أقلام

الإمام الرضا عليه السلام ومواجهة الغلاة

زاهر العبد الله

قال تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) }التوبة

كان دور أهل البيت ولا يزال محاربة الفرق المنحرفة وأصحاب العقائد الفاسدة، ومن ضمنهم الغلاة الذين اتخذوا أهل البيت عليهم السلام أربابًا من دون الله، أو تعظيمهم إلى حد تفويض الخلق إليهم بنحو الاستقلال أو يرزقون ويخلقون من دون الله مستقلين بذلك.

وقد كثرت تعاريف الغلو في اللغة والاصطلاح لتعدد صنوف العلم فيه.

ولو أخذنا من الجانب الديني بتعريف يجمع بين الفرقين،

فهو تجاوز الحد في التعظيم المبالغ في الشيء أو التقصير المبالغ في الشيء، كما ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام

(هلك فيّ اثنان محبّ غالٍ، ومبغض قالٍ).

ولللغلو ثلاثة أشكال:

[غلو في محبة أهل البيت (ع) – غلو في التقصير عنهم ـ غلو في التصريح بمثالب أعدائهم] والغلو في محبتهم

أن تعتقد بأنّ الأئمة (عليهم السّلام) آلهة يعبدون من دون الله، وهو كفر وشرك عظيم، وقد تبرّأ الأئمة (عليهم السّلام) ممّن ادّعى الربوبيّة فيهم، ولعنوهم، وحذّروا شيعتهم من الارتباط بهم، ووضعوا ضابطة في التعامل مع محبتهم ووضعهم في مكانتهم من العبودية للحق سبحانه وتعالى مثل

وفي تفسير الإمام، عن أبي محمد العسكري، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم، ولا تغلوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى، فإني بريء من الغالين).(١)

وورد عن كامل التمار قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ذات يوم فقال لي: يا كامل اجعل لنا ربا نؤوب إليه ؟ وقولوا فينا: ما شئتم. وورد عنهم.(٢) وروي عن الصادق عليه السلام (اجعلونا عبيدًا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم)(٣)

وفي دعاء الإمام الرضا (عليه السّلام)[ اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، اللهم من زعم أنا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق، فنحن براء منه كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يدعون ولا تدع على الأرض منهم ديارًا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا ](٤)

وللإمام الرضا عليه السلام

أدوار في ذم الغلاة والتحذير منهم، فقد تصدى الإمام لكل الفرق والتيارات المنحرفة التي تأسست أو وجدت في زمانه، ومن أبرزها:

١-حركة الغلو والغلاة، وقام بالرد على جميع ألوان وأقسام الانحراف العقدي والفكري لها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى.

٢-وله ردود عديدة على الغلاة والمجسمة والمجبرة والمفوضة

٣- الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.

ودعا الإمام الرضا عليه السلام إلى مقاطعة المنحرفين عقائديًا كالغلاة والمجبرة والمفوضة مقاطعة شاملة وكلية لمنع تأثيرهم السلبي في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى آبائه الأطهار.

فقال: «الغلاة كفار والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم، أو شاربهم، أو واصلهم، أو زوجهم، أو تزوج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة، أو صدق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وولايتنا أهل البيت.

ومن أقوال الرضا عليه السلام:

(لعن الله الغلاة إلا كانوا يهودًا، إلا كانوا مجوسًا، إلا كانوا نصارى، إلا كانوا قدرية، إلا كانوا مرجئة، إلا كانوا حرورية. ثم قال (ع)لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم، برئ الله منهم(٥)

ومن الغلو: التصريح علنًا بمثالب أعداء أهل البيت عليهم السلام، بحيث يتحدث عن أهداف الغلو والغلاة ونسبتها إلى أهل البيت؛

فقال: «إن مخالفينا وضعوا أخبارًا في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام:

أحدها: الغلو.

وثانيها: التقصير في أمرنا.

وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.

فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإن سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم، ثلبونا بأسمائنا، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ(١٠٨)﴾الأنعام.

وقال:[إنما وضع الأخبار عنا، في التشبيه والجبر الغلاة، صغروا عظمة الله تعالى، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا](٦)

أما الحد الأوسط في التعامل مع فضائل أهل البيت عليهم السلام فهو كما قال الإمام الرضا عليه السلام حينما لقي المأمون العباسي، قال المأمون العباسي للإمام الرضا عليه السلام : بلغني أن قوماً يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم الحد!

فقال عليه السلام: (حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً، قبل أن يتخذني نبيًا، قال الله تبارك وتعالى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ(٧٩)}آل عمران.(٧)

إن الإمام الرضا عليه السلام

تصدى للغلاة وأفكارهم المنحرفة بكل قوة وحزم، محذرًا من الانسياق وراء أفكارهم، ومبيِّنًا للأمة خطأ منهجهم، وآمرًا بمقاطعتهم حتى يمنع أي تأثير سلبي لهم على المسلمين.

المصادر:

(١) مستدرك سفينة البحار – الشيخ علي النمازي الشاهرودي – ج ٧ – الصفحة ٥٣.

(٢) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢٥ – الصفحة ٢٨٣.

(٣) مستدرك سفينة البحار – الشيخ علي النمازي الشاهرودي – ج ٧ – الصفحة ٥٣.

(٤) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢٥ – الصفحة ٣٤٣.

(٥) عيون أخبار الرضا (ع) – الشيخ الصدوق – ج ١ – الصفحة ٢١٩.

(٦) عيون أخبار الرضا (ع) – الشيخ الصدوق – ج ٢ – الصفحة ٢٧٢.

(٧) عيون أخبار الرضا (ع) – الشيخ الصدوق – ج ١ – الصفحة ٢١٧.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى