أقلام

خصخصة القطاع الصحي والتعليمي !!

أمير بوخمسين

إذا كانت وضعيتنا الراهنة على صعيد العالم المتأثرة بجائحة كورونا، وارتباطها بالتفكير الجماعي الذي نسميه عولمة، أمراً غير مسبوق في تاريخ العالم، فاللحظة مهما كان قصرها أو طولها، فإنها أثرت بعمق في العالم أجمع، ونحن لم نخرج بعد من هذه الجائحة وتداعياتها وآثارها المستقبلية، ما يقتضي منا إيجاد آليات جديدة للتفكير في المستقبل.
إذ أثبتت الأزمة ضعف الكثير من الدول وهشاشتها كبيرها وصغيرها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولم تجدِ كل الوسائل والإمكانات الجبارة التي تمتلكها هذه الدول في مواجهة هذا الفايروس، بل أصبحت عاجزة بكل المقاييس أمام هذا المجهول الذي لا يرى بالعين المجردة فحسب، بل يحتاج إلى الميكروسكوب الدقيق ذي التقنية العالية لرصده.
هذه أمريكا وأوروبا وبقية دول العالم تعيش حالة التخبط والانهيار في أنظمتها الصحية، نتيجة لعدم تعاطيها بجدية منذ بداية الأزمة، وأخذ الأمور على محمل الجد، ما أدى إلى حدوث الكوارث الإنسانية وازدياد حالات الإصابات والوفيات المستمرة إلى هذه اللحظة، فلم تعد هذه الأنظمة الرأسمالية في أمريكا وأوروبا حامية الحقوق والمدافعة عن الإنسان إلا وانكشف وجهها الحقيقي من الجشع وعدم الرحمة في التعامل مع الإنسان، حيث تحوّل الإنسان لديهم إلى رقم، وكم يملك من هذه الأصفار، من أجل أن تصبح له قيمة، تتم خدمته على حسب الأرقام التي يمتلكها، ودون ذلك فلا قيمة له.
هذا في الجانب المادي، أما بالنسبة إلى الجانب الإنساني، فأغلب القيادات في تلك المجتمعات وبشكل واضح لا يقدّر الإنسانية بأن كبار السنّ لا داعي لمراعاتهم وبذل المجهود من أجل معالجتهم وليذهبوا للجحيم، وكأنهم عبء على المجتمع بعدما بذلوا الغالي والنفيس في خدمة بلادهم ودافعوا عنها بدمائهم، من خلال الحروب التي خاضوها في الماضي، وبنائهم لأوطانهم.
هذه العولمة وتبعاتها الرأسمالية وتحويل المواطن إلى أداة استهلاكية وقيمته بما يملك، وتحويل الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم التي تخص المواطنين إلى القطاع الخاص، أدى بها إلى عدم الاهتمام بمواطنيها والنظر إلى رأس المال لدى الفرد، وبالتالي عامل الربح هو المحور الرئيس وليس المواطن.
هذه الخصخصة قضت على باقي الفئات ذات الدخل المحدود التي لا تملك تأميناً طبياً، وليست لديها قدرة مالية للعلاج، وفي الوقت نفسه تحول القطاع الطبي إلى هدف ربحي بالدرجة الأولى، وليس النظر إلى الإنسان وحاجاته الرئيسة للعلاج.
الأوضاع المتدهورة والانهيارات في القطاعات الصحية التي رأيناها أمام أعيننا في بعض الدول، تحتّم علينا مراجعة سياساتنا تجاه الخصخصة في القطاع الطبي والتعليمي، ووضع الإنسان في أولويات واهتمامات الدولة الرئيسة قبل الربح، والمحافظة والإشراف على هذين القطاعين، وعدم تحويلهم إلى القطاع الخاص، نظراً لأهميتهما في بناء الدولة التي تقوم على الإنسان.
وما قامت به دولتنا خلال تعاطيها مع هذه الأزمة من اهتمام بالإنسان من الناحية الصحية، أثبت نجاح هذه السياسة في إدارة قطاع الصحة التي اعتبرت نموذجاً عالمياً، أذهل دول العالم والمنظمات الدولية التي أثنت على هذه الإنجازات والتدابير التي اتخذتها في حماية مواطنيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى