أقلام

اقتناص (٢)

السيد فاضل آل درويش

ورد عن مولاتنا الزهراء (ع): اللهم اجعل غفلة الناس لنا ذكرًا )(صحيفة الزهراء ص ١٥٠).

البقاء في محورية الوعي والنباهة رغبة ملحة في النفوس للوقاية من التعثّر أو السقوط في حفر الأهواء الطائشة والشهوات المتفلّتة، والتي يمكن أن يقع فيها الفرد في محطات الغفلة والجهالة وتنكّب خطى التعقل والتروي والحذر والنظر في عواقب الأمور وآثارها، ومن تلك العوامل المؤثرة إيجابًا في حالة الوعي والنضج العقلي هو اتخاذ حالات النكبة الأخلاقية والأخطاء الصادرة من الآخرين فرصة لاستذكار مخاطر الغفلة وما يمكن أن تجلبه له من أضرار وخسائر، فإذا لم يكن هناك للمخطيء من عذر فإنه ينتفي تمامًا عنا وقد وجدنا أمامنا حالة سقوط وانهيار، وإذا – لا سمح الله – وقعنا في الخطأ مثله فإن تكرار الأخطاء والممارسات والتصرفات بعد وجود البينة ماثلة بين أيدينا يعد خسارة مضاعفة.

الوسط الحيوي والنشط لحالة الغفلة وانشغال العقل عن التفكير الواعي هو التعلق بالمظاهر المادية، ومن ثَم الانتقال إلى طبقة مظلمة أكثر من ذي قبل وهي عقد المقارنات المالية والمهنية والدراسية مع الآخرين بما يخلق في نفسه مشاعر سلبية تشكل نواة الكراهية والأحقاد، وتهذيب النفس في هذا الوسط الموبوء بحب الماديات ليس بالأمر السهل ولكنه بالتأكيد الطريق الأصوب لتحقيق السلامة والراحة والهدوء النفسي، كما أن الفرد يتحرك بسهولة في طريق تحقيق تطلعاته بعيدًا عن الانشغالات الضارة، وخصوصًا إذا ما اقتنص الفرص السانحة ومنها أخذ الدروس والعبر من أخطاء وتقصير الآخرين؛ ليحوّلها إلى مساحة من تفكيره الواعي وضميره اليقظ فيتحول الظاهر من الأحداث إلى خلفيات تربوية يتحقق فيها آماله القدراتية ونموها وازدهارها.

ما هي الأضرار التي يمكن أن تلحق بالفرد من آفة الغفلة وغياب مجهر محاسبة النفس وتفحص ما يصدر منه بنحو مستمر؟

أولى الأضرار هو تسرّب الآفات الأخلاقية – بتنوعها – إلى بنائه النفسي كالكسل والتخلي عن المسؤوليات، كما أن تضخّم الذات (الأنانية) تنعكس على تعامله وعلاقاته بالآخرين حتى يصبح كالطبل الأجوف، ففي حين يرى نفسه مميزًا ولا يمكنه الوقوع في خطأ يرى الآخرين بعين القزمية والدونية.

ومقطع الدعاء الوارد عن مولاتنا الزهراء (ع) هي صرخة توعية لتنقية النفس من ملوثات أخلاق البيئة المحيطة به، بل تتحول تلك الآفات إلى باعث يحرّكه ويحفّزه نحو الاتزان والاستقامة والنزاهة النفسية، وليس معنى ذلك تحوّل النزاهة واليقظة الفكرية والسلوكية كردة فعل لممارسات الآخرين من حوله فقط، بل نبتة الفهم والرشد واليقظة موجودة في نفسه وإنما هو تنوّع في موارد اكتساب الدروس والتعلم منها.

التربية الوقائية من تسلل فيروسات أخلاقية نهشت ونخرت في البنية الأخلاقية للغير هو ما يتحرك باتجاهه الطالب للنجاة والنجاح، وخصوصًا أن الأضرار الناتجة عن الغفلة متعددة، ومنها تبلد الأحاسيس وضعف الهمة تجاه الأمراض الأخلاقية والتصرفات غير التربوية، واليقظة تعني وجود طاقة إيجابية بنحو مستمر نحو شق الطريق إلى التكامل والألق النفسي والأخلاقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى