أقلام

المجتمع واحتواء الكفاءات

طالب عبدالحميد البقشي

من سمات المجتمعات المتقدمة أنها تولي اهتمام بالغ باستقطاب أصحاب الكفاءات العلمية والفكرية، لما تناه في علمها وقناعتها بأن حضارة الأمم تبنى بالثروة والطاقات البشرية وأن كل حضارة لا تقوم إلا على الكفاءات العلمية.

ولا يقف الأمر على الاستقطاب فحسب، بل يتبع ذلك تهيئة كل السبل المحيطة بالشخصية الكفؤة من توفير وسائل الراحة والتطوير العلمي وتوفير مناخ وأجواء علمية تنمو فيها مهارات وقدرات هذه الكفاءة.
وفي دائرة مجتمعنا فأن للأسرة أهمية فائقة في إنشاء وبناء الفرد الكفوء ورسم مسار وتوجه مستقبلي ناجح لأفراد الأسرة من خلال التشجيع والتقدير وتعاهد إنشاء جيل طموح يتسم بالمهارات والقدرات العلمية العالية.

كما أن للمجتمع دور رئيس في احتواء الكفاءات والاهتمام بها وتقديرها وتبنيها وتنميتها بالدعم المادي والمعنوي،
والإشادة بمنجزاتها العلمية والعملية ويبقى كل ذلك مرتبط بوعي المجتمع وإدراكه بأن بناء الكفاءات في المجتمع يحدد مدى تقدم المجتمع وتطوره.

وجرت العادة في المجتمع أن يحتفى بالشخصيات الكفؤة بعد الوفاة وذكر محاسنها ومأثرها وحسب!!! وفي حدود ونماذج بسيطة، وتغيير هذه العادة من أولويات الوعي الاجتماعي ومعرفة قيمة الكفاءات في المجتمع، فمن الأولى أن يحتفى بالشخصية الكفؤة في وجودها حتى تعم الفائدة لكليهما: المجتمع وكل كفاءة علمية من شريحة العلماء والأدباء والأطباء والمهندسين.

وتجاهل المجتمع للكفاءة يتسبب في انزواء وانطواء الكفاءة على الذات والشعور بعدم تقدير المجتمع لمكانته وكفاءته الشخصية، وبالتالي هجرة العقول المبدعة بحثًا عن التقدير ومستقبل أفضل لتحقيق المكاسب.

ويهتم المجتمع بتكريم المتفوقين دراسيًا ويغفل عن تكريم أصحاب العطاء من العلماء والأدباء والمفكرين، لذلك فأن الاحتفاء بهؤلاء الكفاءات وتكريمهم ورصد الجوائز التقديرية لهم يزيد من أعداد الكفؤين ويتحقق المجتمع المتحضر.

وحتى لا يدخل المجتمع في منحدر التخلف، فأن التطلع إلى زيادة أعداد الكفاءات في الوسط الاجتماعي من تحديات العصر الحديث، ويتطلب علاقة تفاعل ودعم من قبل المجتمع لكل شخصية كفؤه ليتمكن المجتمع من التنافس على التقدم وتتويج جيل كفوء يكون في مصاف المجتمعات المتقدمة.

وتعد الشخصيات الكفؤة أفضل شريحة اجتماعيه يبنى عليها تقدم المجتمع، لما اتصفت به من قدرات ومهارات علميه أو فنية عالية حيوية وفاعلة يحتاجها المجتمع والوطن. ويمكن الاستثمار بقدراتها عبر إشاركها في مشاريع اجتماعيه ووطنية، فرأس المال البشري من أفضل الاستثمارات في العصر الحديث للمجتمعات الإنسانية.
ومجتمع الأحساء والقطيف يزخر بالكفاءات العلمية المغمورة التي نشير في هذا المقال بأن تنمية وتطوير المجتمع لهؤلاء المبدعين جزء منه قائم على مبادرات رجال المجتمع المرموقين من الوجهاء ورجال الأعمال والمتمكنين، وتحقيق ذلك من خلال إنشاء مشروع مجتمعي يتضمن برامج دعم ترعى وتكرم كل كفاءة علمية مغمورة، لأن هذه الثروة من الكفاءات مكسب للمجتمع ومن المؤكد فأن العلاقة بين المجتمع والكفاءات تبادلية، فكلما ارتفع تقدير ودعم الكفاءات سوف ينعكس تأثيره على الكفؤين والرغبة في رفع سقف العطاء والإبداع من قبلهم، وينعكس عطاء هؤلاء المبدعين على المجتمع ويتحول إلى مجتمع متطور ومتقدم ومنتج.

وحديثًا تم إنشاء جمعية كفاءات الأهلية بالأحساء لتنمية الطاقات البشرية عام 2022م من قبل نخبة من الكفاءات الرائدة التي تتحلى بخبرات طويلة وتجارب ناجحة، وهي جمعية غير ربحية وتقدم خدمات مجانية، ومن ضمن برامجها تطوير المهارات الشخصية والقيادية. ونشير للطاقات الشابة بالتعرف على خدمات وبرامج جمعية كفاءات والاستفادة من برامجها المتعددة لتطوير وتنمية الكفاءات.

فعلى صعيد مجتمع الأحساء والقطيف هناك مبادرات اجتماعية محدودة من شخصيات بارزه ومرموقة قامت بتكريم بعض رجال العلم والأدب تستحق الإشادة وجميل الذكر، وكلما اتسعت هذه المبادرات فإن ذلك يساهم في تزايد أعداد الكفاءات المتنافسة والحصول على مجتمع الكفاءات وإيجاد بيئة ومناخ تكون فيه منطقتنا أحد الحواضن المنتجة للكفاءات التي منها إقامة حفل تكريم في الأحساء تحت عنوان: ” كتابي ٢ ” للاحتفاء بالكتاب والكاتبات من أسرة بوخمسين تحت شعار (نفتخر بكتابك) مبادرة من الوجيه رضا بن الشيخ حسن بوخمسين، وبلغ عدد الكتاب والكاتبات الذين تم الاحتفاء بهم في هذا العام إحدى وعشرون كاتبًا وكاتبة، مقابل أحد عشر في حفل كتابي ” ١ ” عام 2019.

وكذلك أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف برعاية من الوجيه الشايب في برامجه لتكريم الشخصيات الثقافية والاجتماعية في كل موسم حفلًا تكريميًا للعلامة السيد علي السلمان لجهوده العلمية والاجتماعية المتميزة ودوره في حفظ وتعزيز السلم الأهلي، ودعمه للعديد من المشاريع الاجتماعية والصحية في المنطقة.
ومن الأسر التي نبغ منها كفاءات علمية ناشئة أسرة العيثان التي حصد أبناؤها جوائز علمية خلال العام المنصرم، ونفخر بمنجزاتهم على مستوى محافظة الأحساء فقد حصد الطالب هادي العيثان ميدالية فضية في أولمبياد الرياضيات الدولي وحازت الطالبة النابغة دانة العيثان على المركز الأول في مُسابقة ايسف الدولية فيما يتعلق بالكيمياء.

وتقام احتفالات وتكريمات لشخصيات علمية وأدبية هنا وهناك، ولكنها على مستوى الصالونات والمنتديات الأهلية المحدودة والمصغرة ومع تقدم المجتمعات الإنسانية وتطورها والسعي لجذب العقول وتنمية الكفاءات فإن أهمية احتواء وبناء الكفاءات تتزايد يومًا بعد يوم مما يتطلب تأسيس مشروع مجتمعي يرصد ويوثق ويدعم الأعمال والنتاج الفكري والأدبي والعلمي والفني للكفاءات والمبدعين من العلماء والأدباء والأطباء والمهندسين بمجتمعنا والاحتفاء بإنجازاتهم وتكريمهم بإقامة مهرجان وحفل موسمي مشرف يليق بعطائهم على مستوى المنطقة الشرقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى