أقلام

الشهرة في الواقع العملي الاجتماعي

سامي آل مرزوق

بفضل الانتشار الواسع للإنترنت والتطور التكنولوجي والتقني في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي بين أيدينا، والتي أصبحت منافسًا قويًا للمنصات التقليدية المعروفة فهي بلا شك أحدثت نقلة نوعية على كافة الأصعدة، فقد عملت على تحويل العديد من البشر إلى سوق إعلانية إعلامية للشهرة، فلم تعد تبحث عن العلماء المتميزين، ولا عن الأدباء والمثقفين، ولا عن النخبة الذين يقدمون لمجتمعاتهم ما يفيد تطورها، ولا عن من يقدمون أرواحهم فداء للوطن كونهم أنموذجًا للتضحية والفداء، ولا عن من يرفعون رايات بلادهم خفاقة بالمحافل العلمية والأدبية والرياضية والفنية وغيرها المحلية منها والدولية.
ولما للشهرة من بريق ولمعان اجتماعي وربحي يسطع لمعانه أمام ضعفاء النفوس، فيستولي عليه ولا يتمكن من التغاضي عنه إلا قوي الإرادة و الشخصية المتمكن من نفسه وقدراته وإمكاناته، فقد عملت هذه الوسائل على منح الشهرة لبعض الناس بمن فيهم من لا يملكون الموهبة أو الخبرة وفي غضون ثوانٍ معدودة. فقد أصبح هناك من يلهث خلفها بمختلف الوسائل ويسعى لكسبها بشتى الطرق، سواء لكسب المال، أو للحصول على الوجاهة، أو حب الظهور الاجتماعي، أو للمدح والإطراء، أو لتغطية عيوبه الشخصية.

لقد أصبحت الشهرة الاجتماعية هدفًا في ذاتها يسعى خلفها الكثيرين من طالبيها، وليست نتيجة للأعمال الخيرية الاجتماعية الصالحة، رغم أن بادي الرأي أن الإنسان ميال إلى حب المحمدة ونيل الشهرة وانتشار الصيت والسمعة، ونفسه تواقة إلى أن يشار إليه بالبنان، أو أن يكون هو حديث المجالس، أو أن يسمع قوله أو يكتب عنه، فمن هذه الحالة التي نقدمها كواقع فإنه لا يحب أن يكون على هامش الاهتمام أو في مؤخرة الركب أو في دائرة الرضا بالدون.

إلا أن هناك من يرى إن الشهرة الاجتماعية وحبها شلا حركة المجتمع الإيجابية، وحولها إلى شكليات ومظاهر ومسرحيات خداعة، فحين أصبحت الشهرة الاجتماعية هدفًا وغاية في ذاتها تفشى النفاق والكذب و التصنع والخديعة و غابت القيمة الحقيقية لها. ومعرفة الناس الشهرة تعني سقوط النماذج الحقيقية ليبرز مكانها بالونات كاذبة وسراب مضلل فليس كل مشهور ناجحًا، وليس كل مغمور فاشلًا أو متأخرًا، على الرغم من أن هناك من يبدأ مشواره بنوايا حسنة وصادقة بدافع مبادئ وثوابت مؤمن بها كدوافع وطنية أو علمية أو دينية أو عملية، إلا أنها تتحول تلقائيًّا بعد الشهرة إلى حب الظهور وشهرة الوجاهة الاجتماعية وتطوق نفسه ليكون هو حديث المجالس ومحط الاهتمام، فهي جالبة للمال والسلطة والنفوذ والمجد وهو ما يشبه الأمراض الدخيلة على النفس البشرية، قد يستطيع أو لا يستطيع تحمل كل الانتقادات المجتمعية التي توجه إليه سواء أكانت سلبية أم إيجابية، فعاشق الشهرة الاجتماعية لا ينظر لرضا مجتمعه، بقدر ما هو يعمل لمحاولة و مخالفة الأعراف والتقاليد للوصول لهدفه، وامتلاك الثروة لا يعطيه رضًا حقيقيًّا بالضرورة وكونه محترماً بمجتمعه بسبب هذه الميزة مما يدفعه للحصول عليها كذلك وهو ناتج كما يبدوا عن فراغ وعدم شعور بالأمان وعدم الثقة بالنفس، وهو ما يفسر دافع الرغبة والتضحية بالكرامة والوقت والجهد للظهور ببرنامج تلفزيوني مثلًا للحصول على قوة مؤثرة من البشر.
فقد أصبحت الشهرة محل تقدير اجتماعي أكثر من الثراء المادي، والغريب أن الناس التواقين إليها أصبحوا يشعرون بالعزلة الاجتماعية وغرباء بمجتمعهم، فهي شيئ جميل. ومذهل لا يقاوم. أما بالنسبة للثروة والجاذبية الشخصية فالثري يستطيع شراء الأشياء ليكون سعيدٍا رغم أنه لن يقدم سعادة حقيقية والجاذبية الشخصية تقربك من الناس أكثر أما الشهرة فتعرفك بأناس غرباء لا تعرفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى