أقلام

بابا العظيم

عبدالباري الدخيل

هناك قصة روتها لنا الأمهات، وسمعناها في المجالس، أن أبي صارع قرشًا، واستطاع النجاة من بين أسنانه.

لو كانت القصة عن غير أبي لكذّبتها، أو اتهمتها بالمبالغة، فالبحارة يروون قصصًا عن البحر وحورياته وعالمه ما يجعل الخيال يسيطر على الواقع ويختلط به، إذ ذاك يصعب الفصل بينهما.

لقد سمعنا ذات مساء قصة الرجل الذي تزوج من حورية البحر نصفها العلوي فتاة، والنصف الآخر سمكة.
لم يشك أحد بقصة صراع أبي مع سمك القرش فلديه سن سمكة معلق في رقبته، وجرح غائر في كتفه.
لقد زارني مرة كابوس أزعجني، رأيت أبي يصارع القرش والبحر معًا، كانت الأمواج عاتية، والصراع محتدم، حتى اختلطت عليَّ ملامح الجميع، واستيقظت فزعة.

أعطي أبي بسطةً في الجسم، طويل في ارتفاع رجل ونصف، وضخم كأنه جبل يمشي على الأرض، ويستطيع بيديه القويتين رفع حمار عن الأرض، وقد أحرقت الشمس بشرته، وسلبه الجدري إحدى عينيه، وكان يلقب بـ (النوخذه الجبار) وكان كذلك في هيبته.
قال عنه خالي حسن أنه مهاب كالعباس فإذا دخل مجلسًا استدارت الرؤس ناحيته.
كان – رحمه الله – يلامس شعري ويهمس: “شعرش سايح ما تعطيني منه شوي اخش صلعتي؟”
لم تكن يده الخشنة بسبب العمل في البحر تجرح بشرتي الرقيقة، بل كانت تحفر أخاديد الفرح وتنشر السعادة في زوايا الروح.
يده يد الحب والرحمة، فهي في الظاهر متشققة بسبب جفاف الحياة وقسوتها، لكنها في الواقع نهر مشاعر تكنس كل تعب الدنيا بمجرد مرورها سريعاً على رأسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى