغته، لافتقار الكاتب للمعلومات والمهارات الرئيسة لكتابة المقال الصحافي، فنجد كتابته أقرب ما تكون لعمل الهواة أو المهتمين بالكتابة، دون تلبية الشروط اللازمة لكتابة المقال الصحافي مما يزيد الموضوع سوءاً.

كما نجد أن الصحافي الواحد يكتب في كل شيء، في الفكر والثقافة والفن والعلم، ويجري مقابلات مع رجال الدين والأدباء والفنانين والعلماء، وبطبيعة الحال ينعكس هذا النوع من عدم التخصص سلباً على المستوى والعمق الفكري ودقة المعلومة في المقال المكتوب، إذ لا يوجد شخص بارع في كل العلوم والفنون، فلأجل كتابة “مقال علمي” بطريقة صحيحة واحترافية، لابد للكاتب أن يكون متمكناً من الكتابة الصحافية أولاً، وأن يكون مهتماً بالشأن العلمي وله متابعة جيدة فيها، إضافة إلى الإلمام بتاريخ العلوم بشكل وافٍ.

إلى ذلك، من المعروف أن الصحافي يهتم كثيراً بالسبق الصحافي وتحقيق الإثارة لدى القارئ ليحقق نسبة عالية من القراءة والمشاهدة، وقد يكون ذلك على حساب دقة المعلومة أو نضجها، فطبيعة العلم والبحث العلمي هو بطؤه في إعطاء النتائج، وتشككه الدائم وعدم حسمه للأمور، وذلك نتيجة أن البحث العلمي عملية بطيئة وتراكمية، وتحتاج إلى زمن طويل للتثبت من المعلومة، وهذا ما لا يتناسب مع السبق الصحافي الذي يبتغيه عادة، وهنا تكمن المعضلة أو المفارقة، وكأن على الصحافي العلمي أن يخلع قبعة الصحافي المتعطش للسبق الصحافي والإثارة وكسب القراء، وأن يضع قبعة العالم الرصين والصبور الباحث عن الدقة والموضوعية في المقال ما أمكن، وهذا بطبيعة الحال عسير جداً، اذ عليه الموازنة الدقيقة بين الحالين؛ ليخرج المقال علمياً ما استطاع الى ذلك سبيلاً.

حسنا لنكن أكثر تفاؤلاً، من خلال بحثي في الشبكة العنكبوتية وجدت دورات عن بعد، مختصة بالإعلام العلمي، تقدمها الفيدرالية العالمية للصحافيين العلميين wfsg، متوافرة بعشرة لغات منها العربية، وتعطي هذه الدورة وغيرها المعلومات والمهارات والأدوات والآليات الرئيسة والضرورية، التي تمكّن الإعلامي والصحافي من كتابة” مقال صحافي علمي صحيح ” يلبي الشروط الإعلامية والعلمية الواجب توافرها في المقالة العلمية في آن معاً.

كما تتوافر أيضا المواقع الإلكترونية العربية العلمية، مثل موقع مجلة نيتشر بالعربية التي تترجم مقالات المجلة العلمية العريقة للعربية بطريقة احترافية جداً، وكذلك موقع السعودي العلمي، وغيره كثير من المواقع العربية المتميزة.

في الختام، إن وجود الكاتب المختص في ” المقال للعلمي” أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في زمننا هذا “وقت جائحة كورونا”، بحيث صرنا نعاني من كثرة المعلومات المتضاربة والمحيّرة ما صار يسمى بوباء المعلومة infodemic، لذا أجد أن القارئ المعاصر أصبح بحاجة ماسة أكثر من السابق،  إلى صحافي  مختص يحترم ذائقته الفكرية والعلمية، وعليه أن يبذل كل جهد ممكن، ليقدم للقارئ أفضل ما يستطيع من كتابات ومقالات فكرية وعلمية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أجدت دكتور غسان في تشخيصك الموضوعي في كتابة المقال العلمي.. و بالفعل يتطلب الأمر أهل الإختصاص بأن يكتبوا في هذا الشأن..

    أمير بوخمسين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى