أقلام

زفة أسطورية

السيد فاضل آل درويش

ومن ذكرى زواج النورين نستقي مجموعة من الدروس المهمة في علاقة الزوجين والتركيز على أهم الأسس المحققة للاستقرار والنجاح في علاقتهما كالتفاهم واحترام الآخر، ومن جهة أخرى نبحث عن أهم المعوقات والعراقيل في وجه الزوجين فيحرمهما من تحقيق الهدف الأسمى من علاقتهما وهو المشاعر العاطفية تجاه شريك الخياة والعمل على إسعاده، وهذا الأمر يستحق المؤازرة بين الباحثين والمختص الاجتماعي والأسري في ندوات وبحوث؛ بغية التوصل لمجموعة من التوصيات والحلول لأهم ما يشكل معوقا لأقدس علاقة.

ومن تلك المعوقات هي جانب البذخ والإسراف في مظاهر الزواج والمحاولات المستميتة لإقامة حفلات يتفنن فيها البعض لتكون موضع متابعة وخصوصًا في منصات التواصل الاجتماعي وتصبح حديث الساعة في المجالس، وهذا بالتأكيد يتطلب تكاليف باهضة تثقل كاهل الزوج وأسرته التي تقف معه ماديا إن وجد ذلك، ولا يمكننا أن نجد الكثير من الشباب في مقتبل عمره وهو يمتلك من المال ما يساعده على إقامة مثل تلك الحفلات وما تتضمنه من تجهيزات لا تقف عند حد معين، بل نجدها تتعدد وتزداد وكأنها موضات تخضع للإعلانات، كما أن تأثيث مكان السكنى للزوجين تتحكم فيه المظاهر ويخضع للتسابق التجاري على تقديم الأثاث بأسعار مرتفعة سواء لغرفة النوم أو تأثيث المطبخ بأرقام خيالية، وإن بقينا أسارى هذه المظاهر فبالتأكيد هناك تبعات ونتائج سلبية يلمسها ويشعر بها أفراد المجتمع ولا تحتاج إلى برهنة أو سر الأرقام المؤلمة للمتأخرين في الزواج ، فالشاب يتأخر في زواجه – هذا بخلاف من يعزف عن الفكرة أصلًا ويروق له التغني بالعزوبية – والأيام تمضي وينخرط في دوامة القروض والجمعيات التي لا تفي بكامل متطلبات هذه الزفات الأسطورية، وهذا ما يأخذ بتفكيرنا باتجاه البحث عن طرق إقامة حفلات بمبالغ بسيطة وفي متناول الشباب و تسهل عليهم أمر الزواج، فكثير من تلك المظاهر البذخية تخضع لتعقيدات وعادات اجتماعية تتحكم فيها – بكل صراحة – نظرات المقارنة بزيجات الأخريات وخصوصًا من الأقرباء والصديقات، ويقع التنافس في وهج وتسارع لإضافة أمور جديدة تضفي طابع التميز على مراسم العرس ولكنها مصحوبة بتكاليف جديدة تقصم ظهر الشاب، وتدفع به إلى بؤرة الهموم والضيق النفسي بسبب تراكم الديون وصعوبة جدولتها من أجل ساعات في ليلة واحدة، ولكنه يبقى بعدها لسنين يعاني ماديًا، وبالتأكيد فإن الأمر ينعكس سلبا على علاقته بزوجته التي يفترض بهذه الشراكة الزوجية أن تسهم في تحقيق الأمان العاطفي والسعادة لهما، ولكن يبدو الأمر بعيد المنال مع هذا الضيف الثقيل – الديون المتراكمة – والذي لا يفارق ذهن الزوج وينغص عليه اللحظات الجميلة إن مر بخياله!!

الأمر يستحق الاهتمام والوقفة الجادة وإخذ خطوات عملية تقف بوجه هذا البعبع المخيف وهو تكاليف الزواج الباهضة، وفي البداية لن تكون الخطوة سهلة في رفض مظاهر تفرضها قيود اجتماعية، ولكن الإقدام بكل جرأة وشجاعة عملية سيسقط تلك التكاليف بالضربة القاضية، ويسهم في مواجهة معضلة المقارنات الممقوتة التي يتباهى بها الأهل وينشرونها على مستوى وسائل التواصل بينما يشقى بتكاليفها ذلك الزوج، فاليوم تدق طبول الاستعدادات المادية وما استحدث من مظاهر، بينما يغيب التركيز على لب العلاقة الزوجية وتكوين ثقافة وتربية يتعلم من خلالها الشاب والفتاة أهم مباديء الاستقرار والنجاح في علاقتهما بعيدًا عن المنغصات.

فما الذي سيحدث لو أقمنا حفلة بسيطة من الناحية المادية، نعمل على تقليل تكاليفها قدر الإمكان وبما يتناسب والمستوى الاقتصادي للشباب في مقتبل العمر، فبدلًا من تلك الجوقة الأسرية للبحث عن الأسماء اللامعة للمحلات والمنتجات (الماركات) للأثاث وحفلات العرس وصولًا لحفلة صاخبة، لنبحث عن بدائل تحقق المظهر الخارجي لفرحة أهل العريسين بأقل التكاليف، ولنكن جادين في تفكيرنا ونتحمل المسؤولية، وإلا فمن يقول بأن البحث بين القاعات التي يصرف عليها مبالغ طائلة هي الكفيلة بتحقيق السعادة الحقيقية؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى