بشائر المجتمع

الشيخ السمين يتناول التوبة بمنظور نفسي.. ويقدم خطة عملية

بشائر: الدمام

نبه سماحة الشيخ محمد السمين على أهمية معرفة الفوارق بين المذنبين المرضى، والغير مرضى، مسلطاً الضوء على إمكانية تعديل السلوك، لاسيما عند أولئك الذين لم يطبع على قلوبهم بعد.

وذكر الشيخ السمين في محاضرته العاشورائية الثانية عشر مساء الأمس، أن الذنب يجسد بحثاً غير مشروع لاشباع الحاجات، مشيراً إلى نمطين من طرائق الاشباع أحدهما مشروع والآخر غير مشروع.

وأبان سماحته، أن الإنسان يستمر في اشباع حاجته غير المشروعة بين التردد والإقلاع عن الذنب؛ لافتاً إلى الندم من سلوكه غير المشروع، ممتداً إلى التوبة كـ سلوك خاص تمارسه الشخصية قبال الذنب مما يترتب عليه آثاراً عبادية.

وحول خطوات قبول التوبة وتعديل السلوك، أكد الشيخ السمين أن الندم الخطوة الأولى في قبول التوبة، إلى جانب التحسس بالألم وكأنه جبل جاثم على صدره، وإذاقة الجسم ألم الطاعة تكفيرا عن إذاقته حلاوة المعصية.

ونوه سماحته أن السر في الندم من الزاوية النفسية تتحقق من ممارسة الذنب والتي لا تتم في الغالب إلا بغلبة النزعة الشريرة عن الإنسان وتعجيله لاشباع الحاجة غير المشروعة.

ومن جهته، تطرق الشيخ السمين إلى نمط الشخص المرائي العامل خيراً من أجل الحصول على التقدير الاجتماعي من الآخرين.

وبيّن أن اكتساب اللذة عند الشخص المرائي تتمثل في تلك النشوة التي يتحسسها ويهتز لها عندما يمتدحه الآخرون، أو تتردد اسمه على الشفاه، أو يسمع صوته في المذياع، أو تشاهد صورته على صفحة التلفاز، وغيره من أشكال الضعف الإنساني.

وذكر أن أبسط ضياع عند مثل هذا الشخص هو تجاهله لحقيقة الله ونسيانه الهدف الذي يعمل من أجله، وعدم اكتراثه بالحقيقة الموضوعية التي ساقته إلى أن يمارس عملية الصلاة في أول وقتها، أو انفاق مال على الفقراء.

وقال: مثل هذه الشخصية لرغباتها، مما يعني
التي تتجاهل ماهو أساسي، وتعتني بما هو ذاتي، إنما تمارس اشباعا متعمدا انغلاق الخير في أعماقها، وانفتاح ماهو شرير فيها؛ وتبعاً لذلك، فإن الإحساس بالندم ذات يوم، على ما صدر من هذه الشخصية، مثل هذا الإحساس يعد يقظة ونقطة تحول في نزعاتها ومراجعتها لسلوكها وتأنيبا ً لجهازها القيمي الذي تحياه وتعيه تماماً.

وتابع مشيراً إلى الحديث المروي عن الإمام الباقر عليه السلام: كفى بالندم توبة؛ فالندم يعد مؤشرا يقظة وجدان، وإنكار للسلوك المهين، الذي يصدر عن شخص هنا وهناك؛ فإذا أنكر مثل هذا السلوك وتمنى لو أنه لم يصدر عنه، حينئذ يتحقق مفهوم الندم، وهو ما يحقق قبول التوبة مادام الندم يرشحه لعدم الوقوع ثانية في حبائل الشيطان.

وأضاف: هذا ما يؤكده أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: الندم على الشر يدعو إلى تركه، فالمرائي مثلا في الإنفاق سيدعوه التحسس بالندم إلى عدم المعاودة لمثل لهذا السلوك الخاطئ، كأن يبدأ في الإنفاق سرا، حتى تصبح ممارساته خالصة لوجه الله.

واستطرد قائلاً: قد يتسائل البعض، قد يتحقق الندم وبإحساس عميق، ولكن لماذا نعاود الوقوع في الذنب مرة أخرى؟ يحصل للإنسان لحظات ضعف؟ كيف يمكن الاستمرار في العزم على عدم العود مرة أخرى؟.

فيما استدل إلى حديث النبي الأكرم حول هذا السلوك بقوله: فلا تزال تتوب، حتى يكون الشيطان هو المدخور، أي أن الشخص يندم على سلوك شرير ثم يعود إليه من جديد تحت تأثير لحظات الضعف وتكرار المنبهات الخارجية، مثل سلوك الكذب في حياتنا اليومية، فنقرر أن لا نكذب بعد الآن، وهي حالة مخلصة، لكن ما إن يضمه مجلس مع آخرين حتى تجده يمارس عملية الكذب من جديد، ثم يندم ويقرر إلا يعود إلى هذ السلوك ولكنه أيضا يقع في المفارقة، وهكذا.

كما استعرض نمطين لهذا السلوك، الأول الشخص الذي يحيا متصارعاً مع نفسه، بين البناء النفسي المتزلزل، مع الاحتفاظ بقوى خيرة في أعماقه، إلا أن قواه الشريرة قد تستيقظ من جديد فيعود للذنب، ثم يعزم بجدية على عدم المعاودة وينجح في ذلك فعلا، ومع ذلك يسقط من جديد في حبائل الشيطان؛ إلى جانب نمط المصرّ على الكذب مثلاً دون أن تحدثه نفسه بالإقلاع عنه، أو الندم على ذلك.

وأبان سماحته إلى أن الحلول تأتي بالممارسة والتدريب المتواصل، حتى يقضي على منابع صراعه، مادام الجانب الخير من الصراع محتفظاً
بفاعليته لديه، فالتدريب على عدم المعاودة للذنب يفضي في نهاية المطاف إلى التغلب على الطرف الآخر من الصراع وهو الشر حيث يكون الشيطان هو المدحور في النهاية.

في المقابل، أشار إلى أنماط أخرى يرتبط صدور المعصية في شعورهم بالألم والتمزق وهم: الصنف السليم ممن يتحسس بالوخز من خلال الجهاز القيمي عند ممارسة أي سلوك لا يلتأم معه، فيدفعه
ذلك إلى تعديل السلوك وعدم العودة إلى المعصية مرة أخرى، إلى جانب من يتحسس بالوخز، إلا أنه لا يترتب عليه أي فاعليه في تعديل السلوك، فيلفه اليأس والعجز والقنوط، وهو نمط مرضي.

وأوضح أن المجرمون الذين يحترفون الجريمة بحيث يشكلون قمة المرض، فهؤلاء بسبب ما أودع فيهم كسائر الناس ألهموا مبادئ ومعايير التقوى والفجور فيدركون
ماهو شرير من السلوك وما هو خير منه (فألهمها فجورها وتقواها).

ولفت أن المجرم يعايش نمطين من الألم يعيشه لا شعوريا؛ فيسعد بالتقوى ويتمزق بالفجور، منوهاً أن الأسباب قد تكون مرتبطة بمشاكل طبية، إلى جانب نضوب الخير بنحو يطبع على قلبه بسبب استمراره بممارسة الجريمة والذنب، بالإضافة إلى أن التفكير الذي يمارسه المجرم يقتاده إلى ألم من نمط آخر متمثلاً بالتمزق الناتج عن عدم تحقيق الإشباع، مما يُعرض المجرم لأزمات وتمزقات داخليه أشد حجماً من تلك التمزقات التي يعيشها الرجل العادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى