أقلام

ثقافة القرف الاجتماعي

جواد المعراج

تخيل العيش في مجتمع إنساني يتبنى أفكارًا متطرفة ويعيش في بيئة تسود فيها الخلافات والعداوات دون وجود أطراف مسؤولة عن هذه البؤرات المريضة والفاسدة التي تنشأ بسبب تعود تلك الطبقة على ممارسة دور المتفرج تجاه كل مشكلة، ولأن الخوف والغفلة الزائدة ينتج عنها تراخٍ عن تطويق المواقف الانفعالية والخصومات التي تنتج عنها العصبية والضغوطات النفسية.

دور المتفرج سبب رئيس لحالة الإنهزام الداخلي أمام التعامل والتعاطي مع المحيط الاجتماعي الملئ بالمصاعب، فالشخصيات المتفرجة تتجنب تحمل المسؤولية وتتهرب من الأوامر الصادرة من أصحاب النفوذ الاجتماعي القوي وتلبية الخدمة في البيئة المجتمعية التي يتغلغل فيها العنف والأمراض الاجتماعية، نظرًا لتكريس وتخصيص أوقات لإثارة الفتن عوضًا عن العمل على التخلص والقضاء على البذور الفاسدة، من أجل تهيئة أجواء الإصلاح والتفاهم دون وجود ضغوطات وطريقة تفكير سلبي تضع حاجزًا أمام التقدم والتطور الفكري.

ولأن الضغط ينتج عنه التوتر والخوف الشديد الذي يكون عنصرًا رئيسًا في توسع وانتشار ثقافة القرف، من هنا تتحول الأحاسيس والمشاعر السلبية إلى التوجه للبحث عن الهفوات والزلات وممارسة الاستفزاز والغضب المستفحل نحو الآخرين، من خلال استخدام مختلف الوسائل الساعية لتخريب المشاريع الإصلاحية في البيئة الاجتماعية. فالتخريب مرض نفسي يدمر التماسك في البيئة الاجتماعية ويؤدي للتفرقة بين مختلف الأطراف سواء كانت بعيدة أو قريبة.

ثقافة القرف مرتبطة بوجود خلافات سابقة (ملفات قديمة) أو انفعالات عصبية أو أحقاد دفينة مبرمجة على الهجوم والهمجية وإفساد مشروع إصلاح ذات البين، بالأخص عندما يكون هناك أفراد أو جماعات تتبع منهج الفجور في الخصومة والتسقيط والتشهير على نطاق واسع مما يسبب انتقال العدوى بين شرائح اجتماعية أخرى، نظرًا للشعور بحالة من الارتباك والابتعاد عن تحمل المسؤولية، وبالتالي ضعف القدرة على النهوض والحركة وحل المشاكل.

وسبب انتقال العدوى والقرف هو وجود أطراف تحرض وتشجع أطراف أخرى ممارسة التخريب بدلًا من اقتناص الفرص في مواجهة النوازع الشيطانية فالشيطان الخبيث يعمل بكل قوة على الاستغلال السيئ لعقول الأفراد أو الجماعات التي يمكن أن يقال عنها: توجهت لعبادة الشيطان واتباع الأوامر الصادرة منه، فمثل هذه العينات كيف يمكن أن تكون عنصرًا فاعلًا في صنع المعروف بين الناس والمسارعة في فعل الخير عوضًا من المسارعة في ممارسة الغيبة والنميمة والإفساد بين الآخرين؟

تبقى المواجهة لثقافة القرف مرتبطة بوجود أطراف مسؤولة عن الاحترابات والخلافات في كل مجتمع مما يسبب حالة الاستعداد وعدم الشعور بالخوف لدى أصحاب النفوذ الاجتماعي والمسؤولين المتعاونين على إعادة المياه إلى المجرى الطبيعي، مما يعطي ذلك القدرة على تعزيز التفاهم والتواصل مع الأطراف البعيدة والقريبة وبالتالي انتشال العدوى المدمرة المشابهة للقذائف الصاروخية التي تكون على هيئة الاستعداد للاستماع لأصوات أصحاب القلوب المريضة بداء الفتن، ولا ننسى الشياطين البشرية في الساحة الثقافية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى