أقلام

عساكر وتجفيف النقد من النقد

سررت قبل أسبوعين بخبر استضافة الباحث الأستاذ علي عساكر في حوارية مهمة لعلها من أهم الفعاليات التي نظمها ملتقى (آراء واصداء) في موسمه الثقافي الحالي 2022، فقد كانت الفعالية جذابة في عنوانها الذي يبشر بتقديم قراءه لكتاب (النقد عند العلامة الفضلي) للباحث الأستاذ عساكر، وقد سررت بهذه الأمسية لسببين مهمين:
أولًا لاشتمالها على النقد كمفهوم فلسفي مهم، وثانيًا الشخصية العلميه للدكتور الفضلي، فالنقد الفلسفي نقل الفكر من الجدل التقليدي القائم على الفكرة إلي تحليلها وتشريحها وصولًا إلي المهمة النهائية للفسلفة والمتمثل في الحفاظ على زخمها التطويري في البناء المعرفي ودورها في تطوير المفاهيم لتواكب حركة المجتمع واستمرار حيويته، وهذا مايعرف باستعادة الذات المرتبطة بحرية الوعي بعيدًا عن نظرية السيد والعبد ليس في شكلها الظاهري في الطبقات الاجتماعية، وإنما في بعدها الفكري والمعرفي ضمن حركة العلم في تراكمه، كما فعل الفلاسفة الأوائل، وكذلك فلاسفه الأنوار حيث انطلقوا جميعًا من فكرة الجدل أو مايعرف بالدلايكتيك، بدءًا من أرسطو، ومرورًا بالتجلي القوي الذي عرف بالجدل في الحقبه الهيجلية، فلولا أرسطو لما وجد هيجل، ولولا كانط لما عرف العقل عبر نقده للعقل الذي تميز في نقل ذلك المفهوم من حالة الفلسفه التقليديه القائمه على تغليب رأي على آخر بفعل المساجلات، إلي مفهوم منفتح مؤسس على التحليل والنقد رابطًا التفاعل بين المتناقضات في علاقه تبادليه بين الواقع والفكره المثالية، فجعل من الفكره ثورة على الواقع والعكس صحيح.

واستفاد من ذلك الكثير ممن تعاقبوا بعده مثل كارل ماركس الذي تأثر بهيجل رغم أنه خالفه، ولكنه اتخذ منه نهجًا رؤيويًا ، فالماركسيه خرجت من معطف الهيجلية، بل ولدت من رحمها اذ أنزلتها من مثاليتها إلى جعلها فعلًا واقعيًا متجسدًا ومجسدًا الفكرة على الأرض. وهنا تبرز أهمية العقل الفلسفي النقدي وارتباطه بالواقع سواء في عملية التطوير أو الإصلاح الذي سار عليه الشيخ الفضلي، واتضح ذلك في منجزاته ومؤلفاته التي ما تزال تدرس في الجامعات العلمية والحوزات الدينية بغية الوصول إلي حاله تطويرية يتلمسها المجتمع في واقعه كسلوك عملي مواكب للمرحلة، ناتج عن إعادة صياغة للمفاهيم الاجتماعية والدينية متسقة مع مقاصد الدين ومواكبة للعصرنة.

غير أن سعادتي لم تدم طويلًا إذ أُصِبت بالدهشة لخلو الندوة من تلك الحاله الفكرية، إذ ركزت القراءة في سردية انطباعية على منجزات الشيخ فشكلت صورة غير واضحة عن مبحث الشيخ العلامة النقدي وتجلياته في الساحه الاكاديميه أو الحوزوية.

وإذا ما أردنا تطبيق مهموم الشيخ الفضلي ذاته على هذه الفعالية المجففة من النقد، فهو يعد النقد عملية ترميمية للنص المعرفي، فيمكننا حينئذ أن نخرج بجملة من الملاحظات ومنها:

١- من الملاحظات على هذا الحوار أنه خلى تمامًا من توجيه أي نقد للكتاب الذي يزيد على ٧٥٠ صفحة رغم أنه ألّف في فترة وجيزة (قرابة ثلاثة شهور) ما يرجّح وقوعه في بعض الأخطاء، ومع ذلك فقد خلى الحوار الذي أداره الكاتب عيسى الربيح من أية إشارة إلى أي خلل منهجي أو تطبيقي في هذا الكتاب! ألا يشير هذا الأمر إلى أننا نتحدث عن النقد، ولكننا لا نمارسه فعلًا.

٢- لم تكن علاقة الشيخ الفضلي بالحركة الفكرية الغربية علاقة انفصال، بل كانت علاقة تواصل وسجال حضاري دائم يقوم على الاعتراف بالمنجز الغربي والحوار معه، ولا أدل على ذلك من تفكيكه الدائم للمفاهيم والمصطلحات الغربية أثناء تحريره للمفاهيم التي يتناولها، ومنها مفهوم النقد ومفهوم الحرية في الدولة الإسلامية في الواقع الراهن ونقده لضعف الثقافة الدستورية في الحالة الإيرانية وغياب الدراسات الدستورية في هذا الجانب كما نقل ذلك الكاتب باقر الرستم في أمسية بمنتدى الثلاثاء، وقد خلت الأمسية من مثل هذه الأمثلة مع شديد الأسف.

٣- أجاب الأستاذ عساكر عن سؤال الثابت والمتغير في الدين بإجابة حصرته في إطار فقهي ضيق يجعل هذه الديناميكية محصورة في مسألة الأحكام والمفاهيم الثابتة الحكم في الدين في مقابل المفاهيم المختلف عليها ما يجعل الفضلي يعدها مساحة للتفهم والتسامح، ويدعو إلى عدم اعتبارها نقاط توتر في المجتمع.
ومن أمثلة ذلك خلق اللحية وطهارة الإنسان، بالرغم من أن هذه الإجابة مستلة مباشرة من محاضرة للفضلي قدمها في سيهات إلا أننا نتساءل: هل ينحصر مفهوم الفضلي في مجمل مؤلفاته عن حركية الدين وديمومته في هذا الجانب، أم أن الأمر أوسع من ذلك؟ خصوصًا ونحن نعلم أن الفضلي هو امتداد للشهيد الصدر الذي تناول هذا الجانب بتحليل أعمق.
ويفترض بالشيخ الفضلي -رحمه الله وهو امتداده- أن يأخذ مشروع الشهيد الصدر إلى مديات أوسع وافاق أرحب في إعادة صياغة الكثير من المفاهيم الدينية المتحركة أو المتغيرية والمتصلة بالجانب الفقهي والفكري في عملية إصلاح الخطاب الديني الذي شغل اهتمامه في حياته -رحمه الله- لكونه فقهيًا جامعًا لشرائط التجديد الفكري والمعرفي القائم على النقد.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى