أقلام

برستيجي ما يسمح لي

طه الخليفة

كانت هناك عائلة في رحلة سياحيّة إلى إحدى الوجهات السياحيّة خارج الوطن، هرباً من حرارة الصبف، ناشدةً الترفيه، وقضاء وقت جميل.

في أحد أيام تلك الرحلة، توجهّت العائلة إلى أحد المتاحف، وعند الوصول أوقف الأب الكهل السيارة في مواقف المتحف، ونزل الجميع استعداداً للذهاب باتجاه شبابيك حجز التذاكر. لاحظ الأب أن طرف قميصه خرج من داخل البنطال، وأن ذلك قد انتقص من هندامه قليلاً. التفت يميناً ويساراً، فلم يشاهد أن هنالك الكثير من المارّه، فقام بالاختباء بجانب السيّارة، وفتح حزامه وأنزل البنطال قليلاً، ليعيد طرف القميص داخل البنطال(دأه أديمه). في تلك اللحظة صاح الأبناء في الأب: “لا بابا نرجوك، لا تفعل هذا هنا، واحمرت واصفرت الوجوه”. الأب كان يعرف أن فعله خارج عن المألوف، ولكنّه استغرب من حجم ردة الفعل من الأبناء، وأخذ يقول “شدعوه، كلّها فكة حزام وإدخال قميص، ليش كل ردة الفعل هذه؟”. ردت الابنة: “بابا برستيجي ما يسمح لي.” فرد عليها الأب مبتسماً: “سلامة برستيجك، ما أعيدها إن شاء الله.”

دخل الأب منتقص”برستيج” العائلة، والمتسبب في إحراجها، إلى المتصفّح في جهازه الذكي، وبحث عن معنى “برستيج”، فوجد أنها مفردة مأخوذة من اللغة الإنجليزيّة(Prestige)، وتعني:

” اِحْتِرَام ؛ اسْم ؛ اعْتِبار ؛ أهَمّيّة ؛ تَأثِير ؛ تَقْدِير ؛ جَلال ؛ جاه ؛ حُظْوَة ؛ دَرَجَة،….” وما شاكلها، ولعلّ المعنى الحقيقي خليط من ذلك كلّه، ويمكن اختصاره بالمظهر العام للشخص وفق العرف السائد، وموقعه الاجتماعي، ووفقاً لهذا المعنى، فإن الأب كان يعتني بـ.. “برستيجه” حين فعل ما فعل، ولكنّه أضرّ بـ.. “برستيج” بقية أفراد العائلة.

استمرّت الرحلة في بهجة وسرور، وعبارة “برستيجي ما يسمح لي” كانت تتكرّر بنوع من الدعابة في مواقف متفرقة، مثل عندما يصيح طفل في مطعم راقٍ، أو أحد الأبوين يأخذ أحد الأطفال لدورة مياه (أجلّكم الله)، أو أحد الأبناء يقترح اقتناء ملبس لا يناسب سن الأب، فأحد أفراد العائلة يقول “أهم شيء البرستيج”، وآخر يقول “خليت برستيجي بالسكن، فرصتي آخذ راحتي”، و ما شاكل. ويقول ربّ الأسرة الظريف، أن مقولة “برستيجي ما يسمح لي”، صارت أحد عناوين الدعابة عندهم في العائلة.

هناك مثل عربي يقول: “كما تدين تدان”، وهنا نأتي لمواقف متكررة في المجتمع التي قد يهدر فيها “البرستيج”، ونود أن نلفت نظر جيلنا الصاعد، والحبيب إليها:

١-توقير الكبار هي من صفات مجتمعنا الحميدة، التي حافظ عليها الأجداد، والآباء، ومن أبرز أمثلة ذلك هو إظهار الاحترام لهم عند الحديث، وإفساح أماكن الجلوس لهم في صدر المجالس، وتقديمهم عموماً في الخدمة والأولويّة، ونتمنى أن يستمر ذلك. عدم توقير الكبير ينافي موروثنا الإسلامي، و”برستيج” المجتمع، وينقص من “برستيجكم وبرستيجنا”.

٢-سلوك كل من الفرد، والجماعة يخضع في تقييمه للأعراف السائدة في المجتمع، والعرف هو أحد ركائز استنباط الأحكام الشرعيّة، فالشذوذ عن الأعراف في السلوك والمظهر، على الأقل غير لائق “برستيجيّاً”، إن لم يكن مخالفاً للتشريع الإسلامي.

٣- قد تسود المجتمع أحياناً ضغوط، ومظاهر جديدة، كالموضة، أو مايروّج له عبر الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وينجرف وراءها الكثيرون، وتكون مخالفة لأعراف، و”برستيج” المجتمع الأصيل، لكن فليعلم أبناؤنا أن هذا فيه انتقاص من “برستيجكم” و”برستيجنا” نحن الآباء والأمهات.

٤-لا يخفى على الجميع أن ضغوط الجانب الاقتصادي عالميّاً في ازدياد، وأن كثيرا من الأسر أحسّت بذلك الألم، وهنا تقع المسئوليّة على الجميع في التعاون من أجل تلبية حاجات الأسر الضروريّة، وعدم الإفراط في رفع سقف “البرستيج” في الترفيه، والمقتنيات، والمظاهر الاستهلاكيّة.

وختاماً، ندعو الله سبحانه أن يوفقنا، ويوفقكم في المحافظة على “برستيجنا” الأصيل، وعدم خدشه كما فعل الأب بإنزال البنطال قليلاً لإدخال القميص، وكل عام و”برستيجكم” بخير.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. عزيزي
    جميل جداً ولفته حلو منك في هذا الجانب
    التصنع وتقليد الغراب لمشية الحمامه مشكلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى