أقلام

لماذا نتذكر – وننسى وماذا يمكننا أن نفعله حيال ذلك

بقلم ليز مينيو محررة  بجامعة هارفارد

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

طبيب الأعصاب أندرو بودسون Andrew Budson وباحثة علم الأعصاب إليزابيث كينسنجر Elizabeth Kensinger لم يشرحا كيف تعمل الذاكرة فحسب، بل أعطيا أيضًا بعض النصائح والأفكار العلمية عن كيف نحافظ على حدة الذاكرة مع تقدمنا في السن في كتابهما الجديد، “لماذا ننسى وكيف نتذكر بشكل أفضل Why We Forget and How to Remember Better: العلم الذي وراء الذاكرة” الذي صدر في الأول من فبراير، 2023.  أجرى موقع مجلة هارفرد الإكتروني The Gazette مقابلة مع الدكتور بودسون Budson والدكتورة كيسنجر Kensinger عن علم أعصاب الذاكرة وما لديهما من نصائح وأفكار لتحسين الذاكرة.

سؤال من قبل المجلة وجواب من قبل أندرو بودسون وإليزابيث كينسينجر

المجلة: ما هي المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعًا عن الذاكرة؟

كينسنجر: أحد الأخطاء الأكثر شيوعًا تتمثل في الاستعارات التي نستخدمها للحديث عن الذاكرة والتي تشير إلى أن الذاكرة تتموضع في مكان ما في الدماغ، على هيئة ملف نستطيع استرجاعه متى أردنا بدون بذل أي جهد يذكر.  الذاكرة هي عملية نشطة وتحتاج إلى بذل جهد.  في كل مرة نتذكر (نسترجع الذاكرة) فيها حدثًا وقع في الماضي، علينا أن نبذل جهدًا لترميم تلك الذاكرة (1). الاعتقاد الخاطئ الثاني المتعلق بالذاكرة هو أن هناك شيئًا يشبه الذاكرة الفوتوغرافي(2)، وهي قدرة الشخص على تذكر كل ما رآه للتو بسهولة.  ربما نشعر أننا نتذكر أشياء اتفاقًا لم نحاول تذكرها، ولكن هناك أسباب تجعلنا نتذكرها؛ كنا نستمتع بنشيد لما كنا نستمع إليه، أو كنا نتصور كم كان شيء ما غريبًا، وهذه المشاعر أو الأفكار سمحت لهذا المحتوى أن يصل إلى الذاكرة.

المجلة: كيف يمكننا التأكد من أننا نتذكر الأشياء التي نحتاج إلى تذكرها؟

كينسنجر: في الكتاب، استخدمنا طريقة تساعد في زيادة القدرة على تذكر المعلومات والاحتفاظ بها. هذه الطريقة متكونة من أربعة أشياء مهمة بداية حروف كلماتها مجموعة في كلمة FOUR بالانجليزية ، علينا أن نقوم بها حتى تساعدنا على حفظ المعلومات في الذاكرة(3). أولاً ، أن يكون الانتباه مركزًا (Focus) ؛ ثانيًا ، أن تكون المعلومات منظمة (Organize)، وثالثًا أن تُفهم المعلومات (Understand)، وأخيرًا ، أن تُربط تلك المعلومات بشيء آخر معلوم للدماغ بالفعل (Relate).  الكلام عن هذه العملية أسهل بكثير مما يجري حقيقةً.  في كثير من الأحيان، عندما يقول أحدهم، “حضرت حفلة، والتقيت بكل هؤلاء الأشخاص، ولكن لا أتذكر أسماءهم”، الإخفاق في تذكر اسمائهم كان منشأه في تلك المرحلة الأولى هو عدم الانتباه الكافي حينها، وفي لحظة محاولة التذكر، قد يكون هناك أيضًا بغض الإخفاقات.  بالتأكيد فقد خبر  هذه المشكلة كل الطلاب.  على الرغم من أن الطالب يعرف محتوى المادة، ولكن أثناء الاختبار لا يتمكن من تذكره.  أو لو كنت تنظر إلى وجه أحد الأشخاص، تعرف اسمه، ولكن في تلك اللحظة لم تتمكن من تذكر اسمه.  في تلك اللحظات، قد تتفادي الرغبة الملحة في التفكير في استعراض بعض الأسماء المحتملة، ولذلك تحاول استخدام بعض القرائن التي قد تساعدك على تذكر اسمه، مثلًا تحاول تذكر آخر مرة قابلته فيها وسياق هذه المقابلة والارتباطات المحتملة بتلم المقابلة [المترجم:  يُسمى هذا النوع من الذاكرة بـ ’الذاكرة الاقترانية (4)] .

المجلة: كيف يمكن أن يؤثر النوم أو عدم النوم في ذاكرتنا؟

كينسنجر: عندما نتحدث عن تخزين المعلومات في الذاكرة حتى نتمكن من تذكرها (الرجوع إليها)  على الأمد الطويل، فإن الحصول على  قسط كافٍ من النوم يُعتبر أحد أهم الأشياء التي بإمكاننا القيام بها.  النوم يساعد على انتقال المعلومات من الذاكرة قصيرة الأمد (ذاكرة عابرة)(5) وتخزينها في الذاكرة طويلة الأمد(6)، كما يساعد النوم على الانتقال من شيء نتذكره من حدث معين، مثل تذكر كلام المعلم عن مقدار درجة غليان الماء 100 درجة مئوية، إلى حقيقة نحن نعرفها بالفعل.

بودسون: النوم مهم لتعزيز وتقوية الذاكرة بحيث يمكن استرجاعها لاحقًا، ولكن من المفترض أيضًا أن يساعدنا النوم على الأقل على التخلص من بروتين بيتا أميلويد ليلًا. يُعتقد أن هذا البروتين يسبب مرض الزهايمر وهو نوع من أمراض الخرف.  لا يزال البحث في هذا المجال نشطًا، ولكن هناك بعض الأدلة الجيدة على أنه عندما ننام، تتقلص خلايا الدماغ والمشابك العصبية قليلاً، مما يسمح لنا بالتخلص من هذا البروتين الذي يتراكم خلال النهار.  لا أحد يعرف بالضبط ما هي الوظيفة الطبيعية لبروتين الأميلويد، لكن البعض يعتقد، وأنا واحد منهم، أنه جزء مهم من جهاز المناعة في الدماغ يقيه ضد الغزاة الدخيلة، كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات.  حاليًا، بالإضافة إلى النوم، نعرف أنه للحفاظ على صحة أدمغتنا – وللحفاظ على صحة جيدة بشكل عام – نحتاج إلى تناول الطعام بشكل صحيح وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والحفاظ على وزن صحي للجسم وأن نكون نشطين اجتماعيًا.

المجلة: سودوكو أو حل الكلمات المتقاطعة؟ أيهما يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ والذاكرة القوية؟

بودسون: الإجابة المختصرة على ذلك هي أنه عندما تمارس ألعاب الدماغ الاكترونية أو سودوكو، فالذاكرة،تتحسن بألعاب الدماغ ولعبة السودوكو، لكن هذا لا يُترجم عمومًا إلى وظائف الدماغ(7) بشكل عام.  بقولي هذا، نعلم أنه عندما ينخرط المرء في أنشطة تحفيز معرفية جديدة(8، 9)، فقد ثبت أن هناك فوائد.  نظرت إحدى الدراسات التي نشرت مؤخرًا في حل ألغاز الكلمات المتقاطعة مقارنة بألعاب تدريب الدماغ الاكترونية، ووجدوا أن الذين حلوا ألغاز الكلمات المتقاطعة كان أداؤهم أفضل.  قد يكون حل الكلمات المتقاطعة نشاطًا مفيدًا لأنه دائمًا ما يكون مختلفًا قليلاً ويتطلب التفكير من الشخص في الكلمات واستخدام معرفته بطرق مختلفة ومستجدة.  ولكن ثبت أن وجود علاقات اجتماعية صحية يعد أمرًا مهمًا.  أدمغتنا لم تنشأ وتتطور لتحل كلمات متقاطعة أو تعلب ألعابًا الكترونية. بيد أنها تطورت في وسط كبير من العلاقات الاجتماعية.  هذا هو أحد الأسباب الذي يجعل المحافظة على علاقات اجتماعية نشطة أمرًا مهمًا جدًا.  باختصار، يجب أن نأكل بشكل صحي ونمارس التمارين الرياضية ونحفز أنفسنا تحفيزًا معرفيًا(8، 9)، وأن نبقى محافظين على علاقات اجتماعية نشطة وعلى النوم بشكل كافٍ.

المجلة: كيف تتغير الذاكرة مع التقدم في السن؟

كينسينجر: مع الشيخوخة الخالية من الزهايمر أو الشيخوخة المرضية الأخرى [وهي التغيرات التي تصيب الشخص بسبب أمراض الشيخوخة(10)]، يمثل ضعف الذاكرة مشكلة شائعة جدًا.  ننسى أشياء مثل الأسماء (النحوية)؛ لا يمكننا تذكر أسماء بعض الآشخاص ولا يمكننا تذكر عنوان الكتاب الذي قرأناه الأسبوع الماضي.  نحن أيضًا أكثر عرضة لنسيان بعض التفاصيل، لأنه مع التقدم في السن، هناك انتقال نحو دماغ يرتب الأوليات وفقًا لجوهر / أهمية ما حدث.  يتبنى الدماغ أوجه التشابه بين الأحداث ولا  يحاول التركيز على كل حدث بعينه.  قد يؤدي ذلك إلى كثير من الارباكات في الذاكرة، ويمكن أن يجعلنا أيضًا عرضة لبعض أنواع تشوهات الذاكرة [تشوهات الذاكرة هي حين يتذكر الشخص خطأً المعلومات المتشابهة من الناحية المفاهيمية(11)] أو التذكر الخاطئ حين يعتقد أن شيئًا ما حدث ، لكنه كان شيئًا مختلفًا قليلاً.  من المهم أيضًا الإشارة إلى أن هناك بعض الجوانب الإيجابية لهذا الانتقال.  يُعتقد أن ميل الدماغ هذا للتعرف على أوجه التشابه بين الأحداث قد يكون أحد العوامل التي تؤدي الى  ما نعتقد أنها الحكمة التي تأتي مع التقدم في السن.

المجلة: من بين العديد من الأفكار لتحسين الذاكرة التي أدرجتموها في كتابكما، ما هي أكثر الأفكار فائدة بالنسبة لك؟

بودسون: أول شيء أود أن أقوله هو أنه ليس هناك خطأ في الاستعانة بمصادر خارجية لتخزين / لحفظ الذاكرة [المترجم: باستخدام التلفونات المحمولة لتخزين الذاكرة(12)، مثلًا]  أو مفكرات تساعد على التذكر.  أي شخص يريد أن يتذكر قائمة تسوق أو موعد قادم، يقوم بكتابتها أو تخزينها في هاتفه أو مفكرته؛ ويستخدم المفكرات الرزنامات.

أنا أفرغ ذاكرتي قدر الإمكان.  كل كلمات المرور التي استخدمها مكتوبة الكترونيًا بشكل آمن.  أستخدم التقويمات ومفكرات وقوائم. فيما يتعلق بمحاولة تذكر الأشياء بشكل أفضل، فأنا أعمل يوميًا على محاولة الحضور ذهنيًا والانتباه لما أفعله وأحاول الحد من تعدد المهام.  عندما أركن سيارتي في مرآب السيارت، أحاول أن أكون واعيًا لما أفعله بالضبط.  لو أردت أن أذهب إلى مكان غير مألوف لتمرين الجري، فسأنتبه جدًا. كما أنني أعمل بجد لتحويل الأشياء إلى عادة وروتين قدر الإمكان بحيث تصبح عادة تلقائية.

كينسنجر: أنا جدًا معجبة باستخدام طريقة الاستذكار التي توصلنا إليها والتي تساعد في زيادة القدرة على تذكر المعلومات والاحتفاظ بها.  هذه الطريقة المتكونة من أربعة أشياء بداية حروف كلماتها مجموعة في كلمة FOUR بالانجليزية . لقد ساعدتني تلك الطريقة على تصور كل تلك الخطوات المختلفة التي أحتاج إلى اتخاذها في كل مرة يبرز شيء مهم علي أن أتذكره. أعتقد أن طريقة الإستذكار البسيطة التي اقترحناها مفيدة أيضًا.  على سبيل المثال، بالنسبة لكلمات المرور السرية، أكتبها في عبارة بحيث يبدو الرمز الأبجدي الرقمي [كلمة المرور السرية] منطقية بالنسبة لي، ويمكنني تذكرها لفترات زمنية طويلة.  طرق الإستذكار هذه التي نضعها بأنفسنا تعتبر قوية لأنها تتطلب هذه الخطوات الأربع، وخاصة أننا بذلنا جهدًا في إنشاء هذا النوع من طرق الاستذكار.  كلنا مر بتلك اللحظة المحبطة حين لا ندري أين تركنا هواتفنا.  بالنسبة لي، غالبًا ما يكون هذا اخفاقًا في التذكر لأنني وضعت هاتفي في مكان حين لم أكن منتبهًا لذلك.  الآن عندما أضع هاتفي في مكان ما، أقول ذلك بصوت عالٍ: أنا أضع هاتفي على المنضدة. إنها إستراتيجية بسيطة جدًا ، وبما أنها بسيطة، لا أنساها.  عليك أن تركز انتباهك على تلك الخطوات الأولى لتوفر على نفسك ارباكات بسبب النسيان انت غني عنها.

وأخيرًا، فإن أحد أهم النصائح للطلاب الذين يدرسون للاختبارات هي: لا تحاولوا حشو الكثير من المعلومات بسرعة وفي وقت قصير قبل الامتحان بقليل.  حين سهرت الليل كله للمذاكرة قبل الامتحان، فأنت لم تنم.  كما قلنا آعلاه، النوم مهم لتقوية وتعزيز الذاكرة. وإذا أدركت أنك لا تفهم شيئًا ما لأنك بقيت ساهرًا طوال الليل، فغالبًا ليس هناك وقت كافٍ لتعزيز هذا الفهم. أيضًا، ذاكر الدروس بعدة طرق مختلفة وباستخدام العديد من السياقات والأمكنة المختلفة.  لا تدرس فقط في غرفة النوم ولا تدرس دائمًا في نفس المقعد في المكتبة؛ بل ادرس في أماكن مختلفة في أوقات مختلفة من اليوم لأن كل ذلك سيساعدك على تذكر المعلومات التي درستها.  وبسبب هذا التباين والحاجة إلى النوم  والوقت الذي يحتاجه الطالب لفهم المادة فمن المهم أن يبدأ الاعداد والاستعداد والدراسة مبكرًا ويداوم عليها بشكل مثالي طوال الفصل الدراسي بدلاً من الانتظار ومحاولة حشو كميات من المعلومات في اللحظة الأخيرة قبل الاختبار الرئيس.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_ترميمية

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_صورية

3- https://human-memory.net/memory-encoding/

4-

https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_ذات_محتوى_قابل_للقصد

5-  https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_قصيرة_الأمد

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_طويلة_الأمد

7- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/علم-التشريح/مخ#mcetoc_1f7bi9ku423d

8- “التحفيز المعرفي Cognitive stimulation  يشمل جميع الأنشطة لتحفيز وتحسين الوظائف المعرفية: الذاكرة واللغة والانتباه والتركيز والتفكير والتجريد(9)، والعمليات الحسابية. الهدف هو تحسين أو الحفاظ على الأداء المعرفي / الادراكي وتقليل الاعتماد على الغير في الوظائف التي يحتاج الشخص الى القيام بها بمفرده، والعمل على تحسين القدرات التي لا يزال المريض يحتفظ بها، مع محاولة تجنب المريض الشعور بالإحباط من كونه مريضًا.”  ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.topdoctors.com.sa/medical-dictionary/cognitive-stimulation-therapy/

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/تجريد

10- https://dictionary.apa.org/pathological-aging

11- https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2021.628696/full

12- https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/10494820.2017.1269387

المصدر الرئيس

Why we remember — and forget. And what we can do about it

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى