أقلام

الحاج عبد الله بن حسن الوباري

سلمان الحجي

الحاج عبد الله بن حسن بن عبد الله الوباري من مواليد مدينة العمران عام 1345هـ، عمل في بداية حياته بالقطاع الزراعي، ثم انتقل للعمل في مهنة البناء، بعدها واصل مسيرته الكفاحية في ممارسة العديد من الأعمال الحرفية المتنوعة، وفي مرحلة زمنية معينة ارتبط بوالده في تنقله من منبر حسيني إلى آخر، اشتهر بالكرم والخلق الرفيع، وهو من وجهاء أسرة الوباري، توفي في 6/10/1431هـ ولمعرفة معلومات وافية عن شخصه لنتابع ملخص لقائنا به.

– **بما أنكم من قاطني مدينة العمران، حدثنا عن الموقع الجغرافي للأسرة، وما أبرز ما تسطره لنا من ذكريات في ذلك الشأن؟* *

– توزعت منازل أسرة الوباري في منطقة صغيرة بوسط النخيل والمزارع غرب العمران الشمالية، ثم أضيفت مساحات مخصصة للسكن بوسط النخيل بأراض تعرف بالسيدوية والعامودة، والدويكية، فقد كانت الحياة صعبة من حيث المعيشة، كما أن الأمطار تعد أزمة كبرى على الأهالي، لأن منازلهم لا تتحملها سواء ما يسقط منها على الأرض أو على سقوف تلك المنازل، حيث يسبب ذلك الحرج والمعاناة لأهلها. وكانت الأسرة التي تستطيع بناء منزلها من اللبن و الجص تشخص بأنها غنية نسبياً، ومن يكون بمنزله مجلس يعد وجيهاً، وهذا لم يكن متاحاً إلا للقلة أمثال: الملا حسن بن عبد الله الوباري (والد سلمان، وعبد الله، وأحمد، وعباس)،( وعبد الله بن علي، ومحمد بن فهد، وأحمد بن فهد) فقد كانوا يملكون النخيل الكبيرة، وكانوا الأفضل مادياً بنشاطهم وعملهم الدؤوب.
واشتهر أحمد بن حسين الوباري(البسام) بكرمه البارز بين أفراد الأسرة، وقد كان ملازماً للشيخ عمران السليم، وبعد وفاته مع ابنه الشيخ معتوق السليم، ويقال عنه: إن الضيوف كانت تتردد على مجلسه بشكل مستمر، وقد تزيد أعدادهم في بعض الأوقات عن مائة ضيف. كما كانت منطقة النخيل متسمة بالهدوء، وسكون الليل، وبطء الحركة بالنهار لعدم وجود العمل الحرفي إلا بالنخيل (البساتين)، فكان يسمع خرير الماء ينحدر بين السيول التي تهدد المنازل في أوقات المطر، والحياة رتيبة على الرغم من صفاء النفوس بسبب الفقر وحاجة الناس لبعضهم البعض في المأكل والمشرب والأنس. وكانت الأمراض والأسقام متفشية بينهم لعدم وجود خدمات صحية في تلك المنطقة، وهي تعتمد على الطب الشعبي الذي يجلب من العراق والبحرين مثل: المرة، والصبر، والعلاج بالأعشاب. وملخص القول: كانت حياتنا بسيطة جداً، نظراً لقلة فرص العمل، وصعوبة العيش، وتفشي الأمراض. ومع هذه الصعوبة والبساطة تسود الجميع روح التعاون والتكافل، والحب حيث يشعر الناس كأنهم أسرة واحدة.

*- *بما أن هناك تاريخاً خصباً لمجيئكم إلى بلدة المنصورة ،ما أبرز المحطات التي يمكن أن تسلط عليها الضوء في هجرتكم من العمران إلى المنصورة؟* *

– كما ذكرتُ سابقاً أننا كنا نقيم ببلدة العمران الشمالية، وكانت بلادنا مهددة بزحف الرمال والمياه، فتضرر الأهالي من ذلك، فتوجه أربعة من وجهائهم وفي مقدمتهم المرحوم محسن العيسى إلى الملك عبد العزيز بطلب توفير أرض بديلة لسكننا الأصلي، وكان المقترح على الأراضي القريبة من بلدة المنصورة التي تعرف بالمثلث فوافق الملك على ذلك، فتوجهت أسر من العمران إلى موقع سكننا الحالي، وكانت هي من أملاك حسين العرفج، وبعض قطع الأراضي لشخص من أسرة الشعيبي، وبلغ شراء الأرض ب 250 ريالاً لمساحة قدرها 315م2، واتفقت النخب على تسمية البلدة ” بالمنصورة “، وتمت الموافقة على ذلك من الجهات ذات الاختصاص. وأول من بنى في بلدة المنصورة الحاج أحمد النجيدي، وكان ذلك عام 1378 هـ، ثم شيد الحاج أحمد بن حسين الوباري مسكنه، وبعد ذلك تلاحقت الأسر في الشراء، طبعاً بعض الأسر انتقلت إلى مدينة الهفوف وسكنت هناك فترة مؤقتة، لتوافر مقومات سهولة العيش وفرص العمل وغيرها، وبعد تحسن الأوضاع بالبلدة رجعوا إليها، أتذكر منهم: مدن العكروش، وعبد الله السلمان وإخوته، ومحمد السلطان، وبعدها بأيام وشهور تجمعت الأسر حسب الأجداد أبناء (علي، وفهد الوباري وأبناؤهما: عبد الله ،ومحمد، وأحمد الوباري)، وعلي بن أحمد الوباري (والد حسين ، وياسين، وعبد الله الوباري)، وعبد الله بن عيسى الوباري (والد محمد، وسلمان، وعلي، وعيسى)، وأبناء علي بن حسين الوباري (محمد ، ويونس، وعلي) وأبناء صالح الوباري (عبد الله
، وأحمد، وخليفة، وسلمان الذي سكن في العرامية وهو الثاني ترتيباً)، وأبناء محمد الوباري (الملا علي، وحسين، وأحمد)، وأبناء عيسى حسين الوباري ( محمد، وأحمد، وعلي) وأبناء حسين الوباري (الشاعر علي، والشاعر أحمد، وجواد، وقد توفوا جميعاً)، وأبناء الملا حسن الوباري (سلمان، وعبد الله، وأحمد، وعباس)، كذلك أبناء الخلف أقارب الأسرة أمثال: (عبد الله بن ناصر الوباري والد أحمد (أبي ياسر وناصر وحسين وعلي وعبد المحسن)، وعلي بن حسين الخلف والد (حسين، واحمد، ومحمد، وإبراهيم) وعبد الله بن حسين الوباري (الخلف) والد (علي، وحسن، ومحمد، ومؤيد، وزكي، وعبد الواحد) حتى أقاربهم أمثال: أسرة العلوان، ومنهم : محسن العلوان (أبناؤه راضي، وأحمد، ومحمد، وعبد الكريم) وعبد الله بن سعود العلوان (نسيب علي بن حسين الخواهر) وأبناء علي المليحي (المرحوم علي ، وأحمد)، وأسرة سلمان الحمدان ( داود، ومحمد، وعلي)، وكان أبناء الخواهر مجاورين: صالح الخواهر، وأبنائه علي، وأحمد، وعبد الله، ومحمد، وعلي بن حسين الخواهر (ثابت) والمرحوم أحمد بن علي القويضي (والد علي، وجاسم)، وحسن القويضي، وعبد الله القويضي، ومحمد القويضي البدري.

– **بالنسبة لجوابك السابق أوضحت سبب هجرتكم من العمران، التي كانت بسبب زحف الرمال وكثرة المياه إذا كيف تعايش الأهالي مع تلك المشكلة؟* *

– حلت المشكلة بجهود الوجيه محسن العيسى، فقد أخذ هذا الرجل على عاتقه تحمل مسؤولية الاهتمام بالأسر المتضررة، ومعالجة زحف الرمال الذي كاد أن يودي بمنازل العديد من الأسر، فالمرحوم محسن العيسى تحمل الكثير من المعاناة، ودفع أموالاً كثيرة من جيبه الخاص في سبيل علاج تلك المشكلة، وهذا الرجل لم يتوافر له مثيلاً في المنطقة، لا في زمانه ولا في زمننا الحالي، وهو من الشخصيات الجسورة العصامية، كريم الخلق ناصح لأهل بلده، وحياته كلها عطاء وخير، ولذلك شد رحاله إلى الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود فنقل له تفاصيل المشكلة، وذكر له مشاعر الأهالي ومعاناتهم من زحف الرمال الذي كاد أن يغطي بيوتهم ويهدد حياتهم، وبفضل نقل الواقع المأساوي لأهالي العمران للأمير فيصل اهتم بأمور المواطنين، وأمر بعمل اللازم للحفاظ على حياتهم.
وبمجرد مغادرة محسن العيسى مجلس الأمير فيصل أرسل إليه بمن يبشره بأنه مهتم بشأن المواطنين بمدينة العمران وما يعانونه من زحف الرمال، وقد سلم أحد المقاولين مشروع منع زحف الرمال الذي يعالج تلك المشكلة، وبعد أيام بدأ العمل في المشروع حتى تمت معالجة الزحف بشكل سريع.

– **يظهر لنا من سيرتك الذاتية أن والدك من الخطباء الحسينيين ،فلو طلبنا منك مقتطفات عن سيرته وكذلك ممن برز منهم في مدينة العمران في الزمان القديم؟ **

– والدي لا يختلف كثيراً عن غالبية الخطباء الحسينيين في زماننا القديم، فتعلم في بداية حياته القراءة الحسينية على بعض أساتذة زمانه كقراءة القرآن الكريم وحفظ القصائد الحسينية، بعدها بدأ القراءة الحسينية كمقدم لأحد الخطباء الحسينيين، وكانت طريقة تعلم الخطيب الحسيني القراءة سهلة ومشجعة لكثرة طالبيها. أما عن أبرز الخطباء الحسينيين في مدينة العمران فمنهم: الملا محمد بن حسين العلي، والملا علي بن محمد العلي، والملا صالح بن عباس السلطان، والملا علي بن أحمد العيسى، والملا عبد الله الخلف، والشيخ حسين الشايب، والملا حسن بن الشيخ حسين الشايب، والسيد علي بن السيد حسين الياسين، والسيد محمد بن السيد علي الياسين.

– *لكل شخص في حياته بصمات وواقفات حدثنا عن كفاحك أيام الشباب*.

– عملتُ في بداية حياتي بالزراعة، وكان يطلق على من يملك مائة نخلة أنه غني، وقد برز من ملاك المزارع أسرة الخليفة في مدينة المبرز، وأسرة آل أبي خمسين والعامر والحسين بمدينة الهفوف، والخميس بالحليلة، والسيد العبد المحسن في بلدة القارة، وبن حبيل في بلدة الطرف، وبن عقيل في بلدة الجفر، والعلي في مدينة العمران، وغيرهم.
ولما انتقلنا إلى بلدة المنصورة وبعنا مزارعنا بدأنا نمارس أعمالاً عدة، ولقد انتشر في زماننا السابق الفقر والمرض، ولعل ما كان يخفف عليهم مصائبهم أن الأهالي كانوا في تعاطفهم وتعاونهم أفضل من زماننا.

– **لو تطرقنا للعمودية في مدينة العمران، من الشخصيات التي تولت زمام تلك المسؤولية في بلادكم؟ **

– محمد الأحمد العلي، وحسن بن حسين العلي، وعيسى الحسن السليم، ومحمد بن عيسى العلي.
– أما في المنصورة: أحمد العلي النجيدي، ثم عيسى بن عبد الله السلطان.
– وأما عن وجهاء العمران: عبد الله بن الشيخ معتوق العلي، وجواد بن الشيخ عمران العلي، وعلي بن علي السلطان، وعبد الله بن حسن السلطان.

– **يقال: إن هناك نخبة من طلبة العلوم الدينية كانت تتردد على بلدة المنصورة لإقامة صلاة الجماعة، من تتذكر منهم؟* *
– الشيخ أحمد البوعلي، والشيخ محمد الجبران، والشيخ عبد الله الدندن، والشيخ عبد المجيد البقشي، والسيد عدنان الهادي، ثم طلب السيد علي بن السيد ناصر السلمان والأهالي من الشيخ حبيب الهديبي إقامة صلاة الجماعة، فوافق على ذلك بعد إصرار السيد عليه.
– موقف في الذاكرة.
– عندما كنا في بلدتنا بالعمران كان الأهالي يعتمدون على كلب للحراسة من العدو الذي يسعى لنهب البلاد، وكان يسمى ذلك الكلب (بعبيد)، وكان يمنع دخول الأجانب إلى مدينة العمران، سمع الكلب صوت ذئب في إحدى المرات، فذهب وتصارع معه ثم رجع وجسمه ملطخ بالدماء، فبدأ الأهالي يقدمون له الأكل لتحميسه وتشجيعه على قتل الذئب، فزاد نشاطه وتوجه إلى الذئب وقتله، وفي إحدى السنوات سقط المطر الكثيف بشكل متواصل لمدة اثني عشر يوماً، وأصبحت العمران بحيرة، مما جعل الأهالي يخرجون من منازلهم، وبعد( 24) يوماً خرج الزرع في مختلف المناطق الصحراوية ببركة ذلك المطر.

*- حدثنا عما تعرفه عن كل* من:
1- الشيخ عمران العلي السليم: الأب الروحي للعمران، حارس الأهالي وشجاعها، كان من اهتمامه تكليف بعض الأفراد على أطراف العمران، بهدف حمايتها ممن يريد الدخول إليها للاستيلاء على ممتلكات الأهالي، كان محباً للناس جميعاً ولا يفرق بين غني وفقير ويهتم بالكل.
أما عن مشاريعه الدينية فقد كان يقوم بدور المرشد الديني للمجتمع، فيعلمهم الأحكام الشرعية، ويصلح بين ذات البين، كما كان مهتماً بأمور الرعية ويخاف على دينهم، وكان يقدم كل ما يملك من فكر وجهد ومال من اجل راحة الآخرين.
2- الشيخ معتوق بن الشيخ عمران السليم: سمعتُ من والده الشيخ عمران قوله(إن ولدي الشيخ معتوق أفقه مني)، كانت دراسته العلمية بالحوزة العلمية بالنجف الأشرف وبجوار أمير المؤمنين(ع)، وعندما رجع إلى أرض الوطن بإحدى سفراته، قرر أن يتدرب على القراءة الحسينية ليصبح خطيباً حسينياً، فقال له والده: أنا طموحي فيك عالم دين، وليس خطيباً حسينياً فرجع بذلك مرة أخرى إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، فتبحر في العلوم الدينية أكثر.
3- الشيخ محسن الفضلي: عرف بورعه وتقواه، وسمعتُ من مواقفه أنه في إحدى سفراته كان في سفينة برفقة زوجته ومجموعة من السائحين، فكان بداخل إحدى غرفها فسمع أصوات المسافرين يصرخون بأننا نغرق ….فخرج الشيخ محسن من غرفته إلى أعلى الباخرة، وشرع في الدعاء ومن جميع أطراف السفينة، فزال الفزع واستقر وضع الباخرة، وهذا ما يدل على تقواه.
4- المرجع الديني السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان: عندما طلب منه الانصياع لأوامر أحد القضاة لم يقبل بذلك، فجاء إلى الشيخ موسى آل أبي خمسين رافضاً ذلك التصرف، فقال له الشيخ موسى: نحن شعرة بيضاء في كبش أسود، واصبر كما صبر جدك.
5- الشيخ حسن الجزيري: من الأتقياء، وعندما نعبر عند بوابة منزله ليلاً نسمع بكاءه في صلاة الليل، لما توفي ابنه الشيخ عبد الحميد بعد اثني عشر عاماً من وفاته، وأردوا دفنه بمقبرة البقيع بجواره، شاهد المؤمنون جسمه طرياً، وكأنه ميت للتو.
6- الملا أحمد الرمل: عنده ملكة في إدرار الدمعة، فقد كان منبره فيه الكثير من الطرفة ولكنه سريعاً ما يستغل ذلك بتحويل المشهد إلى العبرة على أهل البيت(ع).
من طرائفه: كان يقرأ مأتماً حسينياً ليلة عيد الفطر السعيد عند الشيخ حسن الجزيري، وكان المؤمنون ينتظرون الإعلان عن ثبوت عيد الفطر، وإذا برجل نام أثناء قراءته الحسينية، فخرج من ذلك المستمع النائم ما ينقض الوضوء، وبصوت مزعج فقال الملا الرمل:
لقد هلّ العيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى