أقلام

هل تربيتنا قيادية أم تسلّطيّه؟

منال بوخمسين*

لماذا لا يعتمد ابني على نفسه ؟

لماذا لايتحمّل ابني المسؤولية ؟

لماذا لا يعرف ابني ماذا يريد ؟

ماذا أفعل إزاء سلوك ابني السيء اتجاه الآخرين المتمثل في قلة أدبه عليهم ؟، كثير من الأسئلة التي تواجهني وتتراكم واحدة تلو الأخرى في هذا المحور. 

إن طريقة تربيتنا وتعاملنا مع أبنائنا هي بصمة نغرسها في نفسياتهم، فتظهر بالخارج على شكل سلوك وأسلوب حياة.

هل نريد تربية إيجابية وصحّة نفسية لأبنائنا ؟. 

 للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعرف أن الأساليب التربوية عند الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

منهم من يرى التربية والتأديب لا ينفع إلا بالتعنيف. 

ومنهم من يرى التربية متفاوتة بين الشدة والصرامة واللين والحب. 

ومنهم من يرى التربية لا تصنع قادة وعظماء إلا بالحب والحزم والاحتواء في كل الحالات. 

فاختلفت الآراء وتعددت، فأي الأسلوب نختار؟ وماهي معايير الانتقاء ؟، من هو المقيم والموجّه لنا في عملية الاختيار ؟، فأي خيار نتخذه منهجا نقتدي به ونربّي به أولادنا وبناتنا ؟.

على الأغلب وربّما ومن المنطقي أن نختار الأرقى والأفضل وأعني به خيار من يريد أن يكون ابنه قائد عظيم ومبدع .

لكن كيف نصل إلى هذه النتيجة الجميلة؟، قرأت رواية تتضمن موقفا تربوياً عظيما لرسول الله (ص) مع أحد الأطفال فاتخذت منهجاً حياتيّاً في تعاملي معهم. 

روي  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتِيَ بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟»، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتلَّه -وضعه في يده- رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فهل يوجد قدوة أعظم من النبي محمد (ص)، فهل نحترم أبنائنا ولو لذرة من احترام النبي للأطفال ؟. 

لو اتخذنا هذا الأسلوب النبوي في إعطاء الطفل حقه من التقدير وإشعاره بقيمته وتعويده الشجاعة وإتاحة الفرصة ليعبّر عن رأيه وتأهيله لمعرفة حقة والمطالبة به، عند ذلك نكون قد ربّينا إنساناً سليماً وعظيماً

موقف قد يمرّ على البعض منّا، مثلاً طفلٌ بعمر ١٠ سنوات  في تجمّع عائلي نطق بكلمه غير لبقه وجّهها لخال له أو عم ،ورفع يده لكي يضربه، فـ ماهي ردّة فعلنا الصحيحة؟، هل نرفع صوتنا بالصراخ ؟. أم نزيد على ذلك ونعاقبه بالضرب وربما تصيب الضربة فمه ؟، أو بجرّ إحدى أذنيه وإحراجه أمام الآخرين (من منطلق أننا نريد أن نأدّبه لكي لا يكرّر هذا السلوك المشين فيتأدّب )؟ فهل بهذه الطريقة سيرتدع ويتربّى على السلوك الصحيح ؟، وهل ندرك نتيجة وثمرة ما قمنا به من تصرف معه ؟، شخصية مهزوزة ومحطّمة وغضوبة دائماً وقد تصل لردّة فعل أسواء، شخصية لا تقدّر ذاتها وحائره لا تعرف ماذا تريد. 

إذاً فما الحل وما هو التصرف السليم معه ؟

السليم أن يكون حديثنا معه على انفراد عندما يهدأ الطفل وفي وقت مناسب للحديث نفهم مشاعره فربما قال الكلمة في لحظة غضب وقد اتخذها أسلوب دفاعي اعتاد عليه، لأنه لم يتعلّم ردة الفعل المناسبة قد يكون عاجزا ويحتاج إلى مساعدة.

هناك لفته مهمه أولاً ينبغي أن نضعها بأذهاننا قبل القيام بأي ردة فعل، كم عمر ابني الذي فعل السلوك ؟ فكلّ عمر له طريقة مختلفة بالتعامل. 

نتذكّر بأنه بعمر ١٠سنوات مرحلة الاستقلالية وعزة النفس ويرى نفسه مع الكبار وبحاجة إلى التقدير والاحترام بشكل أكبر من مرحلة الطفولة المبكرة، ويمر بعمر ما بين الطفولة والمراهقة، تعتبر مرحلة حرجة وحساسة جداً تستحق الاحتواء العاطفي بصورة أكثر، في الغالب قد تكون ردة فعل الطفل دفاعيه، ويريد أن يبرّر لسلوكه.

للتوضيح من خلال سيناريو بسيط في طريقة التعامل بإيجابية: 

أخذ الطفل بهدوء بعيداً عن أي فرد من العائلة وقد يكون في اليوم الثاني(اختيار الوقت والمكان المناسب ). 

الجلوس بنفس مستوى الطفل الربت على كتفيه والنظر بعينيها، بني حبيبي لاحظت أنك كنت غاضبا عندما أرتفع صوتك ورفعت يديك لضرب خالك، يحق لك أن تغضب وأتفهّم شعورك ولكن هل يحق لك أن ترفع صوتك سلوكك كان غير محترماً فهل تراه سلوكاً صحيحا ؟

قد يقول الطفل: هو الذي بدأ أو تألمت عندما كان يلعب معي. 

الأم: أين تألمت حبيبي اسم الله عليك .

الأم : ما الذي ستفعله الآن ؟

الطفل: لن أكرّر هذا السلوك ، سأعتذر لخالي إن شاء الله

الأم: لو تكرّر الموقف ماذا ستقول لخالك؟

الطفل: أعّبر له عن مشاعري إنني أحبّه وأوضح له أنني تألمت ولا أحب أن يعاملني بهذه الطريقة وأنا سأعامله بلطف.

(أدعوا للجميع جبل من الصبر والحلم ) فهذا موقف بسيط قد لا نحسن التعامل فماذا سنفعل في موقف أكثر سوءً، ولكن عندما نعوّد أنفسنا نستطيع أن نتخطّى المواقف الأشد، عند ذلك تهدأ نفس الطفل ويشعر بخطئه ويبادر بالاعتراف حينما يرى هذا الحب والهدوء، فحوارنا الهادئ مع أبنائنا يخلق علاقة قرب واحتواء وعلاج للسلوكيات الغير مرغوبة .

وكل طفل تختلف استجابته عن الطفل الآخر ويطيل في الأسلوب الدفاعي وقد لا يبادر، وربما يصعب عليه الاعتذار، كل هذا يعتمد على نفسية الطفل وماهي القناعات التي رسّخت في عقله منذ الصغر ؟. 

وكيف يتعامل الآخرين معه وخصوصاً الوالدين فهم أكبر موثر لأنه يراهم قدوة، أو قد يكون لديه كبت شديد يصعب عليه التعبير عن مشاعره، يشعر بالحزن وعدم الرضا غالباً، بسبب كثرة الصراخ والعتاب واللوم الموجّه إليه أو المقارنات بين أخوته أو أي شخص آخر، إن أردنا المقارنة لتكن بسلوك الطفل قبل وبعد وتشجيعه للتطوّر بالتركيز على الإيجابيات.

أما إن كان أسلوب حواري وغرس بطريقة غير مباشره بقصة أو تحليل مواقف تحصل في الحياة واستثماره في غرس القيم. فالمناقشة وتبادل الآراء والتقدير وممزوجاً بين الحزم واللين بكل حب، يُنتج طفل لديه ذكاء عاطفي واجتماعي يستطيع أن يفلح في كل خطواته وتعاملاته إن شاء الله. 

قد يقول البعض ما هذه المثالية؟ فعل الطفل سلوك خاطئ وأحرجني أمام أهلي و أقابله بكل هدوء وحب ، لازم أؤدبه وأضربه حتى لا يكرّر السلوك.

تأملوا معي العبارة (أحرجني أمام أهلي )، فهل هدفنا نصلح السلوك أم تفريغ غضب قد تصل للأنانية من دون شعور ؟.

كلمة طالما نردّدها لأبنائنا (خلّك مؤدب )، فكيف أريده أن يكون مُحترماً وخلوقاً وهو لا يحُترم

كلّ فعل له ردّة فعل، التربية ليست كلام وأوامر وتوجيهات فقط أبنائنا انعكاس ومرآه تعاملنا معهم وسلوكنا في الحياة. 

(لا تربّوا أبنائكم كما ربّوكم آبائكم فقد خِلقوا لزمان غير زمانكم ). 

ماذا يريد منّا الإمام علي (ع)؟

هل الزمن الذي نعيشه الآن والأحوال الاجتماعية والعلمية والثقافية والتطور التكنولوجي هل بنفس الزمن الذي تربّينا عليه ؟.، فهل الأم هي فقط من تربّي ؟ أضع لهذا السؤال عشر خطوط من الأهمية. 

(لنا حديث آخر حول هذا الموضوع بشكل مفصّل في وقت لاحق إن شاء الله)

وهل الأسلوب الذي تربّينا عليه مناسب أن نطبقه حرفيّا بكل تفاصيله مع أبنائنا ؟

هناك أساليب جيّده اتبعوها آبائنا فتعلّمنا منهم ، وأساليب قد لم يتمكّنوا بتطبيقها وهي الأفضل فقد بذلوا جهدهم ولهم كل الحب والتقدير. 

ولكن نحن في عالم أكثر وعياً واكتساب المعرفة متاحة في كل مكان ومنهج أهل البيت التربوي استوضح لنا أكثر، فنحن مسؤولين أن نصحّح المسيرة والأساليب التي قد لم يوفّقوا آبائنا فيها. 

فنجيب على من يقول ما هذه المثالية وكلامكم نظريات فقط.، تربيتنا ليست مثالية بل هي تربية محمّدية علويّة

وقد يُقال ماهذا وكل شي تقدّمونه بلطف وحب، ورسول الله يقول وهل الدين إلا الحب، التربية جهاد، فجاهدو بحب تصلوا لرب الحب. 

نعم بالحب نصنع قاده وعظماء ليبنوا أمّه..يارب وفّقنا لذلك فالمهدي قائدنا ومرشدنا،لو كان المهدي بيننا كيف ستكون تربيتنا لـنستشعرها دائما في كل تحرّكاتنا

*منال بوخمسين: أخصائية اجتماعية وتربوية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى