أقلام

الدور العقائدي للإمام الكاظم (ع)

السيد فاضل آل درويش

لقد كان الأئمة (ع) يقومون بدور الهداية والإرشاد النظري والعملي على كافة المستويات والاحتياجات الإنسانية، فلم يقتصر دورهم الفعال على جانب الأحكام الشرعية بمفهومها الخاص، وإنما انطلقوا في جميع الميادين المعرفية والاجتماعية والاقتصادية ومختلف حاجات وهموم الناس، فعملوا على تزويد الناس بالمعارف والقيم التي يسلك من خلالها المرء طريق التكامل الروحي والأخلاقي، وعالجوا ما واجه الناس من شبهات فكرية وعقائدية وانحرافات سلوكية وقدموا الحلول الممكنة.
فالمشهد الإنساني بكل تفاصيله ودقائقه لم يكن بالغائب عن وجدان الأئمة (ع)، ويشهد لذلك وجودهم الفعال بشكل مستمر بمواجهة الشبهات وطرح الأجوبة الدالة على الفكر الصحيح، ومما يدل على ذلك هو مواجهتهم للأصوات النشاز التي تحاول بث الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة، فصنع العقول الواعية نهج وعمل مثابر للأئمة (ع) من خلال تقديم الحكم و المواعظ، وتشمل جهودهم كذلك اقتلاع جذور الشوك المتمثل بالأفكار المنحرفة ومواجهتها بالبراهين الناصعة التي تجلي الحقيقة.
والإمام الكاظم (ع) قام بهذه المهمة التصحيحية للعقائد وتبديد الشبهات المطروحة بين أوساط الناس، وذلك من خلال التصدي للأطروحات العقائدية المنحرفة وبيان أوجه بطلانها ومن ثم توضيح الرأي السديد، وقد ساعد الإمام الكاظم (ع) في نشر فكره العقائدي من يتلقفه من طلاب العلم والذين يعملون على بثه بين الناس وتوعيتهم من خطر تلك الأفكار الهدامة، إنها المسيرة التصحيحية للعقائد التي قادها الإمام الكاظم (ع) ، فمارس دوره الريادي بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة وفي سياق الأدلة الواضحة على المطلوب، والمناظرات والحوار الهاديء والاستماع لصوت الآخر و مناقشته هو ما جعل الثمار اليانعة تبرز وتنتج ببركة جهوده الكبيرة (ع).
ومن تلك المواقف العقائدية التصحيحية ما كان يثار حول مسألة لم تكن بالجديدة التي تتعلق بالصفات الإلهية ومسألة التجسيم وتشبيه الذات الإلهية بصفات الإنسان المادية، ولننظر لهذا المقطع التبياني منه (ع) في توضيح فكرة الصفات الإلهية وتجنب الخوض فيها بلا علم، فقال (ع): إنَّ الله أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفّوا عمّا سوى ذلك)(بحار الأنوار ج ٣ ص ٢٦٦ ).
يبين الإمام (ع) أن الطريقة المثلى لمعرفة صفات الله عز وجل ليس هو التخيلات والأهواء والقياسات الباطلة، بل المعرفة التوحيدية تنطلق مما وصف به سبحانه في كتابه المنزل وما عرفه به الراسخون في العلم، فهذا كتاب الله تعالى ينزهه سبحانه عن الجسمانية وغيرها من التشبيهات الباطلة، قال تعالى: { … لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }{ الشورى الآية ١١ }.
والإمام في كلمته يؤكد على هذه الحقيقة التوحيدية في بيان صفات الله عز وجل بعيدًا عن تخرص المتخرصين.
ويعالج الإمام (ع) مسألة تفاوت الأرزاق التي أخذت بعدها في توهمات الكثيرين، فإذا ضيق على أحدهم في رزقه اتهم التدبير الإلهي بعدم المساواة و الإنصاف، وينظر بعين الريبة لما يتمتع به الكفار والفساق من زهرة الحياة الدنيا، ودون شك فإن المصاعب المعيشية تسبب ألما و هما ليس بالقليل، ولا تدفع تلك الوساوس والأوهام إلا الإيمان واليقين بأن الله تعالى بيده خزائن السموات والأرض وبقدرته أن يهب العيش الرغيد لجميع عباده، ولكنه يختبرهم في التقتير على البعض وفي تفاوت الأرزاق، ورد عن صفوان الجمَّال عن الإمام الكاظم (ع): ينبغي لمن عَقِلَ عن الله أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتّهمه في قضائه)(تحف العقول ص ٤٠٨).
فمن تأخر عليه رزقه في شيء من حظوظ الدنيا فلا يتوهمن أن ذلك بسبب نقص في ملك الله عز وجل ولا لظلم للعباد – تعالى عما يصفون – ، وإنما الأمر يرجع إلى معرفة الرب الجليل بمصالح عباده كما أنه يخضع لمسألة الاختبار لمن أعطي أو قتر عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى