أقلام

ملائكيّ لا يموت

ناصر الوسمي: الأحساء

فِي النّـاسِ أنتَ فَرَادسٌ وَمَـلاكُ
لا تَـرتَـقِـيْ لِـنَـقَــائِـكَ الأَشْـــوَاكُ

أَحدَاثُ عُـمْرِكَ ثَوْرَةٌ ضِـدَّ الخَـنَا
وَحِـكايَـةُ الأَبْـطَـالِ مِـنْكَ تُحَـاكُ

وَصَلاتُكَ الطُّهُرُ الشَّفِيفُ بفَيضِها
تَشْـتَـاقُ نَـبْـعَ صَـفَـائِها النُّــسَّـاكُ

تَعلُو وَتَعلُو وَالنُّجُومُ لَكَ انْحَنَتْ
بِمَـدَاكَ تَعـشَـقُ سَـيْرَها الأَفْـلاكُ

حينما يُولدُ الملائكيُّون على صُورةِ بشر، تتجلّى أزهى وأبهى معاني الإنسانيّةِ والعطَاء، والعظمةِ والصّفاء.

يُولدون فيملؤونَ مُحيطَهمْ نُبلًا وتودّدًا وبهاء.

وتكون بيوتُهم أعشاشاً للملائكة، ومهبطاً لوحي الإخلاص والتّفاني والسّخاء.

ويُجَسّدون أسمى صورِ الخلود بعطاءاتهم ونفوسهمِ العاليةِ الشّامخة.
ومن بين هؤلاء الملائكيّين فقيدُنا الراحل الأستاذ زكريا بن صالح السّالم.


وُلدَ الأستاذ زكريّا في اليوم التاسع عشر من شهر شوال لعام 1401 هـ – في بلدة الجرن – شمال الأحساء

وتربّى في كنفِ والديهِ الكريمين وأبناء عشيرتهِ المعروفين بخلقهم وتقواهم وسجاياهم الطيبة والسّبّاقين للخير والجود والسخاء ويبدأون الناس بالتودِّدِ والسّلام.

نعم، هو ذلك الشّاب الذي تربّى على الخُلقِ والخصالِ الحميدة، وعُرف بالنُّبوغِ العلمي حتى ترعرعَ وأصبحَ أنموذجاً للشاب المؤمن والطموح، وقد التحقَ بالمدارس في مراحلِها الثّلاث: الابتدائيّةِ والمتوسطةِ والثّانوية في بلدة الجرن، وبرزَ وتفوّقَ على أقرانه وأترابهِ الذين زاملُوهْ وعاصَرُوه، إلى أن التحقَ بجامعة الملك فيصل بكلية العلوم، وتخرجَ مختصّاً في الرياضيات، عُيّن مدرساً بمدارس الأحساء عام 1425 هـ.

تَخلّلَ هذه الفترة من المرحلة الجامعية والمرحلة المهنيّة العديدُ من الإنجازات في العمل الخدَمي على مستوى عشيرته بشتّى مجالسهم ومحيط مجتمعه الواسع والمتّسِع بإدراكه الذكي، وحِسّهِ الاجتماعي الكبير ، وطموحِه العالي، حتى اشتغلَ في الصّحافةِ وكان متفوقاً وبارزاً فيها، وحقّقت له انتشاراً واسعاً ورواجاً بين البلدان.

وكان واحداً من الشّبَاب النّاهضين الذين حفَلَتْ بهمُ الجرن .. اجتماعيّاً وثقافياً وإعلامياً من الطّرازِ الأول.
فقد عملَ في اللجنة الثقافية في بلدة الجرن، وكان له دورٌ كبير في إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام والندوات الثقافية والمناشط الاجتماعية، وكان عضواً مؤسِّساً في كيان عدسة بلدة الجرن في انطلاقتها الأولى، بما يمتلكه من حسٍّ إعلامي وعشقٍ للكاميرا في التقاط الأحداث وتوثيق أهم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والدينية.

ولم يقتصر نشاطُه على بلدة الجرن، بل اتّسعَ نشاطُه على مستوى محافظة الأحساء حيث عمل في نادي القارة الرياضي في الجانب الإعلامي وكذلك بصحيفة جواثا الإلكترونية.

وكما كان متميزاً متألّقاً في المجتمع، فقد كان مثالاً رائعاً للأبِ الحاني على أفراد أسرته وأخاً مخلصاً بين إخوته وبارّاً بوالديه بشكلٍ يُظهرُ إجلالَهُ ومحبتَهُ لهما.
وكانَ أيضاً صديقاً وفياً لأصدقائهِ الذين عاصرَهَمْ وعاصَرُوه بما يتحلّى من دماثةِ أخلاقٍ وحلاوةِ حديثٍ وطيبِ المعشر.

وفي لحظةٍ من أمَرِّ اللحظاتِ وصدمةٍ دكدكتْ أرجاء البلاد وافاه الأجل في اليوم الواحد والعشرين من الشّهر الذي وُلدَ فيه، شهر شوّال عام 1442هـ، عن عمرٍ ناهز الواحد والأربعين عاماً، بعد معاناةٍ طويلة ومريرةٍ مع فايروس كورونا (داء العصر).

رحلَ الأستاذ زكريّا بعدَما ملأَ حياتَهُ وحياةَ مُحبّيهِ ومُريدِيه بالنُّبل والعطاء والبذل والسَخاء.

نعم، هو زكريّا الملاكُ الذي لا يموتُ.

فرحمَك اللهُ يا أبا مجتبى .. وسلامٌ عليك يومَ وُلدتَ ويومَ دُفنتَ ويومَ تُبعثُ حيّا .. مع النبيّ محمدٍ (ص) وآله الطيبين الطاهرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى